ثقافةمانشيت

مثقفون: ستبقى “واشو كاني” صاحبة التاريخ والحضارة

المثقفون هم عيون المجتمعات، وأقلامهم منابر الوصول إلى الحقيقة، وثروة الأمة لبناء مجتمع مكافح ومقاوم في وجه التحديات التي تعرقل طريق حريته واستقراره، ولا بد من أن يكون للمثقفين رأي في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة سواء كانت ثقافية أو سياسية، وعلى وجه الخصوص في الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، حيث نشهد حالة من عدم الاستقرار في ظل ممارسات لا تمت للإنسانية بأي صلة، وذلك نتيجة الهجمات المتواصلة لدولة الاحتلال التركي ومرتزقتها على المنطقة، فمن عفرين إلى سري كانيه وكري سبي، ومعها العديد من المناطق والأراضي السورية التي باتت ساحة لجرائم وانتهاكات هذا العدوان التركي الغاشم.

وللحديث عن رأي المثقفين بصدد هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته على مناطق شمال وشرق سوريا، وما تقوم به من انتهاكات بحق المدنيين والحجر والشجر، اجرت صحيفة الاتحاد الديمقراطي لقاءات مع مثقفين أكدوا على أن الانتهاكات الوحشية لدولة الاحتلال التركي من تهجير قسري وتغيير ديمغرافي في المنطقة فاقت التصور، وبات لا يردعه شيء في ظل صمت دولي مخجل.

فتحدثت ليلى إبراهيم الرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة، لصحيفتنا، صحيفة الاتحاد الديمقراطي، قائلة:

ما نعيشه اليوم هو حالة من الفوضى ومرحلة أزمة وتجاذبات وأجندات ومشاريع ومصالح دولية، ولم يعد خافياً على أحد الأطماع التركية تجاه أراضينا، فمن درع الفرات إلى غصن الزيتون وآخرها نبع السلام، هذه الحملات ذات الأسماء الرنانة والمضمون الوحشي والدموي الذي كان ولا يزال الهدف الأول والأخير منه هو تشريد أبناء شعبنا وقتلهم وإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة، لتوطين مرتزقته من العصابات المسلحة والمتأسلمين المتطرفين، فها هي عفرين مازالت إلى اليوم تعاني من رجس الاحتلال التركي ومرتزقته”.

وتابعت ليلى إبراهيم: “إن الانتهاكات اللاإنسانية الوحشية مستمرة بحق أهلنا في عفرين، فمن قتل إلى خطف وتهجير، فأين السلام من غصن الزيتون، ذاك الاسم الذي تبنوه للقيام بعملياتهم الإجرامية الإرهابية من قتل شعبنا المسالم واليوم يتجدد جرحنا ونزيف روحنا في سري كانيه التي انتُهكت قدسية ينابيعها تحت مسمى “نبع السلام” الذي فاض إرهاباً وقتلاً وتهجيراً بحق شعب “سري كانيه” صاحب الأرض والتاريخ، أنه تاريخ “واشو كاني”.

وأضافت: “لم يكتفِ الاحتلال التركي ومرتزقته من تاريخه الدموي بحقنا بل مازال يمارس عنجهيته منذ بدء تاريخه القذر إلى الآن، فلم يسلم من حقده لا الأرض ولا الحجر، لا كبير ولا صغير، فما كان منه إلا إظهار آلته الدموية ضد أهلنا الآمنين في تل رفعت عبر مجزرته بقتل الأطفال وكبار السن تحت صمت دولي قاتل، غاب عنه الضمير وجميع الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تدعو إلى حماية المدنيين من انتهاكات الحرب، فحسب “هيومن رايتس ووتش” رصدت أربعة انتهاكات تركية داخل الأراضي السورية من إعدام المدنيين دون محاكمة ومنع النازحين من العودة إلى ممتلكاتهم، وتعمل على سلب ونهب ارزاق هؤلاء المدنيين وبخاصة الكرد منهم”.

وأشارت ليلى إبراهيم إلى أن دولة الاحتلال التركي قامت بنشر الجماعات الإرهابية التابعة لها داخل المناطق التي احتلتها لتقوم بكافة أشكال الانتهاكات بحق المدنيين، إضافة إلى عمل هؤلاء على محو تاريخ وثقافة المنطقة وما تقوم به من خلال تغيير ديمغرافي دليل على ذلك، وهذا ما يتم توثيقه بشكل يومي من قبل المنظمات المحلية التي تعمل على رصد كافة هذه الانتهاكات والممارسات اللاأخلاقية التي يقوم بها الجماعات التابعة لتركيا.

وأكدت ليلى إبراهيم الرئيسة المشتركة لاتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة في ختام حديثها: إن أخطر الانتهاكات التي تنفذها دولة الاحتلال التركي، هذه الدولة الغازية هو انتهاكاتها بحق المرأة من عمليات اغتيال وقتل وخطف وتهديد بالاغتصاب ناهيك عن التهجير القسري الذي وصل إلى ذروته، والنازحون من تلك المناطق شهود على ما قام ويقوم به الاحتلال التركي الفاشي.

الكاتب والصحفي، رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية دلشاد مراد، تحدث لصحيفتنا عن أهداف العدوان التركي على شمال وشرق سوريا، فاستهل حديثه بالقول:

تسعى تركيا الأردوغانية من وراء عدوانها العسكري على مناطق شمال وشرق سوريا على تحقيق أهداف في غاية الخطورة على مستقبل منطقة الشرق الأوسط ككل، فهي تستغل ضعف الحكومة في دمشق جراء انهاكها في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد منذ العام 2011م، للتوسع في الأراضي السورية واحتلال ما تبقى من مناطق شمال سوريا، بعد تمكنها من احتلال مناطق جرابلس وأعزاز في عام 2016م، ومن ثم منطقة عفرين في آذار 2018م.

وتابع دلشاد مراد: “إن الحجة التي يسوقها تركيا الأردوغانية في سياق عدوانها على شمال وشرق سوريا وهي إقامة “المنطقة الآمنة” في المنطقة ماهي إلا غطاء لمخططها التوسعي والاحتلالي، وتكرار أردوغان لعبارة “إعادة الأرض إلى أصحابها” هي بمفهومه الشوفيني والعنصري إحداث تغيير ديمغرافي جذري في المنطقة لصالح الأتراك وعائلات الفصائل التي تقاتل تحت إمرتهم، بما يؤدي إلى إخلاء المنطقة من سكانها الأصليين من الكرد والعرب وغيرهم، وإسكان الترك “القادمين من تركستان”، إلى جانب اتباع سياسة فرق تسد واستخدام المكون العربي المتمثل بلاجئي مناطق الغوطة وحمص وإسكانهم في تلك المناطق، كما يحصل تماماً في منطقة عفرين”.

وأضاف: “إن ما تقوم به تركيا والجماعات الإرهابية التابعة لها هو استهداف واضح للتعايش المشترك بين الشعوب الأصيلة في المنطقة من الكرد والعرب والسريان، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى تركيا إليه منذ تأسيسها، فالروابط والعلاقات القوية، ولاسيما العربية الكردية بالذات، تُفشل ما تسعى إليه تركيا من توسع بالمنطقة، ويأتي استهداف الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من هذا المنطلق”.

وأكد دلشاد مراد: “إن من الأهداف الهامة للعدوان التركي هو إحياء تنظيم داعش الإرهابي من جديد واستخدامه كسلاح ضد شعوب شمال وشرق سوريا بعد الهزيمة التي مُنِيَ بها داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات، ولعل الفصائل التي تستخدمها تركيا كرأس حربة في عدوانها على شمال وشرق سوريا تضم المئات من عناصر داعش والنصرة، مشيراً إلى أنه عندما احتلت القوات التركية مدينة جرابلس، رأينا كيف حول عناصر داعش ولاءهم إلى القوات التركية على الفور، أي أن الدولة التركية تتقاطع مصالحها مع التنظيمات المتطرفة الإرهابية في استهداف شعوب المنطقة.

وتابع قائلاً: “إن الدعاية التركية بأنها لا تستهدف الكرد بل تستهدف تنظيم بعينه، لا تنطلي على أحد، بل أن الوقائع على الأرض تكذب هذه الدعاية، فاحتلال مناطق سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) وقبلها منطقة عفرين وشمال الشهباء، واتباع سياسة الأرض المحروقة، واستهداف المدنيين وارتكاب مجازر بحقهم وتهجيرهم، ونهب أملاك السكان، كلها سياسات تدل على قذارة وخطورة المشروع التي تعمل تركيا الأردوغانية على تنفيذه في مناطق روج آفاي كردستان وشمال سوريا عموماً.

وأشار دلشاد مراد خلال حديثه: “لا ننسى إن لتركيا هدف قديم يتمثل إبادة الأمة الكردية في المنطقة بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لها، وذلك في أعقاب تخلصها من القسم الأعظم من الشعوب الأرمنية والسريانية والكلدانية والآشورية وغيرهم من الشعوب في شرق تركيا وغربها، وذلك في سياق تنفيذ المشروع التركي المطبق منذ عهد جمعية الاتحاد والترقي في بدايات القرن العشرين وهو المشروع الذي يشمل بناء امبراطورية تركية كبرى تمتد من الأناضول مروراً بكردستان وشمال سوريا والعراق وأرمينيا وحتى آسيا الوسطى، وتسعى بكل الوسائل من أجل إزاحة الشعوب الأخرى من طريق تحقيق مشروعها الطوراني الخطير”.

مضيفاً: “إن الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال التركي والفصائل التابعة لها في المناطق التي تحتلها وكذلك استهدافها المباشر للسكان المدنيين في مناطق شمال وشرق سوريا، وكانت آخرها ارتكاب مجزرة بحق أطفال تل رفعت إثر قصف مدرسة في المدينة من جانب الفصائل التابعة للدولة التركية في شمال الشهباء المحتلة، وراحت ضحيتها عشرة شهداء كان من بينهم ثمانية أطفال، جرائم بحق الإنسانية”.

هذا ودعا دلشاد مراد، المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان للتحرك لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، كما إن على الدول الكبرى أن توقف الدولة التركية وتجبرها على الخروج من الأراضي السورية، لا أن تقف معها وتمنحها الضوء الأخضر للعدوان على المنطقة وشعوبها، وأن لا تكون شريكاُ في قتل وإباحة الدم الكردي والعربي والسوري عموماً، وعليها لجم المشاريع التركية التوسعية في المنطقة والتي لا تزيدها إلا خراباً وفوضى.

واختتم دلشاد مراد الكاتب والصحفي، رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية، حديثه بالقول: “على شعوب شمال وشرق سوريا أن تستمر في مقاومتها للاحتلال التركي بكل الوسائل الممكنة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وثقافياً، لأن نجاح المشروع التركي في شمال سوريا ستُدخِل المنطقة في منعطف خطير ويكون نتائجه كارثية على شعوب المنطقة، وبالتالي لابد من تصعيد المقاومة على كل الصعد، وكل مواطن في شمال وشرق سوريا معني بهذا الأمر، لأن مصير الفرد لا يكون منعزلاً عن مصير الجماعة، ونحن نعلم إن الأرض والشعب هما أساس وجود الأمم، فلنحافظ على أرضنا ونطهرها من دنس المحتلين والمرتزقة والإرهابيين.

ومن الجدير ذكره أن العدوان التركي بدأ على مناطق شمال وشرق سوريا منذ الـ 9 من تشرين الاول الماضي، مخلفاً الكثير من الويلات والانتهاكات وجرائم بحق الإنسانية من قتل وتشريد ونهب وسرقة لممتلكات الأهالي، فقد وصل عدد الشهداء من المدنيين نتيجة الهجوم التركي إلى أكثر من (٤٧٨)، وجرح (١٠٧٠)، ناهيك عن حالات النزوح القسري الذي كان ضحيته مئات الآلاف، وذلك بحسب مكتب الشؤون الانسانية التابع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وهم يعيشون حالة إنسانية صعبة في المدارس ومخيمات النزوح، لذا على منظمات المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان القيام بواجبهم لإيقاف هذا العدوان ودونما تأخير لأن الوضع الإنساني يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.

إعداد: آلندا قامشلو

زر الذهاب إلى الأعلى