المجتمع

الإبادة مقابلَ الديمقراطية.. وهل العالم متضامن مع أصدقاء الجبال 

لطالما لفتت روج آفا أنظار اليساريين في أوروبا والعالم، المئات من هؤلاء أو ربما الآلاف تدفقوا إليها للتعرف عليها عن كثب، والخوض في عمق المشروع الذي يتم تطبيقه على أرضها وإمكانية نقل هذه التجربة لبلادهم.

مايكل كناب وهو ناشط ألماني زار روج آفا في عام 2014 برفقة ناشطين ألمانيين آخرين (آنيا فلاخ وأرجان آيبوجا)، ولدى عودتهم إلى ألمانيا، قاموا بتجميع مشاهداتهم في كتاب طُبِعَ باللغة الإنكليزية يحمل عنوان <الثورة في روج آفا> يقول: “أردت رؤية روج آفا للتعلم من التجربة العملية على الأرض. لفهم التناقضات وبحث صعوبات النظام. لأننا نستطيع تعلم الكثير ونقل الخبرات إلى المشاريع الثورية في الدول الغربية”.

وتقول الكاتبة Silvia Swinden في تقرير أعدته في أيار الماضي بعنوان <واحة من الفكر المتقدم في خضم الحرب السورية> أن “روج آفا (التي تعرف أيضاً باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا) مثيرةٌ للاهتمام للغاية, باعتبارها واحدة من أكثر التجارب إبداعاً في الديمقراطية المباشرة والفيدرالية والاقتصاد التعاوني والمساواة بين الجنسين والحقوق لكل الأعراق (على الرغم من أن الكرد هم الغالبية هناك بالإضافة إلى العرب والأشوريين وغيرها من المجموعات العرقية الأصغر) التي تحدث في العالم”.

روج آفا والتحرر الأوروبي

(ديفيد غرايبر) أستاذ الأنثروبولوجيا في كلية لندن للاقتصاد قبل بضع سنوات كتب مقالات لصحيفة الجارديان وصحيفة نيويورك تايمز وغيرها من الصحف، عن أن مشروع روج آفا يلقى تجاهلاً إلى حد كبير, مع استثناءات قليلة مثل دعم الحركة التعاونية البريطانية.

غرايبر أكد أن والده مع العديد من الشباب الأوروبيين (مثل جورج أورويل) كانوا في إسبانيا وقد حاربوا الفاشية وجذورها خلال الحرب العالمية الثانية, ويرى (غرايبر) العديد من أوجه الشبه بينهم وبين الشباب الذين قاتلوا مع الكرد ضد ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش).

روج آفا تجربة مبتكرة

لقد أعتبر الغرب روج آفا تجربة مبتكرة تقوم على التشاركية، والديمقراطية الحقيقية ومناهضة للقومية، فيقول أندريا ليوتي وهو صحافي ايطالي أن “عبدالله أوجلان طرح «الكومونالية» COMMUNALISM والديموقراطية المباشرة لتجاوز الدولة البيروقراطية وحدودها القومية”. ويرى الصحافي أندريا ليوتي أن المفكر الأميركي الفوضوي موراي بوكشين (1921-2006) سبق أوجلان في طرح نظريته <التحررية البلدية>، ويجد ليوتي أن ميثاق روج آفا الاجتماعي يعكس نظرية بوكشين إلى حد ما.

الخطر التركي

كما تقول الكاتبة Silvia Swinden في تقريرها <واحة من الفكر المتقدم في خضم الحرب السورية>: “في خضم الحرب السورية والمحاولات الحازمة لداعش لتمديد الخلافة على أراضي روج آفا، إلا أن قوات روج آفا قاتلته  بعزم كبير، مما أسفر عن استشهاد حوالي 10000 مقاتل, وعلى الرغم من إدراكهم لدورهم المركزي في هزيمة الدولة الإسلامية على المستوى المحلي والدعم الدولي الذي تلقوه، فإن مشروعهم مهدّد من قبل تركيا، وموقف الحكومة المركزية السورية بمجرد انتهاء الحرب غير واضح على الإطلاق”.

التهديد والهجوم

إن مشروع روج آفا الذي يجسد الديمقراطية الحقيقية وينهي المشاكل الحتمية في منطقة تطبيقه، بات يؤرّق الدولة التركية المارقة ورئيسها المأزوم داخلياً أكثر من أي وقت مضى، فأزمته الاقتصادية الحادة التي لم تعاني البلاد مثلها منذ (15 سنة)، وخسارة مدينة اسطنبول (نبض تركيا الاقتصادي) لصالح إكرام إمام أوغلو، ناهيك عن الخلافات الداخلية في صفوف حزب العدالة والتنمية وانشقاق أقرب المقربين من رجب طيب أردوغان عن العدالة والتنمية، دفعه إلى تهديد روج آفا والهجوم عليها بغية كسب القوميين الأتراك لصالحه في الانتخابات البرلمانية القادمة. هذا بالضبط ذات السيناريو الذي طبقه عند احتلاله لعفرين في آذار 2018 حيث أثار مشاعر القوميين ليصوتوا له في انتخابات المحلية التي تم إجراءها في 31 آذار الماضي.

هذه الأسباب مجتمعة دفعت الرئيس التركي الانكشاري للهجوم على روج آفا وشمال وشرق سوريا بحجة الحفاظ على أمنها القومي وأمنها الحدودي، حيث شن هجماته البربرية على روج آفا على طول الحدود، واحتل مدينتي سري كانيه وكري سبي لإقامة منطقة آمنة للاجئين السوريين، هذه المنطقة الآمنة التي قالت عنها منظمة هيومن رايتس ووتش قبل أيام أنها غير آمنة، وتجرى فيها الانتهاكات والإعدامات الميدانية والتنكيل والذبح والقتل ناهيك عن تشريد وتهجير السكان الأصليين.

الهجوم التركي يثير حفيظة العالم

أثار الهجوم التركي على شمال سوريا في الـ 9 تشرين الأول الماضي حفيظة المجتمع العالمي (اليساريين واليمينيين والاشتراكيين والشيوعيين وأحزاب الخضر والحمر ومختلف شرائح المجتمع الأوروبي وأصدقاء الشعب الكردي) فضلاً عن الساسة والبرلمانيين في مختلف أرجاء العالم، لقد تضامن جميع هؤلاء مع محنة روج آفا وشمال سوريا، وأبدو استياءهم من الهجوم التركي ووصفه بالغزو وبأنه يهدف إلى إبادة الشعب الكردي والسرياني في المنطقة، ودعوا إلى إيقاف هذا الهجوم كما انتفضوا في معظم المدن الأوروبية مع الجاليات الكردية هناك، وتغنى العديد من الفنانين من حول العالم بمقاومة روج آفا ودعموها عبر فنهم.

وفي وقت سابق من هذا الشهر لفت الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي شاهوز حسن أن العالم يدعم الشعب في شمال وشرق سوريا، كونهم أصحاب مشروع ديمقراطي جديد ومرتبط بأرضه وعرضه وبيّن: “هذا طريقنا نحو الانتصار ويجب ألا يُفكر أحد بأننا سنتنازل عن المكتسبات التي تحققت بفضل دماء الشهداء”.

2 نوفمبر اليوم العالمي للتضامن مع روج آفا

نتيجة التضحيات الجسام التي قدمها أبناء المكونات المختلفة في روج آفا والشمال السوري، وصمودهم في وجه الغزو التركي الهادف لقضم أراضي سوريا وضمها إلى تركيا تماماً كما لواء اسكندرون، اعتبر يوم (2 نوفمبر/ تشرين الثاني) يوماً عالمياً للتضامن مع روج آفا، وقد سبقتها إلى ذلك كوباني حيث اعتبر (1 نوفمبر) يوماً عالمياً للتضامن مع كوباني بعد الهزيمة النكراء التي ألحقتها وحدات حماية الشعب والمرأة بتنظيم داعش الإرهابي.

كلمات تضامنٍ عالمي

قال عالم اللغات والفيلسوف وعالم التاريخ الأمريكي نعوم تشومسكي: “أضاف ترامب عن طريق استسلامه المهين لأردوغان اسمه إلى قائمة العار للرؤساء الأمريكيين الذين يخونون الكرد بشكل ظالم ودنيء منذ 45 عاماً. وقد قدم المقاتلون الكرد الآلاف من الأرواح بدعم من الولايات المتحدة وبعد أن قضوا على داعش وعلى الرغم من تقديم أمريكا الوعود لهم بحمايتهم من الهجمات التركية فإنه من العار أن تترك روج آفا لرحمة أردوغان والأسد”.

وأضاف “إن ثقل الجريمة المرتكبة وخيانة ترامب ولأنها تضع مكتسبات روج آفا، التي أصبحت مصدر إلهام رئيسي للكرد وبسبب ذلك فإنها تهدد السلطات وتجمع السلطة في يد شخص واحد، في خطر فإنها ترفع من مستوى المخاوف. ومن أجل إنهاء هذا الظلم والدفاع عن المضحين فإنه يجب القيام بكل ما يمكن القيام به”.

والدكتور برويز هودبهوي، أستاذ الفيزياء في جامعة كويد عزام في إسلام أباد، قال بصدد الهجمات التركية الأخيرة على شمال وشرق سوريا: “باسم الباكستانيين التقدميين أقدم دعمي ومساندتي للمقاتلين الكرد الذين يناضلون بكل شجاعة”.

وبدورها قالت الكاتبة دوبرافكا اوغرزيج من كرواتيا: “أقدم كامل احترامي للنساء في روج آفا كغيري في جميع أنحاء العالم. أنا أؤيد قضيتهم من خلال نهج الحركة النسوية. يجب علينا توحيد قلوبنا، لأن نضال الشعب الكردي هو نضالنا أيضاً”.

وقالت البروفيسورة فيديريكا جيارديني من جامعة تري في روما: “إن الدفاع عن روج آفا هو بمعنى الدفاع عن المقاومين في الشرق الأوسط ضد الظلم الذي يقف ضده أناس في مناطق أخرى من العالم أيضاً. ومن طرف الملايين من الناشطين والمفكرين والأكاديميين فإن الثقافة السياسية الكردية داخل الحياة اليومية أخذت موقعها في الصفوف الأولى من أجل تخيل وإنشاء مجتمع جديد قائم على النضال من أجل الثقافات، علاقات مختلفة وعادلة بين الجنسين، تطور الاحترام المتبادل في العالم، إدارة ذاتية دون دولة، حق تقرير المصير، الديمقراطية المباشرة والنضال ضد السلطات الدينية. هذا الهجوم الشديد الذي يفاجئ المرء والموجه ضد الكرد هو هجوم على آمالنا جميعاً من أجل حياة بديلة والغضب والدعم من جميع أرجاء العالم دليل على دعم مثال روج آفا وإصرار على السير في طريقه”.

كما أصدرت كل من لوشينا كاثمان، نائبة رئيس مركز القلم PEN الدولي السابقة، ورئيسة مركز القلم في سان ميغيل جوديث هيل، بياناً مشتركاً يدعو إلى إيقاف احتلال روج آفا.

وأكدتا في بيانهما إنهما يدعمان نضال الشعب الكردي وقالتا: “إن الهجمات على النضال وحرية الشعب الكردي تعني شن هجمات على حقوقنا ونريد إيقاف العملية العسكرية على سوريا. نعرب عن دعمنا لنضال الشعب الكردي”.

كما أصدر حزب التضامن الأفغاني بياناً يقول فيه: “إن والد داعش أردوغان هاجم مرة أخرى شعب روج آفا. نعلم أن الولايات المتحدة خانت الكرد ولهذا السبب وقع هذا الهجوم”، وأضاف “لقد حان الوقت للمقاومة ونستمد الإلهام من أهل روج آفا الذين يقاومون. يجب أن نحارب معاً ونؤيد بعضنا البعض”.

وقالت البروفيسورة في جامعة بيرغن النرويجية كاريان ويسترهايم: “نناشد الكرد ألا يعودوا عن الطريق الذي يسيرون عليه من أجل أنفسهم ومن أجلنا ونحن كأصدقاء لكم خارج الوطن فإننا سنجرب كل الطرق الدبلوماسية من أجل دعمكم. وقد لا نواجه الهمجية مثلكم لكن اعلموا أننا نقف إلى جانبكم من خلال فعالياتنا”.

وأوضح عالم الاجتماع ذو الأصول الإيطالية والذي يعيش في أمريكا داريو أزيليني: تمّ في روج آفا إنشاء نموذج للحياة مكون من العديد من الإثنيات والأديان. وتنشأ الإدارة الذاتية على أساس الديمقراطية وتساوي الحقوق للمرأة. تركيا والقوى التابعة لها تمثل الحرب، النفي، الإبادة، الكراهية، التعصب والتسلط. ويريد أردوغان اليوم إرجاع عقارب التاريخ. تركيا لا تخفي أوهامها في الإمبراطورية العثمانية. وسيتم في روج آفا إعطاء القرار حول مصير المنطقة برمتها. وإذا نجح هذا التحالف في خططه في روج آفا فإنه لن يبقَ محدوداً بها. يجب أن نقف ضد هذه الحرب في روج آفا وكل مكان. هذه قضية إنسانية.

ختاماً: ليس للكرد سوى الجبال

في مجتمعٍ يكون فيه (أصدقاء الكرد الوحيدون هم الجبال) فأن دعماً عالمياً ومن مختلف الشرائح يعني أن العالم كله متأثر بالكرد شعباً، نضالاً ومقاومةً، لاسيما وأنهم حاربوا همج العصر داعش وهزموهم خير هزيمة في الوقت الذي شكّل هذا التنظيم خطراً هدد العالم برمته.

إن شعوب العالم باتت صديق الكرد وقضيتهم الحقة أكثر من أي وقت مضى الأمر الذي سيفتح آفاقاً جديدة وخطوات راسخة في إطار حقوقهم المشروعة.

زر الذهاب إلى الأعلى