مقالات

مئوية لوزان وتصحيح مسار التاريخ

د.جاويدان كمال

عقدت اتفاقية لوزان قبل مئة عام بين الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى والدولة التركية المولودة حديثاً على أنقاض الإمبراطورية العثمانية بقيادة مصطفى كمال اتاتورك لتحول هذه الاتفاقية، التي ألغت اتفاقية سيفر وتنكرت لحقوق الشعب الكردي بشكل كامل، قضية الشعب الكردي من قضية دولية إلى قضايا داخلية تخص الدول الأربع تركيا، إيران، العراق وسوريا.

تعاملت هذه الدول مع القضية الكردية من منطلق أمني بحت، وتبنت سياسات تعسفية بحق الشعب الكردي ومارست ضده جرائم ممنهجة بهدف اقتلاعه من جذوره وإزالته من الوجود كجرائم الترحيل والمقابر الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية ومنع اللغة والثقافة والعادات الكردية وتأليب الرأي العام ضدهم؛ حتى باتت القوميات الموجودة في هذه الدول هي الأخرى تنظر إلى هذه القضية في كثير من الأحيان بعين الشك والريبة ليغيب عنهم حقيقتها المتمثلة بكونها قضية شعب مسلوب الحقوق يناضل من أجل الديمقراطية ويطالب بالمساواة والاعتراف به كشعب يعيش على أرضه التاريخية.

أطلقت معاهدة لوزان العنان للأنظمة الحاكمة لممارسة سياسة التنكيل بالكرد وغيرهم من القوميات الأخرى التي لم تسمع صوتها في هذه الاتفاقية؛ فكانت النتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول، ولم تجني شعوبها سوى الصراعات والقتل والدمار وانعدام الأمن وسوء الأوضاع المعاشية والخدمية وتدني مستوى حقوق الإنسان وحرية الرأي والمساواة والديمقراطية.

استمر الكُرد في النضال من أجل قضيتهم العادلة في الدول الأربع وفي المهجر؛ فحافظوا على هويتهم ولغتهم وقيمهم، وحققوا مكاسب على أرض الواقع في بعض أجزاء كردستان رغم كل السياسات التعسفية المتبعة ضدهم، وأثبتوا للعالم أجمع أنهم يشكلون عامل استقرار في المنطقة بعكس ما روَّجت له الأنظمة المستعمرة لكردستان، فكان لهم الدور الأكبر في مواجهة الإرهاب الدولي المتمثل بـ “داعش” وأخواته، وحملوا راية التعايش المشترك وسَعَوْا إلى بناء الديمقراطية ولبوا نداء الإنسانية فكانوا حماة التنوع الاثني والقومي في هذه الدول.

مئة عام من التنكيل قابله مئة عام من التضحيات، دُمّرت خلالها أجيال كاملة واستنزفت ميزانيات دول في عملية إبادة هذه القضية ومازالت يدا الكردي ممدودتان للسلام والتعايش المشترك؛ لذا  فقد آن الأوان  ليخطو العالم، الذي خَطّ هذه الاتفاقية، خطوات حقيقية في دعوة حكومات الدول المستعمرة لكردستان والضغط عليهم  للكفِّ عن سياسات الإنكار المتبعة ضد الكُرد والاستماع إلى مطالبهم والاعتراف بقضيتهم لتحقيق العملية الديمقراطية، كما وبات لزاماً على الكُرد أيضاً تسريع وتيرة عملية تجاوز الخلافات الداخلية والتفكير بشكل قومي ووطني مسؤول أكثر، وتشكيل جبهة كردية موحدة تكون من مهمتها وضع استراتيجيات واضحة لنيل الحقوق الكردية، واعتبار المكاسب الكردية في الأجزاء الأربعة خطوطاً حمراء يجب الذود عنها بعيداً عن الخلافات الحزبية و تأثير الدول الإقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى