مقالات

لماذا تهدد تركيا الآن؟

الشعب السوري بمكوناته المختلفة يتعرض أمام مرأى ومسمع العالم لانتهاكات وجرائم ومجازر يومية، وخاصة في الشمال السوري وكان آخرها التهديدات التركية باجتياح مناطق أخرى في الشمال السوري، في ظلِّ صمتِ وترددِ المجتمع الدولي، ويظل هناك من يبارك هذه التهديدات والانتهاكات، وتُقدِّم لنفسها أعذاراً وتبريرات مختلفة وواهية؛ في وقت تواجه ما تسمى بالمعارضة السورية التشتت وأزمة الانقسامات، بيد أن هناك أزمات كثيرة مرشحة للظهور إن سارت الأمور كما تسير الآن.

أما بالنسبة إلى النظام التركي ولفهم مآربه ولكشف القناع على غاياته الحقيقية ولمعرفة الأسباب من وراء تدخله المستمر في الأزمة السورية منذ بداياتها ينبغي علينا العودة إلى السنوات التي مضت عندما تمكنت حكومة العدالة والتنمية التمسك بمقاليد الحكم والهيمنة والسيطرة على كافة نواحي الحياة في تركيا وفرض نفوذها على الجميع بمن فيهم بعض الأقليات عن طريق شراء الذمم.

كان أردوغان يعلم جيداً منذ البداية طبيعة الأرض التي سيحكمها وهشاشة أعمدته، ويبدو أنه كان يعلم في قرارةِ نفسه، وبالرغم من استخدامه الكثير من الأساليب، أن سياسة القمع والقتل والتخويف لن تكون كافية وحدها للمحافظة على أمن نظامه واستقراره، خاصة وأن المجموعة التي يعتمد عليها تمثل جزءاً فقط من أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه وليس كلهم؛ فهناك دائرة صغيرة ضمن دائرة أكبر، فلقد تبين الآن بوضوح أن بعض المعارضين في تركيا أعلنوا معارضتهم لحكومة العدالة والتنمية، كما امتنع آخرون منهم عن تبرير ممارساتها القمعية.

وللتعامل مع هذه الإشكالية المتأزمة فلقد وضع أردوغان للحفاظ على كيانه سياسةً تعتمدُ على القمعِ والعنفِ عند الضرورة، كما تعتمد أيضاً على اختراق جميع المعارضين والأقليات، وحاول أردوغان التمسك بهذه السياسة، ولكنه لم ينجح فيها بالشكل المطلوب، بالرغم من محاولاته العديدة وإشراكه لبعض الأحزاب الأخرى في مشاريع الدولة السياسية والاقتصادية.

ولكنه خلال السنوات الأخيرة ارتكب مجموعة من الأخطاء الكبيرة القاتلة في سياساته المحلية والإقليمية، ونقلته من مشكلة إلى مشكلة ومن أزمة إلى أزمة، وتتمثل إحدى هذه الأخطاء في اندفاعه الكبير وراء روسيا وإيران الأعداء الكلاسيكيين لتركيا، ويتعلق الخطأ الآخر في تعامله مع الأزمة السورية وتورطه من خلال بعض حلفائه وإيواء ما تسمى بالمعارضة ودعم الإرهابيين.

إلا أن هذه السياسة أدخلت تركيا في صراعات مع العديد من دول الجوار والعالم، كما جاءت بارتدادات سلبية على الداخل التركي ذاته، مما قد يدفع أنقرة إلى إعادة صياغة مواقفها وحساباتها والى الجنوح نحو المخاطرة، ومن هذا المنطلق بدأ بإطلاق التهديدات خاصة إنه لم يعد يتحمل تنامي مشروع ديمقراطي يحيط به سورياً، مع قُدرةِ الأطراف الوطنية على تقديم نموذجها الحضاري والديمقراطي بين المجتمع السوري بتحويل المواطن العادي إلى مشارك قوي وفعال في صنع القرار؛ بينما تزداد الموجة المضادة ”لكل المشاريع الديمقراطية” في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى