حواراتدراساتمانشيت

صياغة الدستور كإطار حل سياسي للأزمة السورية

كيف يُصاغ الدستور الذي يضع حلولاً جذرية للأزمة السورية؟

يمكننا القول أن الدستور هو الرسم الهندسي الذي يقام عليه مبنى الدولة على أسس متينة وقوية إذا لم تشوبه الشوائب والمسامات التي يمكن اختراقها وتؤدي إلى انهيار الدولة عاجلاً أم آجلاً إذ يتم تعريف الدستور في جميع المصطلحات اللغوية والقانونية على أنه القانون الأساسي للدولة الذي يشتمل على مجموع القواعد الأساسية التي تبين نظام الحكم وتنظيم السلطات العامة وارتباطها ببعضها البعض واختصاص كل منها وتقرير ما للأفراد من حريات عامة وحقوق قبل الدولة، وهو يعني القاعدة ولا يعني صاحب الدولة ويتم من خلاله تحديد شكل الدولة وضمان أداء حقوق المواطنين أفراداً وجماعات؛ إضافةً إلى تحديد صلاحيات وحدود السلطة السياسية وتنظيم الأمور الداخلية والخارجية للدولة، والأهم من ذلك أن الدستور يحدد شكل الدولة وحكومتها وهو يمثل قوة المجتمع.

فمنذ أن بدأت الأزمة السورية وازدادت التعقيدات وتشابكت وكثرت المعادلات الدولية جراء تدخلاتها المبنية على المصلحة، ورغم انعقاد المؤتمرات والاجتماعات التي لم تخلو من أجندات هذه الدول بقيت الحلول مستعصية بل ميتةً قبل أن تخرج للعلن من هذه الاجتماعات والمؤتمرات، وفي المحصلة من هذه الاجتماعات التقت الرؤى الدولية في اختزال الأزمة السورية بصياغة دستور سوري على مقاييسهم مستبعدين الأطراف التي تمثل الشعب السوري إرضاءً لمآرب دولة توسعية محتلة (تركيا) بكل ما للكلمة من معنى  متناسين أنه فيما لو حصل هذا الاستبعاد سيولد هذا الدستور سِقطاً وناقصاً وليس ديمقراطياً كما يزعمون.

لتسليط الضوء على ذلك أجرت صحيفة الاتحاد الديمقراطي PYD لقاءً مع سيفي إيزولي الحاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من فرنسا للحديث عن صياغة الدساتير الدولية، ومساوئ إقصاء ممثل أساسي لمكون شعبي عريض في صياغة دستور أي بلد.

تجيب الدكتورة سيفي إيزولي عن السؤال المتعلق بصياغة الدساتير وفق القانون الدولي بعد نشوب نزاعات أو حروب أهلية قائلة:

سأتحدث عن الوضع السوري وفق بعض التجارب الدولية:

رغم عمق التراجيديا التي نعيشها في سوريا والدمار والخراب الذي حل بكافة أطياف ومكونات الشعب السوري، إلَّا أنه لا بد من التنويه على أن الحالة السورية ليست فريدة من نوعها وليست الأكثر بؤساً على النطاق الدولي؛ فالأمثلة عديدة لدول وشعوب أنهكتها نزاعات وحروب داخلية دامت في بعض الأحيان أكثر من خمسة عشر عاماً قبل أن تتوصل إلى السلام والصلح الأهلي.

ــ فيما يخص الوضع في سوريا، وبعد ما يقارب الثمانية أعوام على انطلاق الثورة السورية؛ تم التوصل إلى صيغة اتفاق دولي على حل الأزمة بطرق سلمية عبر صياغة دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات.

 ــ بالنسبة للدستور وعلى الرغم من أنه مازالت هناك العديد من النقاط الغامضة حول آلية تعيين أعضاء اللجنة الدستورية لعدم وضوح الصياغة المعتمدة في سوتشي، ورغم الالتباس فيما إذا كان سيلجأ إلى صياغة دستور جديد أم أنه سيكتفى بإدخال تعديلات على دستور 2012 كما يطالب النظام أو دستور1950 كما تطالب المعارضة، إلا أنه لابد من الوصول إلى دستور تساهم في صياغته كافة القوى والأطياف، يعبر عن تطلعاتها واحتياجاتها، ويمهِّد لإحلال السلم وبناء مجتمع ديمقراطي ودولة القانون.

ذكرت سيفي إيزولي البعض من الدول التي مرت بتجارب مشابهة قبل الوصول إلى صياغة دساتيرها:

كون الدستور يشكل الدعامة الأساسية التي سيبنى عليها الصلح الأهلي وكونه يشكل الإطار الشرعي للحكومة المقبلة المنتخبة ولمؤسساتها، فانه لا بد من أن تُولى عناية خاصة لصياغته، وأن يتم التأني في إجراءات تبنيه.

يوجد العديد من الأمثلة التي تبرهن على أن الرغبة في إنهاء الحرب الأهلية عن طريق التسرع في تبني دستور جديد للبلاد لا يعالج المشاكل الأساسية ولا يعكس التطلعات الجوهرية لكل الأطراف ولا يؤدي إلى حل الأزمة وإنما يؤدي إلى تفاقمها وإلى اندلاع حروب جديدة.

لذا علينا الانتباه إلى هذا الموضوع في تبنينا للرؤية الدستورية ولِما هو ما بعد الأزمة، وذلك في التطرق بكل جرأة إلى طرح ومناقشة المشاكل المعقدة والمسائل الصعبة بغية إيجاد حلول جذرية لها وليس العمل على تجاهلها أو تجنب البحث فيها بهدف التوصل سريعاً إلى صيغة توافقية تكون شكلية أو سطحية.

يمكننا هنا الاستشهاد بثلاث تجارب دولية:

تجربة سيراليون: عانى هذا البلد الواقع على الساحل الغربي من القارة الأفريقية من حرب أهلية دامت أكثر من أحدَ عَشَرَ عاماً نشبت بشكل خاص نتيجة نزاع بين المكونين الأساسيين في البلاد: أقلية ألمان في الجنوب وأقلية التمن في الشمال.

وقد استطاعت الأمم المتحدة بدعم من عدة دول وخاصة “بريطانيا وفرنسا” من عقد مؤتمر صلح دُعِيَ إليه كافة أطراف النزاع والمجموعات المسلحة، وتوِّج هذا المؤتمر بالإعلان رسمياً عن إنهاء الحرب، تبعه تبني دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات حرَّة نجح بها الرئيس “كاباخ” ووصل إلى سدَّة الحكم، ولكن الرئيس المنتخب لم يتبع سياسة حكيمة تُفضي إلى معالجة المشاكل التي أدت إلى اندلاع النزاع، وخاصة إلغاء كل القوانين والإجراءات التي تكرِّس التمييز بين الأقليات العِرْقيَّة في شمال وجنوب البلاد؛ كما أن تشكيلة حكومته لم تكن شاملة لكل القوى الأساسية على الأرض، لذا فما لبث أن غرقت البلاد في حرب جديدة أكثر ضراوة وعنفاً من الأولى، وقد تبين أن النهج الذي سلكته بريطانيا وفرنسا القائم على عدم طرح أو تأجيل البت في الأمور التي لم يتم الاتفاق عليها بهدف إنجاح مؤتمر الصلح بأي شكل كان؛ أدى إلى فشل التجربة.

المثال الثاني تجربة اسبانيا: في عهد الديكتاتور “فرانكو” اندلعت الحرب الأهلية الاسبانية واستمرت أربعين عاماً ولم تتوقف إلّا بعد موته، وبدأت بعد ذلك مرحلة الصلح الاجتماعي حيث تم الإعلان عن دستور جديد تلاه تنظيم انتخابات في 15 حزيران 1977 بعد الوصول إلى صيغ توافقية تضمنت إصدار قانون “عفو عام” شمل “الاسبان في الداخل والخارج” بما فيهم الثوار الباسك الذين كانوا قد قاموا بأعمال مسلحة وتلطخت أيديهم بالدماء.

عند التدقيق نلاحظ أن التجربة الإسبانيَّة بنت الصلح الأهلي وانجزت ما دعي ب “إجراءات النسيان”، أو الأدق “التناسي” القائم على مبدأ عدم المساءلة عن الجرائم والانتهاكات التي حصلت خلال الحرب الأهلية.

الحقيقة يمكننا القول: إنه تم النجاح في استبعاد بعض المشاكل الجوهرية لمدة من الزمن ولم يتم البحث عن معالجتها، لهذا فقد عادت لتطفو على السطح وعلى الرغم من أن التجربة الإسبانية تُقدَّم على أنها نموذجاً يحتذى به، إلا أن العديد من المشاكل مازالت قائمة خاصة في منطقة الباسك وكتالونيا، ومازال ماثلاً في الأذهان الاستفتاء التي نظمت العام الماضي في كتالونيا ليتمكن من خلاله الشعب الكتالوني تقرير مصيره سواء بالاستمرار في الانتماء إلى المملكة الإسبانية أو الاستقلال عنها.

أزمة كتالونيا أثبتت أن المعضلات التي لا تتم معالجتها بشكل جذري تعود لتظهر مرة أخرى عاجلا أو آجلاً.

المثال الثالث الذي يمكن الاستعانة به والذي اعتبرُهُ من أكثر التجارب نجاحاً في تجاوز الحرب الأهلية وتوطيد أسس المصالحة

وبناء دولة ديموقراطية هي تجربة أفريقيا الجنوبية.

بدأت مرحلة الصلح الأهلي في أفريقيا الجنوبية في شباط 1990بإطلاق سراح نيلسون مانديلا وكافة المعتقلين السياسيين

بعدها تم التمهيد لإرساء أسس بناء مجتمع ديمقراطي، ولم يتم تبني الدستور مباشرة بل على العكس، فقد بدأ العمل بتبني مبادئ دستورية تلاها في عام 1993 تبنِّي دستور مرحلي أو انتقالي ومن ثُمَّ تم اعتماد الدستور النهائي عام 1996.

في مرحلة الست سنوات الممتدة من 1990إلى 1996 لم يتم تبنى دستور نهائي وإنما اُجرِيَ حوار شامل ومعمَّق بين جميع مكونات شعب أفريقيا الجنوبية توِّج بالاتفاق على صيغة دستورية نهائية تعكس وتضمن طموحات وتطلعات كل الأطياف.

الشيء الملفت للانتباه في تجربة أفريقيا الجنوبية؛ هو أنهم تمكنوا من ابتكار دستور يمكن اعتباره نموذجاً للعدالة الانتقالية والصلح الأهلي ولإرساء أسس دولة ديموقراطية يتضمن في بنده الأول كافة الحقوق والحريات الأساسية المعلن عنها في المواثيق الدولية لحقوق الأنسان كالحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية” والحريات المعترف بها لكل مواطن بغض النظر عن انتمائه العرقي والديني، وإذ  كنا نثني على دستور أفريقيا الجنوبية فإن هذا الثناء ليس نابعاً من ماهية الحقوق التي تم الاعتراف بها للمواطنين وسبل ضمانها، وإنما كونه لم يَقتبس من الدساتير الأخرى أية أحكام، بل أعتمد على الابتكار والبحث عن أحكام تتناسب مع طبيعة وخصوصية المجتمع في أفريقيا الجنوبية وتلبي حاجاته وتستجيب لتطلعاته.

وأضافت الدكتورة سيفي ايزولي: نحن أيضاً في سوريا كي ننجح في تجربتنا، لابد لنا من تبني دستور يعبِّر عن هويتنا وخصوصيتنا ويستجيب في الوقت نفسه لتطلعات واحتياجات شعبنا.

دستورنا لا يمكن أن يمليه علينا أطراف خارجيه فهو رمز سيادتنا.  أحكامه ومبادئه لابد أن تأخذ بعين الاعتبار واقعنا التاريخي والجغرافي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.

بكلمة أخرى؛ نجاح دستورنا يَكمُنُ في قدرتنا على ابتكار الحلول لمعضلاتنا عبر تحليل وتثبيت مشاكلنا الأساسية والعوامل التي أدت إلى اندلاع الأزمة في سوريا.

لابد لنا من التساؤل كيف انتقلنا إلى نظام دكتاتوري؟ ماذا نريد بعد هذا النظام الدكتاتوري؟ كيف لنا أن نخلق نظام جديد وما هو شكل الحكم الذي نرغب به والأكثر قدرة على قيادة مجتمعنا ودولتنا؟ ماهي احتياجات ومتطلبات المكونات السورية؟ كيف يمكن لنا ضمان حقوق كافة الأعراق والديانات والطوائف السورية مع ضمان وحدة الأراضي والسيادة السورية؟ كيف يمكن لنا أن نُقِيم مجتمع عادل يُعبر عن هويتنا وجوهرنا دون اللجوء الى استنساخ دستور دولة أخرى حتى لو كان دستور فرنسا، أو سويسرا أو ألمانيا؟

وتابعت إيزولي؛ فمثلاً دساتير الدول الغربية رغم تطورها والضمانات التي تحتويها والتي ترسخ الديموقراطية ودولة القانون، إلا أنها لا تصلح لنا بكل حذافيرها؛ فلو أخذنا على سبيل المثال مبدا العلمانية المكرَّس في الدستور الفرنسي، يمكننا الملاحظة أن الدستور الفرنسي يجعل من العلمانية مبدأ مطلق، والعلمانية في المجتمع الفرنسي لها مكانة وأهمية خاصة حيث يرقى بها إلى درجة المبدأ المطلق بل المقدَّس، وباعتقادي فرنسا تنحاز إلى “العلمانية الراديكالية” والتي يمكن في بعض الأحيان أن تسيئ لحرية الإيمان والاعتناق؛ رغم أن العلمانية مبدأ ينص في الأساس على حرية كل شخص بأن يؤمن أو أن لا يؤمن.

لهذا فإن العلمانية الراديكالية مرفوضة ولا يمكن أن تناسب مجتمعنا.

كل ما هو راديكالي مرفوض لأنه لابد وأن يتضمن إقصاء الآخر. من خلال هذا المثال نستنتج أهمية الأخذ بعين الاعتبار خصوصياتنا واحتياجاتنا لنتمكن من صياغة دستور يناسب هويتنا؛

باختصار يجب أن نكون جريئين في طرحنا للأحكام الدستورية وأن تكون لدينا القدرة على الابتكار والإبداع لصياغة دستور “مفصَّل على قياسنا”.

وفي هذا السياق سأذكر تجربة ناميبيا حيث اندلعت فيها حرب أهلية عام 1970 قامت بعدها الأمم المتحدة بتكليف أفضل الخبراء الدوليين بصياغة دستور نموذجي لهذا البلد يضاهي الدستور السويسري، وبالفعل فقد تم صياغة دستور يضمن كل حقوق الإنسان الأساسية، والحريات الديمقراطية وفق المعايير الدولية، ولكن هذا الدستور كان من القياس الكبير ولا يتناسب مع الجسد الناميبي؛ فعادت الأزمة واندلعت حرب أهلية جديدة بعد سنوات قليلة من تبني الدستور.

استبعاد الأطراف الأساسية عن صياغة الدستور

من البديهي أنه لا يمكن التوصل إلى حلٍّ جذري دائم وخصوصاً في الأزمة السورية مع استبعاد أحد الأطراف الأساسية ومنعه من المشاركة في إيجاد الحل وفرض رؤية سياسية عليه، وضمان تطبيقها واحترامها من قبل طرف أو قوَّة أساسية لم تساهم في وضع هذا الحل أو هذه الرؤية.

لهذا فإن أي اتفاق لحل الأزمة السورية وأي دستور يتم اعتماده دون مشاركة الكُرد لا يمكن فرضه عليهم.

ــ إن بناء مجتمع ديمقراطي، وضمان سلمه الأهلي، وتوفير حياة كريمة لكل المواطنين يفرض ويحتم إزالة العوامل التي يمكن أن تقود لاندلاع أزمة جديدة وذلك عن طريق مشاركة كافة المكونات السورية في صياغة دستورها الجديد الذي يضمن ويصون حقوقها

ــ وفيما يخص المكون الكردي في صياغة الدستور وفي كل الحوارات والمفاوضات المتعلقة بالشأن السوري هي ضرورة حتمية وإجراء وقائي يضمن وحدة البلاد وعدم اندلاع نزاعات مستقبلية أخرى، ونحن نعلم اليوم إنه تم إقصاء المكون الكردي عن مفاوضات جنيف وآستانا وسوتشي، وهذا أمر غير مفهوم ومستغرب جداً فكيف يمكن لنا تصور حل سوري باستبعاد قوَّة أساسية على الساحة السورية؟ والكرد يشكلون اليوم على الأرض القوَّة الأكبر بعد النظام؛ خاصة بعد انتهاء واضمحلال أغلبية المعارضة.

ــ هذه القوة الفاعلة الأساسية في “مجلس سوريا الديمقراطية” وفي “قوات سوريا الديمقراطية” التي تسيطر على أكثر من30% من الأراضي السورية الممتدة من الشمال إلى الشمال الشرقي من سوريا؛ بالإضافة إلى ذلك فإنها تطرح نموذج حكم اجتماعي وسياسي فيدرالي مبتكر مبني على أيديولوجية وعقد اجتماعي جديد ومختلف عما نراه في المناطق السورية الأخرى.

ــ يمكن أن نكون مع أو ضد هذا النموذج، متوافقين أو مختلفين مع هذا الطرح ــ هذا ليس بيت القصيد ــ المسألة الجوهرية هي وجود مكون سوري يلعب دوراً رئيسياً، وصاحب رؤية مبتكرة ومفاهيم مختلفة يقدمها على أنها الحل الأمثل والشكل الأصلح الذي لا بد من اعتماده لبناء الدولة المستقبلية، ولكن يتم إقصاءه واستبعاده عن المفاوضات والحوارات التي تبحث عن حل للأزمة السورية!! كيف يمكن تصور الوصول إلى حل جذري ودائم مع استبعاد هذا الطرف؟

ــ أما على الصعيد الدولي فاختُزِل حل النزاع السوري بتشكيل لجنة دستورية وفق ما جاءت به سوتشي؛ هذه اللجنة تتألف من 150 عضو، 50 منهم يمثلون النظام ويتم اختيارهم من قبله، و50 يمثلون المعارضة، وباقي الأعضاء يمثلون المجتمع المدني والمستقلين ويتم اختيارهم من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة.

ــ الإشكالية الكبرى في اختيار أعضاء هذه اللجنة هي تدخل الدول الخارجية في انتقائهم؛ فتركيا مثلاً لا تكتفي بفرض فيتو مطلق على مشاركة وفد من الإدارة الذاتية الكردية أو وفد باسم المجلس الوطني الكردي، بل تذهب إلى أبعد من ذلك بفرض الفيتو على بعض الشخصيات الكردية المستقلة المرشحة من قبل المبعوث الخاص، وفي ظل هذه الظروف لابد من التساؤل؛ كيف ستتمكن هذه اللجنة الدستورية من العمل باستقلالية والتعبير عن تطلعات وطموحات الشعب السوري؟

 ــ نحن واثقون تمام الثقة أنه لو سُمح للشعب السوري صياغة دستوره بنفسه بحرية واستقلالية لتمكن من تبني دستور نموذجي يضمن حقوق كل المكونات وتلاحمها وعيشها المشترك على أساس العقد الاجتماعي التوافقي.

ــ بالنسبة للانتخابات: فلها إشكاليات عديدة من الناحية التقنية لضمان مشاركة كل السوريين الموجودين في داخل وخارج البلاد

ويجب عدم الخلط بين الانتخابات والديمقراطية ــ رغم أهمية اجراء انتخابات حرة ونزيهة ودورية ــ  بالتأكيد لا يوجد نظام ديمقراطي دون انتخابات حرة نزيهة ودورية، إلا أن الانتخابات ليست المعيار الوحيد للوصول إلى نظام ديموقراطي؛ الانتخابات عبارة عن رخصة حكم ــ كرخصة البناء ــ تعطيها أكثرية الشعب لحزب أو لشخص معين ليحكمه خلال مدَّة محددة، والطريقة التي سيتم بها الحكم هي التي  ستحدد فيما إذا كان هذا النظام ديمقراطي أم لا؛ كون الديمقراطية لا تعني حكم الأكثرية بل الحكم الديمقراطي هو الذي يحترم الأقلية في ظل التعددية ويضمن مشاركتها في الحكم وهذا ما يجب أن ينطبق على سوريا في مشاركة كل المكونات السورية بكل أطيافهم وباستقلالية تامة في صياغة دستورهم الذي يعبر عن ذاتهم ويعكس تطلعاتهم وآمالهم ليضمن لهم حلاً سلمياً ناجحاً ودائماً.

إعداد: بدران الحسيني/ أفين يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى