ثقافة

سري كانيه لؤلؤة روج آفا

sare kaenehحسينة عنتر

مدينةٌ من مُدُنَ روج آفا الحدودية الجميلة, وجنةٌ من جَنانَ الأرض ولؤلؤةُ روج آفا الفريدة المحاذية لتركيا, تقع إلى الشمال الغربي لسوريا والشمال الشرقي لمدينة الحسكة, وتبعد عنها نحو 85كم، وتقع إلى غرب مدينة قامشلو وتبعد عنها بنحو 90 كم, تبلغ مساحتها حوالي 23 ألف كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة، وتشكلُ فسيفساءً سكانيةً متنوعة تغلب عليها الطابع الكردي الواسع, بالإضافةِ إلى خليطٍ من العربٍ والتركمان والشيشان والأرمن والسريان و الماردلية, وللمدينةِ تاريخٌ أثريٌ عريق ضمن الحضارات الأولى في منطقة الجزيرة الفراتية, فهي تجمعُ بين التاريخ الذي يمتد ستة آلاف سنة في غور الزمن والطبيعة الخلابة التي تمتلىء بالعيون الصافية كالزجاج, وكانت قاعدةً لحضارةِ الشعب السوباري الذي عاش قروناً في المنطقة إلى أن آل الأمر إلى قبائلَ انحدرت من الشمال الغربي واستولت على بلاد سوبارتو, لكن الأمر لم يدم طويلاً لهذه القبائل، إذ هبطَ عنصرٌ آريٌ من الشمال الشرقي بعد منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد, واستقروا في تل حلف وأسسوا الدولة الميتانية, ثم زحف الآشوريون على الدولة الميتانية  واستولوا عليها ودمروا عاصمتها( واشو كاني), ولم يستقروا فيها بسبب الحروب بينهم وبين الحثيين الأمر الذي مَهَّدَ لظهور الدولة الآرامية التي أسسها الملك كابار وجعل تل حلف مقراً له, وهكذا ظلت المنطقة تحت صراعات ملكية قبلية وميدان الصراع بين الفرس والروم لعهودٍ طويلةٍ إلى أن استولى عليها الفرس في عهد الامبراطور توماس، ولهذه الأسباب والحروب تعددت أسماء سري كانيه منذ العصور الغابرة, فَعُرِفَتْ باسم (كابار) في العهد الآرامي و(غوزانا) في العهد الآشوري و(روسين وتيودسليوس) في العهد الروماني, وكذلك سميت بـ (قطف الزهور – عين ورد وواشو كاني أو فاشوكاني), كانت مركزاً تجارياً هاماً ومحطةً هامةً للقوافل وهي المدينة التي تأثر بها خالد بن الوليد عندما قام بفتحها, وكانت مصيفاً للخليفة العباسي المتوكل وغيره من الخلفاء العباسيين، كما اتخذها السلطان صلاح الدين الأيوبي مركزاً للاستراحة أثناء معاركة وفتوحاته في منطقة الجزيرة العليا وشمال العراق وحلب، وتمتازُ المنطقةُ بآثارٍ تاريخيةٍ عريقةٍ في مناطق تل حلف وتل الفخيرية, حيث يختزن فيها تاريخ المنطقة وذاكرة العصور وقد عثر على أقدمِ مظهرٍ حضاريٍ في تل حلف التابعة لمدينة سري كانيه, ودلت هذه المكتشفات على وجودِ شعبٍ عريقٍ قد سكنت هذه المنطقة, وكشفت الدراسات فيما بعد أن هذا الشعب عرف بالشعب السوباري الذي يعود تواجده إلى أواسط الألف الرابع قبل الميلاد.

 وكذلك عُثِرَ على بعض الأواني الفخارية تعود إلى العصورِ القديمةِ جداً, قد نُقلت هذه الآثار إلى متحف حلب وعلقت بعضها على بوابة المتحف.

 وسري كانيه غنيةٌ بمياهها الجوفية وينابيعها وعيونها الكبريتية والعذبة الوفيرة وأهم هذه العيون (عين الزرقاء – عين البانوس – عين الحصان – عين سالوبا – عين الكبريت) وهذا العين يتميز بمياهه المعدنية ويمكن شم رائحة الكبريت من مسافةٍ بعيدة, ولقد أثبتت التحاليل إن المعادن الموجودة في هذا النبع يصلح لمعالجة الكثير من الأمراض الجلدية والرئوية والمفاصل)، ولكن نتيجة الاستخدام الغير نظامي والمتهور وكثرة الاستهلاك وعدم الترشيد جعلت هذه العيون تجف وتنفد مياهها وما جعلها دائماً مأهولة بالسكان, وتعاقب الأقوام وجذب الشعوب عليها وتوفير مقومات الاستقرار ووفرة مياهها وغزارة أمطارها الشتوية وخصوبة تربتها مما جعل أرضها صالحة للزراعة، مما أدى ذلك إلى ممارسة أغلب سكانها الزراعة سواءً البعلية منها أو المروية, وأهم هذه المزروعات (القمح – الشعير – الذرة – القطن ومؤخراً انتشر زراعة الكمون والكزبرة والسمسم بالإضافة الى الخضروات الصيفية مثل البندورة والخيار والبطيخ……)   وكذلك عمل سكان المنطقة على تربية المواشي مثل الأغنام والماعز وتربية الدواجن.

 أغلب بيوت المنطقة من الطراز الطيني الكردي إلا إن بدأ العمران الاسمنتي ينتشر في السنوات الأخيرة من القرن العشرين, وبدأ معالم العمران الحديث واضحاً وملحوظاً وتضم المدينة العديد من المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية, وكما يضم نادياً رياضياً ومركزاً للحبوب والأعلاف ومركزاً للاتصالات الهاتفية, ويتبع لمنطقة سري كانيه العديد من البلديات والنواحي والتجمعات السكانية الصغيرة منها (علوك- مبروكة- تل ذياب-عالية-  مسجد- أبو الصون- الجهفة- دردارة- مختلة- المناجير- السفح) وإبان الثورة السورية كانت سري كانيه وضواحيها من المناطق السباقة للمشاركة بجانب أخوانهم السوريين في المظاهرات بشكلٍ سلمي, وإطلاق الشعارات المناهضة للظلم والاستبداد ولكن قوى الشر والظلام دنست وطالت هذه المظاهرات وبالمشاركة مع حكومة تركيا المتمثلة بحكومة العدالة والتنمية بإرسال أجندتها والمتعاونة مع المجموعات الإرهابية المعروفة بجبهة النصرة, وتزويدهم بالأسلحة والذخائر عبر الحدود وذلك في هجومها الأول لمدينة سري كانيه بأواخر عام 2012, وعاثت في المنطقة الخراب والدمار وقامت بترويع الأهالي وحينذاك كانت وحدات حماية الشعب والمرأة في بداية تأسيسها ولا تملك إلا القليل من العتاد والذخيرة, ورغم العدد القليل استطاع هزيمة تلك القوى بالتعاون مع أهالي المنطقة وإيماناً منهم بالمسؤولية وروح الوطنية, لكن هذه القوى لم تترك المنطقة للعيش بسلامٍ وأمان, حيث بدأت بالهجمات المتتالية فحاولت تلك الجماعات الإرهابية المدعية باسم آخر تنظم الدولة الإسلامية في العراق والشام بأفكارٍ سوداوية إرهابية اضطهاديه للشعوب وخاصة الشعب الكردي, وعاودت التنظيمات الإرهابية والمتمثلة بداعش هجومها المباغت وبشكلٍ واسعٍ على مدينة سري كانيه والقرى التابعة لها, ولا سيما تل حلف وعالية وعلوك ومبروكة حيث تصدت لها قوات الحماية الشعبية المتمثلة بـ(YPG-YPJ)بالتعاون مع الأهالي بحيث جرت اشتباكاتٌ عنيفةٌ بين مقاتلي وحدات حماية الشعب وداعش على جبهة تل حلف- كشتو مما أدى إلى تطهير المنطقة وخروج المرتزقة منها وإلحاق هزيمةٍ نكراءَ بهم ولقنوا درساً لن ينسوه لأن مقاتلي وحدات حماية الشعب تمثل القوة الوحيدة للمنطقة, وبعد خروج المرتزقة شهدت المدينة حركةً جيدةً وعودةَ السكان وعددٍ كبيرٍ من العائلات إلى منازلهم، بعد الهدوء والأمان التي عادت لربوع المنطقة وإعادة فتح الأسواق, كما تم تشكيل الكومينات في قرى وأحياء مدينة سري كانيه, كما وأن التيار الكهربائي ومياه الشرب توفر بفضل جهود الإدارة الذاتية ومؤسساتها, بحيث تكفي حاجة المواطنين ومستلزماتهم وكذلك أقيمت مقبرةً للشهداء في قرية بر كفريه ليوارى فيها شهداء سري كانية والقرى التابعة لها وتخليداً لذكراهم وبطولاتهم المجيدة.

زر الذهاب إلى الأعلى