PYDالأخبارالادارة الذاتيةمانشيت

المرحلة المقبلة في سياسات نظام الهيمنة العالمية ومشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد

محمد ايبش

منذ أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1٩٩٠، شهدت تلك المرحلة أحداث افتعلتها الولايات المتحدة الأمريكية وبدأت ترسم خارطة للمنطقة تهدف الى تجزئة المجزأ، ولكن لقت أمامها حركة ثورية تمتلك القدرة لمواجهة أي مشروع لا تخدم مصالح شعوب المنطقة؛ لذلك خططت  لمؤامرة دنيئة بحق القائد “أوجلان” تُوِّجَتْ باعتقاله في كينيا وتسليمه إلى تركيا، ناهيك عن المسرحية التي أعدوها عندما توجَّه القائد اوجلان إلى أوروبا ومن ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال أفغانستان جراء الهجوم الذي استهدف المركز التجاري العالمي في ١١أيلول عام ٢٠٠١وبعدها بأقل من شهر غزت أمريكا أفغانستان بتاريخ ٧ أكتوبر تشرين الأول من نفس العام ومن ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق في ٢٠ مارس آذار ٢٠٠٣ وتم السيطرة على العراق ودخلت بغداد في ١ مايو أيار ٢٠٠٣، ومنذ ذلك الحين بدأت بخلق الفوضى وافتعال الحروب بالتزامن مع ثورات الربيع العربي وكُلِّف أردوغان بتولي هذا المهام، ولكن فشل في مشروعه بتغيير أنظمة الدول العربية وتطبيعها بطابع إسلامي معتدل كما كان مخططاً له، المشروع فشل في تونس وفي مصر، وفي سوريا لم تتمكن تركيا من تحقيق الغاية المنشودة بالرغم من كل الامكانيات التي قدمت لتركيا من الناتو والدول الاوروبية، ففي بداية الأزمة السورية سعت أمريكا إلى خلق تنظيم إسلامي متطرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق، وجاء ذلك على لسان وزيرة الخارجية آنذاك “هيلاري كلينتون” حيث صرَّحت بأنها زارت ١٢٦ دولة للاعتراف بتلك الدولة، لكن نتيجة تدخلات الدولة العميقة في الولايات المتحدة والتي كانت سبباً بعدم فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الامريكية. وهنا لابد من توجيه سؤال: من أين حصل هذا التنظيم الوليد على كل هذه الامكانيات إذا لم تكن صاحبة المشروع هي من قامت بتمويله؟

كشف المستور حينما احتل التنظيم مدينة الموصل العراقية واستحواذه على أسلحة الجيش العراقي ومن ثم توجهه نحو سوريا، والغريب في الأمر أن التنظيم لم يتوقف بداية دخوله إلى الأراضي السورية في أي مكان؛ بل اتجه إلى مدينة كوباني بناءً على رغبة النظام التركي، ولكن نتيجة المقاومة التاريخية التي أبدتها مقاتلي وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ  اضطرت امريكا للتدخل في الخطة.

فالتدخل الأمريكي جاء نتيجة فشل الفصائل المسلحة والتي سميت بالجيش الحر، لقد فقد مصداقيته؛ لذلك قام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بدعم وحدات حماية الشعب، وتم تحرير كوباني من تنظيم داعش الإرهابي وتلا ذلك تحرير منبج والطبقة، وفي عام ٢٠١٧تم تحرير مدينة الرقة، ولم تقبل تركيا بهزيمة ربيبتها داعش فقامت باحتلال عفرين باتفاق بين الروس والنظام السوري ومباركة أمريكية وذلك بتاريخ ١٨ آذار ٢٠١٨، وعندما هُزم داعش في باغوز قامت تركيا بهجوم بري عام ٢٠١٩ بتواطؤ أمريكي روسي واضح.

وما يجري الآن في غزة ومناطق الدفاع المشروع قد غير المعادلة بالرغم من أخطاء حركة حماس والتي تحولت إلى أجندة لدى نظام الملالي والتركي والقطري، علماً أن الدول التي ذكرناها تعمل لصالح إسرائيل بشكل غير مباشر، إضافة إلى ضعف الموقف العربي تجاه أحداث غزة والتي ترتقي إلى جرائم حرب دون أدنى شك، فأروغان  ونتنياهو وجهان لعملة واحدة، والسجال الذي يحصل بينهما عبر الإعلام عبارة عن تبادل الأدوار في مسرحية القتل والتدمير، من سيقتل ويدمر أكثر من الآخر، وصَمْتُ الغربِ حيال ما يجري في كردستان وفلسطين ليس له سوى معنىً واحد هو أن تركيا الأردوغانية وإسرائيل تشكلان الجبهة الأمامية لحرب نظام الهيمنة العالمية على المنطقة ولا يمكن الوثوق بالموقف الأمريكي تحت أية ذريعة كانت.

في هذه المرحلة تحاول إيران والنظام السوري الاستفادة من الفوضى بالضغط على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من خلال الهجمات التي تشهدها مناطق شرق الفرات بالتزامن مع تصعيد تركيا لهجماتها على اقليم شمال وشرق سوريا مما يستوحى من هذه التحركات بأن ما تم الاتفاق عليه في أستانا يتم تنفيذه على الأرض السورية، وهناك مؤشرات بأن المنطقة مقبلة على حرب شاملة إن جاز التعبير، ناهيك عن الحماقات التي ارتكبها اردوغان بحق شعوب المنطقة منذ عام ٢٠١٥ وتتجاوز كل المعايير الدولية على الرغم من أن مبادرة القائد عبد الله أوجلان لطرح خارطة الطريق لحل القضية الكردية وقضية بقية المكونات في تركيا كانت فرصة لا تعوض وخاصة بعد وصول حزب الشعوب الديمقراطية إلى البرلمان ب ٨٢ نائب، فلقد أضاع أردوغان فرصة ذهبية من يديه نتيجة انصياعه لأوامر الغرب عن طريق غلاديو الناتو، لذلك تأتي العزلة المشددة على القائد عبد الله أوجلان  في هذا السياق نظراً لأهمية دوره في مسار الحل السياسي، إلا أن أردوغان سلك  طريق الحرب والحسم العسكري نتيجة الدعم الأمريكي له في حربه ضد حزب العمال الكردستاني PKK، لكن الجيش التركي، رغم الدعم المقدم من الناتو ومن حزب الديمقراطي الكردستاني، اصطدم بمقاومة الكريلا الفولاذية ولم تكن رياح الحرب لصالح الجيش التركي، فلقد تحولت مناطق الدفاع المشروع إلى مقبرة للفاشية وعملائها، هذه حقيقة باتت واضحة للقاصي والداني  فالهجمات الجوية التركية على البنية التحتية في إقليم شمال وشرق سوريا، لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة تلقِّي قواته ضربات مميتة في خاكورك ومتينا، وجاءت بالتزامن مع حصول تركيا على موافقة أمريكية غير معلنة بتوجيه الضربات الجوية للبنية التحتية في اقليم شمال وشرق سوريا وذلك لموافقة تركيا على عضوية السويد في حلف الناتو  ناهيك عن ذرائع أخرى بحجة أن أمنها القومي مهدَّد، مع العلم أنه منذ بداية الأزمة السورية لم تطلق طلقة واحدة من المناطق التي تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية وقبلها وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، ولكن السبب الأساس في الأمر هو أن الغرب لا يريد أن يكون هناك شعوب تمتلك إرادة حرة وقرار مستقل، وتركيا كدولة مكلفة للقيام بهذا الدور ولا يستثنى من ذلك نظام الملالي والنظام السوري وكل من يدور في فلك نظام الهيمنة العالمية، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل الأمريكان لا يعلمون ما حصل في دير الزور ومن كان يقف خلف تلك الفتنة ولماذا تبقى صامتة على الهجمات التركية؟ علماً أن المعتقلات التي تُحتجز فيها عناصر التنظيم والمخيمات التي تضم عوائل مقاتلي داعش تشكل قنابل موقوتة، وفي حال خروجها من تحت السيطرة ستهدد أمن المنطقة بكاملها بالرغم من إدراك الجانب الأمريكي وقيادة قوات التحالف الدولي، وانطلاقاً من هذه الحقيقة نستطيع القول بأن نظام الهيمنة العالمية جعلت من الديمقراطية شماعة تسعى فيها لتضليل الشعوب وتعمل لترسيخ مفهوم الدولة القومية وتستثمرها كأجندة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، لذلك هي لا تريد أن ينجح أي مشروع مرتبط بمشروع الأمة الديمقراطية ولا نجاح أي وثيقة أو لائحة تنظيمية تتبناها شعوب شمال وشرق سوريا، فالحقيقة هي أن الهجمات الجوية التي شنتها الفاشية التركية في الآونة الأخيرة على مناطق اقليم شمال شرق سوريا الأمريكان شركاء فيها، والسبب الأكثر أهمية لانزعاج تركيا هو نجاح الحملة التي بدأت في العاشر من شهر تشرين الأول تحت عنوان الحرية للقائد أوجلان وحل القضية الكردية، هذه حقائق يجب أن يعرفها شعبنا وشعوب المنطقة.

وبناء عليه يمكن القول بأن نهج الحداثة الديمقراطية سينتصر على نهج الحداثة الرأسمالية ومفهوم الدولة القومية، وبذلك لن يكتب لمشروع الشرق الأوسط الكبير النجاح طالما هناك قوى مؤمنة بقضية الشعوب وبفكر وفلسفة الأمة الديمقراطية التي طرحها المفكر وفيلسوف العصر المناضل عبد الله أوجلان وتحول هذا الفكر إلى إرث فكري لدى الشعوب والقوى التواقة إلى الحرية والعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي.

زر الذهاب إلى الأعلى