ثقافة

سيدايي تيريج

 

seydaye tirejلعل لشهر آذار تحديداً معنىً آخر لدى الكرد جميعاً, وخاصة كردَ روج آفا, لأنه يستهوي بين أحضانه النرجسية والانقلابية مشاعرَ كل فردٍ كردي, التي تحمل في طياته قليلاً من الفرحِ وكثيراً من الفقدان والولع والمصائب المتلاحقة التي حصدت أرواح المئات من الأبرياء الكرد، وعلى مساراتٍ أخرى بعيدةٍ عن السياسة، استُبدِلت هذه المرة بحصة أدبية هوت دعامة من دعائم الأدب الكردي، ألا وهو الشاعر الكردي سيدايي تيريج، ولد ملا نايف حسو عام 1932 في قرية نجموك التابعة لمنطقة قامشلو الملقب بـ”سيدايي تيريج”.

 تعلم القرآن الكريم على يد الملا “إبراهيم الكولي” وقرأ من الكتبِ في الشريعة والدين والصرف والنحو، وفي عام 1938 هجر دراسة الفقه، والتحق بإحدى المدارس الحكومية في مدينة عامودا, وحينها تعرف على شباب جمعية “خويبون” وكوما جواني كرد” و نادي كشافة كردستان الرياضي” واندمج فيها بصحبة جكر خوين، عثمان صبري، رشيد كرد، يوسف حرسان، وآخرين.

 وبمساعدة رفيق دربه جكرخوين, والسيدة بهية حمي زوجته, والتي تنتمي الى عشيرته, وأنجب منها أربعة شباب وخمسة فتيات، وأكمل عمله بتدوين وكتابة القصائد وتميز بأسلوب شعبي رومانسي هادىء, واكتسب مكانة مرموقة بين أوساط المثقفين الكرد, وعلى الرغم من ظروفه المعيشية القاسية, وتنقله الدائم كان سنداً وعوناً أميناً مخلصاً لرفاقه, ومن أحد مواقفه الكثيرة التي تدل على صدقه ووطنيته وحبه في مساعدة الصديق نذكر منها, عند نزوح الأديب الكردي المعروف رشيد كرد من( ديركا جاي مازي) الى عامودا, أتفق تيريج مع جكرخوين وعبدي كيلو, بمساعدة رشيد كرد حيث طلبوا من أصحاب المحلات آنذاك, وجابوا سوق عامودا لجمع التبرعات, ومساعدة ذلك الزائر والأديب الكردي, وأثبت تيريج حضوره بين شعبه, ولمواقفه الوطنية.

 وكشاعرٍ كرديٍ بجداره, وبالرغم من إمكاناته الضعيفة إلا أنه استلهم بكثافة وشراهة من التراث الكردي, أمثال ملاي جزيري، أحمد خاني، وفقي طيران, كما أنه عاصر فئةً خيّرةً من الأدباء أمثال (جلادت بدرخان، كاميران بدرخان، نورالدين ظاظا، والأميرة روشن بدرخان، حسن هشيار), ورغم أن القصيدة الكردية تفتقر الى العناصر كالقافية والوزن إلا أنها كانت تخدم القضية الكردية، لقد غنى له الكثيرٌ من الفنانين الكرد: (الفنان سعيد كاباري، محمد شيخو، زبير صالح، خليل غمكين، حسين صالح،..).

قصائد تيريج مثل (ليلى قاسم، أي بلبل دل شادي هلا ور بك فيغان، كيم أز،……..الخ), وكذلك غنت لقصائده الفرق الفلكلورية الكردية (كوما سرخبون، كوما اوركيش، كوما خلات، كوما شورش ، كوما كاوا) حيث غنى الفنان القدير محمد شيخو خمسة قصائد من ديوانه “خلات”  وبتاريخ 27/3/2001 سافر الى المانية تلبيةً لدعوة الجالية الكردية هناك, وقام بإحياء حفلاتٍ وأمسياتٍ عديدة, شاركه فيها الفنان جوان حاجو, وكذلك أجرى معه الإعلامي الكردي ومحرر موقع “عفرين نت” الأستاذ “عارف جابو” حواراً جميلاً قال وهو يخاطب الجالية الكردية:” لا تنسوا وطنكم ! ضحوا من أجله، ولا يغرنكم المال والشقراواتُ هنا، ترقبوا يوماً تعودون فيه الى وطنكم لخدمته وتطويره, نريد كل أوربا أن تمدح بشعبنا, عليكم أن تعطوا صورةً وانطباعاً جيداً عن الكرد”.

 وقُيِّل في الاعلام الكردي آنذاك عن زيارته إنها كانت شيقة ومفيدة، وعاد الى أرض الوطن في 22/4/2001 وفي يوم السبت 23/3/2002 أغمض شاعر الكرد عينيه دون وداع شعبه إلاعَبرَ قصائده الجميلة، حيث ترك جثمانه ليلتين حتى خُبِرَ بهِ كل الأصقاع المعمورة وكل من عرفه أو سمع به، فجاء محبوه ومعارفه لتوديعه الوداع الأخير.

 وفي صباح يوم الاثنين 25/3/2002 شُيّعَ جثمانه من مدينة الحسكة في موكبٍ مهيبٍ يلفه الحزن والأسى الى مثواه الأخير في قرية “كر كفتار “حسب وصيته” ورغبته متذكرين نداءه للكرد: آمل من كل كردي أن يُحرِكَ ضميره لخدمة وطنه لأن الشعب الكردي محرومٌ من أبسط حقوقهِ المشروعة, فهناك شعوبٌ كثيرةٌ تحررت، فبرأي إن إنعاش التاريخ والأدب الكرديين,  وتوحيد الجهود الكردية هي السبيل الوحيد للخلاص ونيل الحقوق المشروعة.

حسينة العلي

زر الذهاب إلى الأعلى