مقالات

هدنةٌ فاشلة أم فشلُ الهدنة

dil baren دلبرين فارس

يتكرر السيناريو في المشهد السوري على الصعيد الدولي والإقليمي والميداني على نفس الخطى, لا جديد في حقيبة  المحادثات الدولية الثنائية الروسية – الأمريكية، ربما الوحيد المتغير في هذا الشأن هو لون ربطة العنق والتي غالباً ما تكون محصورة باللونين الأزرق والأحمر لكل من كيري ولافروف، إلى جانب ذلك لا متغير جديد طرح في هذه المحادثات. بان كي مون ودي مستورا واللذان يمثلان الطرف الثالث لهذه المحادثات هما الوحيدان اللذان حافظا على لون ربطات عنقهما اللون “الأزرق”.

فمنذ أن تولت هذه الأطراف حقيبة حل الصراع والأزمة السورية لا جديد طرأ على تصريحاتهم وحلولهم ومحادثاتهم، بكل بساطة مشكلة المساعدات الإنسانية لم تحل إلى اليوم رغم أن الأمم المتحدة أكدت مراراً أنها صرفت المليارات على هذا الأمر, والذي أدى إلى نشوبِ صراعٍ بين الأطراف التي تعمل على توزيع هذه المساعدات والتي لم تصل إلى ربع الشعب السوري خاصةً في تلك المناطق التي تسمى بالمحاصرة, ولا نعرف من يحاصر تلك المناطق، ربما سكان تلك المناطق هم من يحاصرون انفسهم، ضف على ذلك الصراع الذي وصل على حد التشهير والعراك بالأيدي بين أطراف ما يسمى بالمعارضة السورية, معارضة الرياض وإسطنبول ناهيك عن تلك الاتهامات المتبادلة بين النظام والمجموعات المسلحة الإسلامية حول الاستِلاء على المساعدات التي كانت تُرسل باسم الشعب السوري وإلى الشعب السوري، ولكن السؤال هنا الأطراف المعارضة من جهتها تقول بأن الشعب السوري أكثر من نصف الشعب السوري قد هُجِّر، وقسمٌ أخرٌ قد قُتِل ولم يبقى إلا عدة آلاف من المحاصرين أو بالأحرى من هم غير قادرين على تحمل نفقات وأعباء الهجرة وما يتعرض له المهاجر والنازح من مذلة وأهانه وبتعبيرٍ أدق  “أموت ببيتي أشرفلي”، آخرون اضطروا للبقاء مرغمين “كدروع بشرية ” تستخدمها الأطراف المتصارعة، ونشير هنا إلى طرفٍ أخر نزح إلى المناطق التي لاتزال تتمتع ببعضٍ من الأمن والاستقرار كما في الساحل السوري وفي العاصمة وفي الشمال السوري” روج آفا ” إذاً الحديث عن المساعدات أصبح هزلٌ دولي وعلى كافة الأصعدة، وأن ربط المعاناة والأزمة بالمساعدة الإغاثية ووضعها في مقدمة الأولويات للشروع في الحل “جدلٌ مهرطق” في المرحلة الثالثة من المستوى الثاني للصراع السوري.

أما فيما يتعلق بالهدنة ووقف الأعمال العسكرية فلا يمكن لأي طرفٍ دوليٍ أن يفرض هدنة أو أن يبني عليها كنقطة ثانية نحو الحل على أطراف الصراع, والذي تحول بشكلٍ أو بأخر إلى صراعٍ طائفيٍ مذهبيٍ أخِذاً منحى وبعداً قومياً إقليمياً ” الصراع بين الكرد والنظام التركي”.

 وهنا أخص بالذكر الجماعات الإرهابية المسلحة وفي مقدمتها داعش والنصرة وبكل جزئياتها من (أحرار الشام وجيش الفتح….)، مجموعات لا يمكن أن تقبل بأي هدنة مفروضة من قبل “الكفار” كما يقولون، ويعدونها إجحافٌ بحق المجاهدين ” المهاجرين الذين هرعوا لنصرة المسلمين في بلاد الشام والعراق, وإعلان الدولة الإسلامية إلى جانب الأنصار الذين حضنوهم ولبوا دعوتهم المقدسة ” والتي تتجاوز كل المفاهيم والمصطلحات الدنيوية، فالقتال في سوريا والعراق وليبيا وفي أي مكان لها أهداف وغايات خاصة بهم تتجاوز سوريا والعراق حسب زعمهم، حتى الدول الإقليمية الراعية للإرهاب كتركيا وقطر والسعودية فقدت السيطرة عليهم، لذا رأينا كيف أن تركيا غيرت من مسارها وانحرفت نحو تأسيس وقضم قطعة من الأرض السورية لفصائلها الصغيرة المفضلة والمقربة منها, ودفعت بكل وسائلها السياسية والدبلوماسية والعسكرية لإنشاءِ كيانٍ لها في الغرب من الفرات، وتعمل على إبعاد كل الفصائل الأخرى والكبيرة, والتي كانت في ترعى في كنفها من كيانها هذا، إضافة لمحاولتها قطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية في النيل من داعش في آخر مراكزه في الشمال السوري يعني بالمختصر ” ضربة استباقية تركية” لضمان حصتها السورية التي طالما كانت تحلم بها.

أما فيما يتعلق بالأطراف الأخرى والتي يمكن فرض الهدنة عليهم وإلزامهم بذلك، فالنظام السوري ومن هم في محوره “الفصائل الإيرانية واللبنانية والعراقية ” هم كلهم يعملون تحت المظلة الروسية ويمكن لروسيا أن تلزمهم بالهدنة متى رغبت، كذلك قوات سوريا الديمقراطية وكل الفصائل المنضوية تحت مظلتها هي أيضاً لها قرارٌ خاصٌ بها وقيادة عسكرية وسياسية منظمة، وتعمل إلى جانب حليفٍ دوليٍ ستلتزم بالقرارات والهدن الدولية والتي تصب في المصلحة السورية بشكل عام.

من هنا يمكن القول بأن الهدنة الحالية والتي توصف بالهشاشة، والتي تدل على ضعف الرؤى والنظرة السطحية لحقيقة الصراع والأزمة في سوريا من قبل الثنائية الدولية ومظلة الأمم المتحدة, والتي تحاول حل القضايا الدولية العالقة منذ الحرب العالمية في سلة تجميعية واحدة, وعبر بوابة شرق أوسطية واحدة وهي البوابة السورية والعراقية، ستفشل كسابقاتها وسيكون مصيرها رغم التمديد والتقصير في فوهة بنادق الأطراف المتصارعة.

زر الذهاب إلى الأعلى