المجتمع

كيف يفكر شبابنا اليوم؟

تقرير: مصطفى عبدو

قلّما يهتمّ أحدنا؛ وخاصة في المرحلة التي نعيشها بالشباب أو بمن نسميهم بالمراهقين, فما حال هذه الفئة في مقاطعات روج آفا وشمال سوريا؟ وهل من مهتم بهم؟ وكيف يمكن التعامل مع فئة المجتمع هذه؟ كيف يمكننا فهم شباب اليوم في ظلّ الأوضاع الراهنة والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحالية؟

ينظرُ بعضُ الأولياء إلى فترة الشباب أو المراهقة على أنها فترة مَرضية وليست مرحلة طبيعية يمر بها كل فرد يبحث عن النضوج. بينما يرى بعضُ المهتمين أن هناك شرخاً واسعاً بين الآباء والأبناء حالياً، وأنّ المشكلاتِ التي نعاني منها ليست جميعها مشكلات الشباب، إنما هناك مشاكل للآباء أنفسهم، والذين ضاقوا ذرعاً بتصرفات أولادهم بسبب اختلاف وجهات النظر بين الجيلين (مشاكل الآباء يحسّ بها الأبناء بينما لا يحسّ الآباءُ بمعظم مشاكل الأبناء).

كما يجد بعضُ المهتمين أن مشاكلَ الشباب تتعدّد بين الأسرة التي لا تتعامل بالشكل المناسب مع شباب اليوم, وكذلك المجتمع المتغير ودور وسائل الإعلام التي تؤثر بشكل أو بآخر في تصرفات الأبناء, إلى جانب العمل والمدرسة والجامعة؛ حيث لا يجد الشابُ المناخَ المناسب له ضمنها. لا ننسى هنا مشاكلَ الشباب مع أنفسهم، فلا يفهم الشاب نفسَه ولا يمكنه  التعرّف على حقيقة قدراته واتجاهاته وميوله.

بينما آخرون فضّلوا تدريبَ الشباب على الحوار والمناقشة وتبادل الآراء معهم وتعوديهم على عرض وجهات نظرهم، وتعريضهم للمواقف المختلفة التي تحثهم على المشاركة والمبادرة في مختلف الميادين.

المراهقةُ تحدٍّ  

كما هو معلومٌ لدى الجميع إنّ مرحلةَ المراهقة والنضوج هي مرحلة تستحوذُ على اهتمام كثير من الناس، فهي تهمّ الشبابَ أنفسهم ليفهموا ذاتهم, وتهم الآباء والأولياء ليعرفوا كيفية التعامل معهم. إن التعاملَ الحسن والرِفقَ هو المفتاح لتجنّب الكثير من السلبيات التي قد تنتج عن خاصية الشباب الانفعالية، وكذلك تقدير الشاب ومعاملته على أنه شخصٌ كبيرٌ يمكن أن يُعتمد عليه، وعدم استخدام أسلوب التحدي معه لأنه سيفجّر لديه ميول التحدي وعدم الانصياع.

ويفضَّل دمجه في الحياة الاجتماعية والعملية وتشجيعه على أن يصبح مسؤولاً عن أمور كثيرة، وعدم حرمانه من نزعته إلى الاستقلالية بشؤونه الخاصة دون تدخل مباشر. وعلى الأب أو الأم القيام بالتوجيه بشكل عائلي وعاطفي، ومحاولة تفسير حالة التذبذب العاطفي لدى الشباب ومساعدته لكي يحكم على الأشياء بشكل منطقي.

اختارت صحيفة الاتحاد الديمقراطي بعضَ العيّنات من طريقة التعامل مع الشباب في إقليم الجزيرة، نعرض منها نموذجين:

 حسينة والدة شاب مراهق:

ابني شابٌ دخلَ مرحلة المراهقة منذ سنة تقريباً، تناقشتُ مع والده كثيراً عن صعوبة المرحلة التي يمر بها فلذة كبدنا؛ لكن للأسف والده أذنٌ من طين وأذن من عجين، ربما لأنه لا يملك  أسلوباً مناسباً لمتابعة ولده وهو في هذا العمر، أولا يعرفُ كيف يفاتحه بالموضوع وهو الذي يقضي كلّ يومه في العمل والسعي. وأخيراً وبعد أن فقدت الأملَ بالوالد قررت أن أتابعَ موضوع ولدي بنفسي قبل أن يضيعَ ولدي في زحمة الشارع، حاولت قدر الإمكان حثه الاعتماد والانتباه على نفسه والحذر من رفاق السوء, لا أقول إني حققتُ هدفي بعد فترة وجيزة  لكني استطعت استمالة ابني نحوي، وخلقت لديه الثقة بنفسه، وأدركتُ الطريقةَ المثلى للتعامل معه وكيفية تنبيهه  بالفترة التي يمرّ بها وكيف أوصل له المعلومة.

أبو أحمد موظفٌ وأب لثلاث شباب أكبرهم في السابعة عشرة من عمره نتيجة خلافات حادة اضطرّ إلى طلاق زوجته رغم المساعي الحثيثة التي قامت بها دار المرأة لإعادة شمل العائلة لكن دون جدوى. التقيتُ به قبل أيام لمحتُ مسحةً من الحزن والكآبة تغطيان وجهه المبتسم دوماً، تساءلت عما يحزنه أجابني وهو يحاول إخفاءَ قلقه متجاهلاً سؤالي ويطلب رقماً من هاتفه دون أن يجيبه أحد. أعدتُ عليه السؤال وأخيراً حصلت منه على الإجابة وهو إن ابنه أحمد ذهب لزيارة والدته منذ يومين ولم يعد حتى الآن وترك هاتفه مع أخيه الصغير، وعلى الأغلب يكون قد التحق بوحدات حماية الشعب بحسب قوله.

ما دام هاتفه مع أخيه الصغير يا أبا أحمد فمع من تتصل إذاً أجابني: أتصلُ مع أصدقائه لربما أطمأنَ قلبي وأتأكد أين هو بالضبط، وأضاف لست قلقاً على ذهابه والتحاقه برفاقه ولكني أريد الاطمئنانَ إذا كان فعلاً قد التحق بهم ليرتاح بالي وأعرف أنه لم يصبه مكروه.

سردتُ هذه الحادثة لإيصال معلومة مفادها أنّ الخلافاتِ العائلية هي السبب الرئيسي لتشتت الكثير من العائلات وسلوك طريق المخدرات ورفاق السوء وما إلى ذلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى وصلنا إلى حدّ يهددنا فيه أولادنا بأنهم سوف يتركون البيت لأتفه الأسباب ولمجرد لم تسر الأمور على هواهم.

العلاقات الاجتماعية للشباب

العلاقة مع الآباء:

يسعى الشبابُ في عمر المراهقة إلى الانفصال جسدياً وعاطفياً عن آبائهم وارتباطهم الوثيق بأصدقائهم؛ ليس بالأمر السهل بل إنه مصدر للضغط النفسي والتوتر على المراهق مما قد يخلق صراعات على كافة المستويات وخاصة في بداية المراهقة, فالآباءُ يقللون من تأثيرهم على أولادهم، والأولاد يشتكون من شدة سيطرة الآباء.

الانفصال النفسي عن الوالدين:

يرى الشابُ المراهق نفسه مختلفاً عن والديه، ولا يراهما مثاليين كما في السابق، ويفضّل والدَ صديقه على والده، فيبدأ برفض كل ما يقدمه له والداه حتى لو رآه معقولاً، ويبدأ بممارسة ما يراه هو مناسباً ويعارض كثيراً. يشعر بالافتقار النفسي إلى والديه فيبدأ يتقبل بعض آرائهم ويعارض أخرى.

العلاقة مع الأصدقاء:

لا يعطي الأصدقاءُ نصائحَ وهم يسهلون الأمور على المراهق ويدعمونه اجتماعياً وعاطفياً، ويشاركونه مشاعره الداخلية وأحلامه وأفكاره، وهذا ما يدفع المراهق للولاء لهم والسير على خطاهم؛ وإن كان غيرَ مقتنعٍ بآرائهم.

يرفض المراهقُ أيَّ تدخّل من الوالدين في اختيار الأصدقاء، ولذلك كثيراً ما يخطئ في اختيار الأصدقاء، لكن مع الوقت يكون أكثرَ تدقيقاً وأكثر صواباً في اختياراته.

كيف يجب أن نتعامل مع شباب اليوم؟

  علينا تدريبُ الشباب على الحوار والمناقشة وتبادل الآراء معهم وتعويدهم على عرض وجهات نظرهم، وتعريضهم للمواقف المختلفة التي تعوده المشاركة والمبادرة بما لا يتعارض مع الآداب العامة؛ من أفضل السبل للتقرب من المراهق. وكذلك أجد أنّ المرونة ضرورة من ضرورات التعامل مع الشباب، فهذه مرحلة بحثٍ عن الذات والاستقلالية وتشدد في الرأي. ينبغي الابتعادُ عن الشدة معه، فكل ما هو مقترح من الآباء مرفوض لدى الشاب المراهق.

كلما كانت العلاقة متوسطة كانت النتيجة أفضل، علينا إتاحة الفرصة للشباب بالتعبير عما يجول في أنفسهم وإبداء آرائهم، لكن هذا لا يعني ترك كل الحبل لهم، فهناك ضوابط أخلاقية و اجتماعية لا بد من مراعاتها لكن المرونة مطلوبة.

خلاصة القول إن التعاملَ مع الشباب وخاصة المراهق فن ومهارة لا يجيدها الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى