مقالات

ماذا عن ابن أمير القناصة ومستقبل آلاف الأطفال 

سيدار رمو

كلنا نتوق إلى الكمال والاكتمال، مع إدراكنا في الوقت عينه بأنه حكر على المقدسات والآلهة، هذه الأخيرة كما عهدناها مقدسةٌ لا يجوز التقول عليها أو مسها بشي يقلل من قيمتها. أما في حالة المجتمعات، إذا ما قارننا الكمال الشخصي بالكمال المجتمعي نجد أنه بعيد المنال بعض الشيء، لكنه جائز لئن، فالمجتمعات أعتقد بوجوب تصنيفها على أنها تستحق أن توضع على قائمة الكمال بالنسبة للفرد، حيث أن المجتمع هو حاضن الفرد وموجهه في أحايين كثيرة.

في تلك الرقعة التي تمتلك مقومات الحياة ويسكنها الإنسان وتسمى الموطن، لابد من أن تتكون علاقات اجتماعية متشابكة ومجتمع بغض النظر عن مدى صلاحه أو فساده، فإذا ما تحدثنا عن مجتمعات دول العالم الثالث أو المجتمعات الشرق أوسطية بصحيح العبارة تعاني اليوم من شرخ في بنيتها المتأصلة، حيث أن استهداف المجتمعات وتفكيكها كان ولا زال هدفاً للحداثة الرأسمالية بغية تدفق المزيد من رأس المال إلى مدخرتها. مجتمعاتنا تتشتت وتتفكك ولا أحد يدفع الثمن غيرنا، وإذا ما لاحظنا في القرن الأخير علو نسبة تجارة الأعضاء والمخدرات، وظهور حالات فاحشة في المجتمعات منها انتشار بيوت الدعارة والملاهي الليلية، ودفع مبالغ باهظة على المراهنات في المقاهي على الفرق الرياضية هذا كله من وسائل طعن المجتمعية والنيل منها.

كما يمكن إنساب ظاهرة الانترنت التي تلهي العقول الكبيرة قبل الصغيرة على أنها ظاهرة مساهمة في هذا الطعن، نظراً لما نجد من تراجع في مستويات العلاقات الاجتماعية.

وعامل آخر ظهر حديثاً إلى الساحة يضاف إلى ما ذكرناه آنفاً، هي حالة اليتم، فخلال حالة الغليان التي طرأت على دول المنطقة تولدت الكثير من المنظمات الإرهابية ولعل أبرزها وأشدها تأثيراً هي تنظيم داعش الذي جلب عبر حالات القتل الجماعية والإبادات الكثير من الويلات  والتشرد للمجتمعات في البلدان التي احتلتها.

العراق وسوريا أنموذجاً، ففي سوريا ساهمت داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية في هجرة الشباب، أو فقدانهم لحياتهم أو معايشتهم للمعاناة والمآسي وعندما أقول الشباب فأنا أقصد الفئة الشابة ولا أخص بالذكر الذكور فقط، فقد كان للنساء أيضاً نصيب وافر من المعاناة، حيث تكاد مأساة شنكال لا تفارق مخيلاتنا. داعش التنظيم الأكثر همجية في عصرنا هذا خلف آثاراً هائلة  في نفسية السبايا الإيزيدات اللواتي حصل عليهن التنظيم جراء غزوه لشنكال في صيف 2014، وحتماً عواقب هذه النفسية وخيمة جداً في المستقبل، فماذا يتوقع من هذه الفتيات أن تكون نفسيتهن، ولا أعتقد بأنهن سيتمكن من التخلص من هذا الماضِ العصيب، إنهن انكسرن وتحطمن ويتطلب الكثير لإعادتهن إلى مثلما كن في مرحلة ما قبل داعش، هذا بالنسبة للناجيات من مذلة داعش أما الأسيرات إلى الآن فنحن جميعاً مسؤولون عن تحريرهن، ولا تقع المسؤولية فقط على عاتق وحدات حماية المرأة أو قوات سوريا الديمقراطية إنما المجتمع الدولي برمته مسؤول عن تخليصهن وتحريرهن.

وبالعودة إلى ظاهرة اليتم، مؤخراً كشفت صحيفة الغارديان في تقريرٍ أعده “مارتن شلوف” أن هناك أعداداً كبيرة من الأطفال الذين توالدوا في ظل تنظيم الدولة فقدوا أمهاتهم وأباءهم وأضحوا أيتاماً بعد معركة الموصل، شلوف في تقريره أشار إلى “ابن أمير القناصة” البالغ من العمر 9 سنوات، وعلى لسان الطبيب العسكري أبو حسن يقول شلوف أن ابن أمير القناصة لم يكن طفلاً عادياً إذ أنه لم يكن خائفاً أو مرتعباً عندما قابله الطبيب على عكس جميع الجنود والنساء والأطفال الذي عاينهم.

ويضيف الطبيب لشلوف أنه لدى سؤال الطفل عما يود أن يصبح عندما يكبر، أجاب “قناصاً”. وصدم الطبيب، لكنه علم أن والد الطفل كان يلقب بـ “أمير القناصة” في تنظيم الدولة الإسلامية قبل مقتله، وكان شخصية مهمة وذات شأن في داعش.

داعش هذا التنظيم المتسبب بيتم آلاف لا بل مئات الآلاف من أطفال سوريا والعراق الأبرياء، خلّف وراءه هوة مجتمعية كبيرة ستظهر انعكاساتها على الأجيال القادمة الذين لن يكون لهم مستقبلٌ أو طموح، لأنهم خرجوا من رحم الحرب وتكومت عليهم الويلات، فمنهم من تشرد في مخيمات اللجوء وبقي أمياً ومنهم من بقي تحت وطأة أفكار التنظيم جراء تتلمذته في مدارس أشبال الخلافة، ومنهم مَن اشتغل وهو في سن الطفولة ليعيل ما تبقي من أخواته الصغار لأن الأب والأم قد فقدا حياتهما، ومنهم من بُيِّعَ أعضاؤه دون علمٍ منه.

بالفعل وطأة هذه الحرب كبيرة على الشعوب، ولا يوجد حل مسعف يشفي الجراح التي تسببت بها الحرب، سوى التعاضد وتشكيل سد منيع أمام أي فكرة تنادي بالحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى