المجتمعمانشيت

فساد الأخلاق وضياع القيم؛ تفتيتٌ للروابط الاجتماعية

يقوم مجتمعنا على القيم والأخلاق الحميدة المتوارثة عبر التاريخ إلا أنه مع التطور التكنولوجي ووصوله إلى متناول يد الجميع، وسنوات الأزمة التي لا تزال ظرفاً قاسياً يحمل معه كل أشكال التغيير الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى شرخ بالغ حدث بمفاهيم الأخلاق لتميل إلى الانحراف؛ فكانت مرحلة جديدة أغرقت جميع المكونات في سوريا في تفاصيل لم تكن في الحسبان، فمنهم من استطاع مواجهة تلك الظروف، وما زال يحاول بكل جهده ليواكب عجلة الحياة بكل تفاصيلها، ومنهم من اختار مغامرة السفر إلى الدول تاركاً ورائه كل شيء.

لا شك أن المرأة بشكل عام والمرأة الكردية بشكل خاص عاشت إلى جانب الرجل تلك الفترة بكل تفاصيلها وجوانبها، وأبدت كل ما تستطيع من قدرات لتواكب تلك التغييرات، وأكثر الأحيان تغلبت عليها، ولكن رغم كل هذا بات مجتمعنا يعاني من انحطاط أخلاقي مثل تفشي ظاهرة الدعارة، وبيع الأعضاء، الاتجار بالإنسان وجعله سلعة للبيع في سوق النخاسة، وكذلك انتشار آفة المخدرات) والكثير من الظواهر التي تمس المجتمع وتحط من مكانته، هذه الأمور وغيرها التي تعني بشؤون المجتمع والمرأة سنسلط عليها الضوء في تقريرنا هذا الذي ستثريه بإجاباتها الإدارية في دار المرأة بمدينة قامشلو بهية مراد:

استهلت بهية حديثها بالقول: منذ بداية الثورة بمناطق شمال سوريا تم افتتاح دار للمرأة في الحي الغربي بقامشلو عام 2011، ومن أولويات مهامنا هو حماية المرأة إلا أن ما يعيق عملنا في كثير من الأحيان تلك العادات والتقاليد البالية المتمسكة بها مجتمعنا الشرق الأوسطي، وتابعت: في السنوات الأخيرة بات الفساد الأخلاقي متفشياً وبات من أهم وأخطر المشكلات التي تعاني منها أكثرية دول العالم وأصبحت بمثابة خطر يهدد مستقبل الشعوب، وفقدان القيم والمبادئ الأخلاقية في أي مجتمع يعني فقدان ثقافته وحضارته.

 وذكرت بهية أهم الأسباب المؤدية إلى تفشي ظاهرة الفساد في المجتمع وما تخلفه من آثار سلبية على أفراده وجيله الصاعد:

1ـ الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى والدعامة الأساسية في المجتمع منها تنطلق التربية السليمة والصحيحة أو الخاطئة للأولاد.

2- رفاق السوء الذين يبحث عنهم الإنسان حين يهرب من واقعة ومن  المشاكل الأسرية المتفاقمة هذه الأيام، والتي يعجز عن حلها فيحاول نسيانها برفقة أصدقاء اختارهم دون تفكير وهنا يكون لها آثار

ونتائج خطيرة عليه وعلى الآخرين كتعاطي المخدرات والسرقة والوقوع في متاهات أكثر خطورة مثل التعامل مع خلايا وعصابات يتاجرون بالبشر وأعضائهم، وتعتبر هذه من قمة أسباب تفشي الفساد في المجتمع

ناهيك إلى الاستخدام المكثف لوسائل الاتصال الاجتماعي بالشبكة العنكبوتية والتقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة مثل الانترنت والقنوات الفضائية والهواتف النقالة، إلى جانب هذا كله غياب القوانين الرادعة التي تحد من انتشار هذه الظاهرة التي أسهمت في التأثير على القيم والمبادئ المجتمعية.

ومن جهة أخرى قالت: إن الاتجار بالبشر وخاصة النساء لغرض الاستغلال قد يشمل الاسترقاق والاستغلال الجنسي بهدف الربح والزواج بالإكراه، ففي بداية تأسيس دار المرأة وخاصة في عام 2012 -2013 ازدادت هذه التجارة إذ كان الحدود مفتوحة بين روج آفا وباكور وباشور وكان هناك سماسرة بهذا الخصوص حيث يعمل هؤلاء على تزويج نساء من روج آفا إلى باكور والتي تُعتبر نوع من أنواع التجارة والبيع فكان هناك وسيط “سمسار” لتلك العملية اللاقانونية، ما سببت مشاكل كثيرة لاكتشاف تلك الفتيات بأنهنَّ خدعوا حيث روج لهنّ من خلال صورة لرجل آخر أو عن طريق الهاتف فكان الواقع مختلف تماماً لما روج لهن فيجدون هذا الزوج رجل زوجته مريضة وتكون هي مجرد خادمة لهم، أو زوج  معاق أو عجوز أو مشلول…

مما اضطر بعض من تلك النسوة الفرار والعودة إلى روج آفا، وبالنسبة لنا كدار المرأة تلقينا شكاوي عديدة عن تلك الحالات وبدورنا رفعناها إلى الجهات المعنية، حيث تم فيما بعد اعتقال بعض من هؤلاء الذين يمارسون تلك المهنة ومحاكمتهم.

وذكرت مراد: عند سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على شنكال وقعت كارثة إنسانية بحق الشعب الايزيدي والمرأة الايزيدية بشكل خاص، حيث تم بيعها والتمثيل بها واتخذت بحقها أبشع أنوع الانتهاكات.

وفي سياق متصل قالت: عند احتلال تركيا ومرتزقتها مدينة عفرين، شنت هجمات عديدة وخاصة من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية، وباشرت بانتهاكات لحقوق الإنسان، ولم يفرق الاحتلال التركي بين طفلٍ ومسنٍّ وامرأة، وأول الأمثلة على الانحطاط الأخلاقي، هي جريمة الاعتداء بالضرب والتمثيل بجثة المقاتلة البطلة بارين كوباني، إضافة إلى استخدم العنف المتمثل بالقتل والاغتصاب والإتجار بالنساء والاختطاف وزواج القاصرات بالإكراه، بل الأسوأ من ذلك اختطاف نساء الكرد وبيعهن أو تزويجهن بالإكراء للمرتزقة والفصائل المسلحة المدعومة من تركيا، وهذا ما يدل على ارتكاب تركيا إبادة بحق المرأة في عفرين.

وعن كيفية الحد من انتشار الظواهر الشاذة في المجتمع أجابت الإدارية في دار المرأة قائلةً: يجب علينا جميعاً أن نتعاون في توعية المجتمع وتوعية المرأة على وجه الخصوص من السياسات التعسفية، للتغلب على الظواهر السلبية في مجال العلاقات الاجتماعية باعتبارها المربية الأولى، والتعاون مع البنى التربوية الثقافية والاجتماعية، وزادت في حديثها: نحن في دار المرأة تأتينا قضايا كثيرة ومتنوعة منها هروب الفتيات نتيجة عادات وتقاليد بالية يتمسك بها المجتمع كـ “الثأر والزواج القاصر وتعدد الزوجات وزواج البدل وزواج الغصب”، هذا يؤثر بشكل سلبي على الفتيات والنساء مما يضطرهنَّ إلى الهروب من البيت ويلجأنَ إلينا “دار المرأة” وبدورنا نحولهنَّ لدار الحماية إلى أن يأتي الأهل وبالمصالحة بين الطرفين يتم حل هذه المشكلة التي كثرت في هذه الآونة الأخيرة، وبالتنسيق مع جهات معنية بالأمر نعمل على وضع قوانين للحد من بعض العادات والتقاليد التي تم ذكرها سابقاً والتي أثرت بشكل سلبي على المجتمع وباعتبار دار المرأة هي دار للصلح والتوعية والتدريب نحاول جهدنا وبكافة الوسائل بناءَ مجتمعٍ أخلاقي سليم.

وتابعت حديثها: إن ما يحدث في عفرين الآن هو انتهاك للبشرية جمعاء وما يتم حالياً من ترحيل واختطاف نساء من عفرين إلى اعزاز وبيعهن والمتاجرة بهن من قبل مرتزقة الدولة التركية بشتى الوسائل وباتت المنطقة تعيش في رعب حقيقي، لذا علينا نحن كحركة نسائية أن نتعاون ونتكاتف ونرفض هذه الممارسات اللاإنسانية التي يقوم بها الاحتلال بشتى الوسائل وتسجيل هذه الحالات وتوثيقها وتقديمها إلى المنظمات الحقوقية والانسانية لتقديم الفاعلين إلى القضاء وتقديم شكاوى ضدهم وفضح ممارسات الدولة التركية عن طريق الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمسيرات، تنديداً  بأفعالها اللاأخلاقية وتعزيز القيم المجتمعية التي تعد من أهم الركائز التي تُبنى عليها المجتمعات وتُقام عليها الأمم، وهي معايير عامة وضابطة للسلوك البشري الصحيح والقيم الاجتماعية هي الخصائص أو الصفات الحميدة والمرغوب فيها لدى أفراد المجتمع، والتي تحددها ثقافة التسامح والإخاء، كما أن هناك سبل لتعزيزها وبنائها وهناك أمثلة كثيرة والذي وصل إليه الناس في تعاملهم مع بعضهم كالصدق، حيث يظهر آثاره في التعامل بين أفراد المجتمع ابتداء من الأسرة ولا ننسى الحياء الذي يُعد من الضوابط المهمة للسلوك البشري في المجتمع، وهناك التضحية والتعاون والتعاضد والتكافل الاجتماعي وفيه تتكامل ابناء المجتمع في شتى جوانب الحياة مما يقلل ويقلص من منابع الانحراف والانحطاط في المجتمع وأكملت بقولها: نحن كدار المرأة نقول بأن القيم الاجتماعية مهمة جداً لأنها من أقوى ما تُبنى بها المجتمعات ومن أهم الروابط التي تربط بين أفراد المجتمع وتعم الأخوة بينهم ويقوي التماسك هذه القيم هي الضمانة لاستقرار المجتمعات وازدهارها وأن الأمم التي تنهار بداية يكون الانهيار في قيمها وأخلاقها ومبادئها التي تأسست عليها، وكما يقول أمير الشعراء الكردي الأصل أحمد شوقي:

وإنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ …… فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ؛ ذَهَبُوا

ونوَّهت الإدارية في دار المرأة إلى بعض أسباب تراجع القيم في المجتمع: التأثر بالتكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي  وذلك عبر منابره المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة وأيضاً سرعة تطور الحياة، وغلبة المصالح الفردية على المصالح العامة وانعدام الوعي الكافي، واتباع الهوى والشهوات ورفاق السوء.

ولذلك كدار المرأة علينا أن نبني ونعزز القيم الاجتماعية والتنشئة الأسرية الصحيحة بغرس القيم والأخلاق عند الأبناء ويمثل الآباء القدوة الحسنة للطفل والنظام التعليمي المتكامل، كما يتوجب عليهم تأمين حاجات الطفل النفسية والعقلية وذلك من خلال الزيارات المستمرة للأهالي في منازلهم، ولا ننسى دور الإعلام أيضاً المسؤول فعليه أن يجعل القيم ميداناً من ميادينه وهدفاً من أهدافه.

وأشارت بهية مراد إلى أنه: خلال الأزمات والحروب يتم حالات من الزواج القسري المؤقت والمبكر كنوع من المساهمة في الجهاد كما يروج له تجار الحروب فيقومون ببيع ومبادلة النساء والفتيات بين الجماعات المتصارعة كجزء من الاقتصاد السياسي للصراع، أما الاسوأ فهو ما فعله مرتزقة الاحتلال التركي ببيع الفتيات وعرضهن في أسواق الرقيق، وتوزيعهن لقادة داعش ومقاتليه.

وهناك الكثير من الجدل حول قدرة القانون الدولي على منع استخدام العنف ضد النساء في فترة النزاعات والصراعات المسلحة وفي الفترة التي تلي تلك الحروب، قاصراً عن تحقيق تلك الحماية، وموضوع حماية النساء في الوقت الحاضر سواء كان في نطاق القوانين الداخلية أو الدولية يحتل مكاناً واسعاً وبارزاً وإن ما يدل على ذلك هو أنه وبالرغم من أن هذه القواعد أصبحت دولية إلا أن الانتهاكات ازدادت وكثرت بشكل كبير.

اختتمت بهية مراد الإدارية في دار المرأة بمدينة قامشلو حديثها بالقول: إن دار المرأة أعطى أهمية كبيرة لها، كما ويسعى إلى تحريرها من كافة القيود التي عانت منها في المجتمع الذكوري، فمنذ إنشاء الدار قامت بحل الكثير من القضايا ولعبت دوراً فعالاً لحفظ المجتمع والعلاقات الاجتماعية، وأصبحت المرأة اللبِنة الأساسية في تأسيس المجتمع الديمقراطي والإدارة الذاتية الديمقراطية.

اعداد: بارين قامشلو 

زر الذهاب إلى الأعلى