مقالات

الدستور السوري المزعوم شرعية للسلطة دون الشعوب

نجحت ضغوطات القوى الضامنة (روسيا إيران تركيا) في الحصول على موافقة مبدئية لتشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري, وكسب الوقت. لجنةٌ ليست لديها أيَّة رؤى للحل وبعيدة عن تطلعات وآمال جميع المكونات السورية.

هناك قلة قليلة (ما تبقى من النظام والمعارضة) مَن يعتبر أن لجنة صياغة الدستور في المرحلة الحالية وبشكلها الحالي هي خطوة متقدمة وإيجابية باتجاه استعادة السوريين لحقوقهم الشرعية في حكم أنفسهم وإدارة شؤونهم بالشكل الذي يحقق مصالحهم وأهدافهم، وبأن هذه اللجنة المُكلّفة تتفق مع المرحلة التي يرغب السوريون الاحتفاء بها، والعودة إلى القِيَم الحقيقية في الحرية والعدالة والمساواة التي افتقدها السوريون سابقاً؛ بينما يرى مُعظم الأطراف السياسية من بينها القسم الأعظم من مكونات الشعب السوري وثلة من النظام وقسم من المعارضة بأنه إذا كانت مهمة هذه اللجنة هي كتابة الدستور السوري الدائم بحيث يُرضي جميع الأطراف، فإن سير عملها سيتأثر إلى حد كبير بقرارات ورؤى الدول الضامنة، وهذا واضح من خلال طريقة اختيار اللجنة الدستورية وتركيبتها؛ بسبب أنها اختيرت على ضوء قرارات دول لها مآرب. مما سيؤدي إلى خلق أزمات وإشكاليات كبيرة مع وجود مصاعب وتباينات في الآراء ووجهات النظر.

لم تقم اللجنة على أسس الكفاءة التي تطلبها عملية كتابة الدستور حيث يُفترض أن تكون اللجنة التي تضع الدستور مؤلفة من مختصين بالشؤون الدستورية والقانونية وبكفاءة عالية جداً ومن كل الأطراف السورية، وقادرين على اختيار النصوص والعبارات الملائمة وفق الخيار السياسي المزمع اتباعه. ولكن الذي حدث هو أن اختيارها تم على أسس سياسية مرتبطة بالأجندات وبالمحاصصة الطائفية والقومية كأساس لعضوية اللجنة.

إن عدم وجود خيار سياسي وطني محدد ومتفق عليه لمستقبل سوريا فالخيارات ستكون متعددة ومتضاربة، مما يستحيل على اللجنة أن تتمكن من وضع دستور في ظل هذه الخيارات السياسية, بينما التوافق بين أعضائها مستحيل.

ومن المعيقات الأخرى أمام هذه اللجنة الدستورية أن كبار المسؤولين في النظام وثلة من المعارضة هم العمود الفقري للسلطة المطلقة فيه، بل هم مجموعة متنافسين، ومصالحهم مرتبطة بترسيخ نظام الاستبداد يأخذ الواحد منهم نصيبه عند انتهاء مهمته ويمشي ليقف في الصف الخلفي للدفاع عن المجتمع.

إن سوريا اليوم تعيش المرحلة التي أصبح فيها النظام ومؤسساته عاجزة عن وقف مسار التراجع والسقوط في مختلف قطاعات الدولة العامة والخاصة، وأصبحت الدولة تواجه تحديات البقاء. وفي المقابل برز تيار شعبي سوري واعٍ في الحراك ينادي بالتعددية السياسية والتعايش المشترك بين جميع المكونات السورية كقاعدة أساسية  للإصلاح السياسي الجذري الذي يهيئ لعملية الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء المجتمع ومؤسساته وسيادة القانون وفق الأسس التي يقوم عليها المجتمع الديمقراطي. وتبقى مهمة القوى الوطنية اليوم هو التصدي بكل صرامة وجدية للتطلعات الاستبدادية.

زر الذهاب إلى الأعلى