ثقافةمانشيت

زبير زينال: نعايش ثورة ثقافية كردية في كل ميادينها

 عشنا معاناة حقيقة على كل الأصعدة خاصة الصعيد الثقافي لدرجة  كان التحدث باللغة الكردية تُهمة بحدِّ ذاتها يُعاقَبُ عليها الكردي إذا تكلم بها في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وكانت تثير الغضب والشوفينية عند بعض القومجيين في الكثير من المواضع، ولهذا كانت النشاطات الثقافية الكردية تتم بسرية تامة وفي كثير من الأحيان كان المثقفون والسياسيون الكرد يتعرضون للملاحقات الأمنية وللاعتقال، وعلى الرغم من كل السياسات الإقصائية ومحاولة طمس الثقافة الكردية في سوريا لم تنل آلة البعث الشوفينية من إرادة المثقف الكردي أينما كان، وبقي هذا الانسان يحفظ ثقافته كأحاسيسه بداخله أينما حل به الترحال؛ في بلادٍ فقدت كل معايير الانتماء والوطنية؛ فجميع السوريين فُرِض عليهم العيش في بوتقة واحدة وثقافة واحدة هي ثقافة البعث التي لم تؤمن يوماً بالتعدد الثقافي والسياسي والاثني في سوريا، هذه التعددية كانت تميِّز سوريا عن غيرها من البلدان العربية على اعتبار أن سوريا جزء من الوطن العربي.

 لكن وكما يقول المثل “سبحان مُغيِّر الأحوال من حالٍ إلى حال” أي بمقارنة بسيطة بين ما كان عليه الكرد والسريان وحتى العرب قبل الأزمة 2011، وما حدث من تغيُّرات بنيوية بعدها حيث شَهِدت المنطقة  ثورة في كل المَجالات (السياسية والثقافية والفكرية وحتى الاقتصادية) بالرغم من حالة الحرب التي لم تنقطع لِلحظة حيث تعرضت المنطقة لهجمات متكررة من الإرهابيين؛ وكانت آخرها الهجمة الوحشية لتنظيم داعش على قرى ومدن شمال وشرق سوريا، وبعد حملات التحرير التي بدأت من كوباني وهي تنتهي اليوم في ناحية باغوز في الريف الجنوبي الشرقي بدير الزور شمال سوريا؛ لتنتهي هذه الرواية السوداء لتتابع الثورة مسيرتها في المنطقة.

شخصيات ثقافية عديدة تأثرت بهذه الثورة ورأت فيها منفذاً وفضاءً ليعبروا عن كَبْتِ عشرات السنين، ولتكون هذه الثورة بكل ملاحمها الهامٌ فكريٌ ينقلهم من وادٍ إلى سفح جبلٍ لا ينحني.

في هذا العدد كان ضيف صفحتنا الثقافية الاستاذ زبير زينال؛ لنتعرف على مسيرة هذا المثقف الكاتب والمترجم الصاعد والمكتنز بثقافة أدبية منوعة، ربما لم يكن يسعفه الوقت والمناخ العام في تلك الحقبة العصيبة لأن يُملي ما في داخله شعراً أو قصة أو رواية، لكن مع انطلاقة الثورة في روج آفا بدأت صفحة جديدة في حياته الثقافية انطلاقاً من عضويته في اتحاد كتاب الكرد سوريا.

 نص الحوار:

هل لك أن تحدثنا عن مسيرة حياتك؟

زبير زينال  من مواليد قرية توبز1958، درست الابتدائية في القرية وبعد ذلك انتقلت إلى المدينة لأتمم دراستي الإعدادية في مدرسة زكي الأرسوزي، وفي عام 1974انتقلت إلى دمشق للدراسة في دار المعملين في دمشق وفي عام 1974 وبعد أربع سنوات تخرجت من المعهد، لأتعين في عام1978 مُدرِّساً في قرية جامرليه، وأمضيت تسعة وثلاثين عاماً وأربعة أشهر في التدريس، وأنا اليوم متقاعد أمضي كل وقتي في النشاطات والفعاليات الثقافية، وعضوٌ في اتحاد كتاب الكرد ـ سوريا ـ.

هل لك أن تحدثنا  عن المرحلة التي قضيتها في دمشق وكيف تأثرت بها؟

 في دمشق الوضع كان مختلفاً تماماً عن قريتي وعن قامشلو، هناك فسحة أكبر وفضاء أوسع من الناحية الثقافية حيث عشرات المكاتب الضخمة، كنت أمضي وقتي في قراءة ومطالعة الكثير من الكتب، وخلال فترة الدراسة في دمشق تعرَّفت على العديد من الأصدقاء من القنيطرة والسويداء ومن مختلف المناطق السورية عموماً، حيث كان معهد دار المعلمين ينظم رحلات ترفيهية إلى عموم مناطق سوريا وإلى الأردن ولبنان، حقيقة كانت هناك مفارقات كبيرة بين دمشق العاصمة وبين المناطق الأخرى من سوريا.

وفي دمشق كنا نزور بعض العوائل الكردية؛ أتذكر شخصاً كان يُدعى أبو جنكو؛ كان شخصية وطنية بارزة في دمشق، ومنزله كان يعج بالطلاب والزُّوار القادمين من الجزيرة، إضافة إلى ذلك كان منزله بمثابة مركز لتعليم اللغة الكردية، بالطبع تأثرت  كثيراً به كما تأثر به  الكثير من الطلبة الكرد حتى كان له الفضل في تعلم الكثير للغة الكردية.

لحسن حظي جاء فرزي أثناء الخدمة العسكرية إلى ــ مكتبة مدرسة عسكرية ــ وخلال سنوات الخدمة الإلزامية طالعتُ الكثير من الكتب؛ بالطبع كنت أميل لقراءة الكتب الأدبية من شعرٍ وقصة ومسرح (عمر أبو ريشة ونزار قباني وتوفيق الحكيم، طه حسين) كنت متأثراً كثيراً بمؤلفات المنفلوطي.

 وماذا عن الجانب السياسي؟

حقيقة أنا كنت بعيداً عن السياسة، أحياناً كنت أقرأ بعض المطبوعات التي كانت تصدرها بعض الأحزاب الكردية، لكنني لم أكن ميَّالاً للسياسة وللأحزاب عموماً.

وماذا عن اللغة الكردية؟؟ وكيف تًقيِّم الواقع الثقافي في روج آفا وشمال وشرق سوريا؟؟

حقيقة لم تسنح لي الفرصة بتعلم اللغة الكردية في تلك الفترة كما إن اللغة العربية كانت هي اللغة الرسمية، ومعظم الكتب التي كنت أطالعها كانت باللغة العربية، ولهذه الأسباب مجتمعة والتي كانت عوائق كبيرة تعترضنا؛  تعلمت اللغة الكردية كتابة وقراءة في مرحلة متأخرة، أي قبل الأزمة في سوريا بعامين تقريباً، لكن وخلال فترة قصيرة جداً ونتيجةَ رغبتي الشديدة لتعلم اللغة الأم بذلتُ جهداً ذاتياً كبيراً حتى تمكنتُ من اتقان اللغة الكردية كتابة وقراءة، بالطبع ومع بدء الأزمة وبعد أن بدأت الثورة في روج آفا أصبح هناك فضاء شاسع من الحرية الفكرية والثقافية، حقيقة يمكن القول بأن ما نشهده في روج آفا وشمال وشرق سوريا عموماً من ثورة على الصعيد الثقافي والفكري يعتبر انجاز في تاريخ المنطقة وسوريا عموماً، العشرات من المراكز الثقافية المتنوعة إضافة للأمسيات الأدبية والفنية والمهرجانات السينمائية والمسرحية والأدبية التي تُقام بشكلٍ دوري ومنظم في مدننا، إلى جانب ذلك هناك اهتمام كبير بالمدارس والمعاهد والجامعات والتعليم عموماً.

تأثرتُ كغيري من أبناء هذا البلد بما تحقق من مكاسب، وبما قُدِّمَ من تضحيات جِسام، وهذا ما دفعني لأن أغوص في خضم هذه الثورة التي نعايشها بعواطفنا وأحاسيسنا وأقلامنا، من هنا تعلقت كثيراً باللغة الكردية وبدأتُ أكتب المقالات للصحف، وأول مقالة نشرت لي  كانت في صحيفة بوير، وعملت كمذيع ومقدم برنامج للأطفال في الإذاعة نفسها أيضاً.

بالنسبة للترجمة بدأت بترجمات بسيطة ومن ثم بقراءة الكتب باللغة الكردية وشيئاً فشيئاً تعلقت بالترجمة وهذه كانت فكرة بدأت بخطوات بسيطة وبعد ذلك بدأت بترجمة قصة” جكرخوين” للكاتب مناف عثمان، كما ترجمت نص مسرحي للكاتب عبدالرحمن سيد عيسى،  والسبب في اختياري لهذين الكاتبين هو مدى تأثري بمؤلفاتهم، بالطبع ترجمت هذين المؤلفين من اللغة العربية إلى اللغة الكردية وكانت أول تجربة لي في هذا المضمار.

 ماذا تحدثنا في الختام:

 حقيقة أود القول بأننا نعيش اليوم ثورة ثقافية وتحققت الكثير من المكتسبات والتطلعات والآمال بفضل دماء شهدائنا، حقيقة في كل شبر على هذا التراب هناك ملحمة وبطولة، وعلى المثقفين أن يكونوا على قدر هذه التضحيات التي قُدِّمت لأن هذه الثورة تمثل مرحلة تاريخية عظيمة بالنسبة لنا جميعاً.

اعداد: دلناز دلي

زر الذهاب إلى الأعلى