المجتمع

حياة المهجر – خيبة تطغى على الآمال

تقرير: حسينة عنتر

لطالما دغدغ حلمُ الهجرة إلى أوروبا والدول الأجنبية مشاعر أغلبية المواطنين وخاصة مواطنو روج آفا؛ الذين تصوروها ملاذاً آمناً وملجأً للاستقرار والعيش الرغيد حيث يتم تأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم.

دوافعُ عديدة تكمن وراء رغبة الإنسان في الانتقال من مكان لآخر، لأنه يخوض حياةً لا تحقق كل احتياجاته الأساسية بحسب اعتقاده، فتجده أحياناً يبرّر ذلك رغبةً في تحسين وضعه الاقتصادي وتحقيق أحلام رسمها لنفسه ولأسرته، أو لشعور البعض بعدم احترام حقوقه داخل المجتمع الذي كان يعيش فيه. إلا أن الكثير من أحلامهم وآمالهم تلك تحطّمت منذ اللحظات الأولى، واصطدمت  بالحياة الجديدة في المجتمع الجديد، حيث لا العادات ولا التقاليد ولا الأعراف تتشابه لتبدأ الأمراض الاجتماعية تنخر داخل الأُسر المهاجرة، في محاولة لتفكيك الأُسر وهدم البيوت العامرة.

موضوعنا اليوم هو حالات الطلاق التي تشهدها العائلات المهاجرة، نظراً لاستفحال هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة وبشكل غير مسبوق؛ وفي ظاهرة غير معروفة الأسباب.

وحرصاً منها ولأهميتها الاجتماعية ارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي القيام باستطلاع بعض الآراء حول عمّا يُشاع عن تكرار واستفحال هذه الظاهرة، وبعد الاستطلاع والاستبيان نقدم للأعزاء القراء بعضاً من الآراء الموضحة من قبل بعض المهاجرين:

عبد السلام علي مهاجر- بريطانيا

مما لا شك فيه أن المشاكلَ التي تحدث في بلاد المهجر، وحالات الطلاق والخلافات بشكلٍ عام هي بسبب التناقض الذي يعيشه اللاجئ في حياته الأسرية والاجتماعية، وما لاحظه من تمايز واضح لما كان يعيشه والاختلاف الكبير في العيش بهذه المجتمعات الغربية المتحضرة. فمثلاً يتعرّض الرجل لشتى أنواع الضغط والمسؤولية تجاه نفسه وعائلته قبل الزواج وبعده، لأن العاملَ الاقتصادي لدى الأسر الشرق أوسطية اعتمدَ بالدرجة الأولى على الرجل، فهو يكافح ويتعبُ ويشقى لتأمين قوت عائلته من مأكل ومشرب وكساء، بينما المرأة في مجتمعنا طبعاً مالها سوى تدبير شؤون المنزل من تربيةٍ للأطفال وتحضير الطعام للأسرة والتنظيف وتنفيذ أوامر الرجل، فهي ربّة منزل بامتياز، وإن كان هذا الأخير (الرجل) هو الأب و الأخ والزوج هكذا تربينا، المرأة والرجل على حد سواء نظرياً، ففي ظل هذا التطور التكنولوجي من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والمقروء نستنتج بأنّ المرأة أخذت فكرة معينة حول التعامل الذي تتعرض له من قبل الرجل، وتوضحت لديها تلك الفكرة جلياً عندما شاهدت المرأة الأوربية من حيث أزيائها ونمط حياتها وممارستها لكافة حقوقها  دون النظر إلى ظروف كل مجتمع على حدى، وإن كانت المرأة الشرقية ومنها المرأة الكردية قد تعرضت لظلم الرجل بشكل قاسٍ، ولا ننسى أن نظرةَ مجتمعنا للمرأة المطلقة نظرةٌ سلبية؛ فتفضل على أن تبقى تحت ظلم الرجل خيرٌ من اسم المطلقة، ولكن سرعان ما يتم العكس عند وصولها أرض أوروبا أرض الأحلام كما يعتقد هؤلاء المهاجرين، دولة القانون والحقوق والحريات تبدأ بالثورة، وترفض أن تستمر في تقبل تلك المعاملة التي تتلقاها في بلدها الأصلي، فيحصل تصادم؛ فتنتهي العلاقة غالباً بالطلاق ليسير كل منهما في طريق والضحية دائماً هم الأطفال. فنصيحتي للمرأة المهاجرة هي التحلي بالصبر والعمل على بثّ روح المحبة والتفاهم بينها وبين زوجها حول الوضع الجديد، والتلاؤم معه قدر الإمكان، ولا تكون عرضة لمغريات الدول الأوربية لعل وعسى أن تعود المياه إلى مجاريها وتبقى الأسرة متماسكة محافظة متحابة، واستبعاد فكرة الطلاق لأنه أبغض الحلال. وأغلب اللواتي انفصلن عن أزواجهن حسب ما نقرأ ونسمع لسن سعيدات كما توقعن لأنها سعادة مؤقته ومزيفة.

مهندس من قامشلو

أب لخمسة أولاد، ابنة وأربعة صبيان. يتحدث لصحيفتنا: سافرتُ في بداية الأزمة إلى ألمانيا؛ جنة الدنيا كما كنت أراها ويراها غيري، ومرت الأيام والسنواتُ وبدأت الخلافات والنزاعات، الأم غير مبالية مع أنها مهندسة أيضاً هذا لا يغير من الواقع الذي اخترناه نحن بأنفسنا. ويتابع بقلب محروق: عدت منذ أسابيع إلى قامشلو مع زوجتي وأولادي الصغار، تركت ابنتي وابني الذين بلغوا السن القانوني، والآن أنا على خلاف مع زوجتي التي توّد العودة إلى ألمانيا، وأما أنا فقررت البقاءَ في بلدي لأنني على يقين تام بأنني إذا عدت فسوف أفقد أولادي وأفقد شخصيتي التي طالما كنت أقدرها. كل هذا بسبب الإمكانات التي يوفرونها للمرأة، وخاصة المتزوجة من توفير حساب لها في البنك مستقًلٍ عن حساب زوجها، فتشعر باستقلاليتها المادية، إضافة إلى رؤيتها لحياة أفضل مما كانت تعيشه في بلدها، وكيف يعاون الرجل زوجته بكل مسؤوليات الحياة والأطفال والبيت، مما يجعلها أكثر جرأة على محاسبة زوجها وتكليفه بمسؤوليات أكبر. وهذا ما خلق نوعاً من تمرد النساء وإقامة ثورة على أزواجهن في الغربة، طالما كان الأمر مغايراً في الوطن. فتمنيت أن أصرخ في وجه أحد أبنائي طيلة السنوات الأربعة التي عشتها في بلاد المهجر، هذا من أبسط الأمور كـ: رب أسرة وهي ترفض، وأنا أعاند، ومازال الخلاف قائماً عسى الله يهديها وتعود الأمور كما كانت. لا أريد أن يصل الأمر بنا إلى الطلاق.

عبد الرحمن تل معروفي من سويسرا:

لاشك أنّ الله سبحانه وتعالى سنّ الشرائعَ لعباده، وإنما شرع عليهم ذلك لما فيه صالحهم وخيرهم، وقد أحلّ الله تعالى الطلاقَ بعد الزواج ليكون حلاً يلجأ إليه الأزواج إن رأوا تعذرَ استمرار الحياة الزوجية بينهما…..ولكن بالمقابل هناك فوارق جوهرية بين مجتمع ومجتمع آخر من حيث عادات الزواج والطلاق، ففي المجتمع الأوربي لا مقارنة مع عادتنا وتقاليدنا، وحتى قوانين دولهم تجاوزت مرحلة تكوين الأسرة.

أما بالنسبة للمرأة الكردية في مجتمعنا فمعروف على مستوى جميع المكونات السورية بأنها تشارك الرجلَ في جميع مجالات الحياة منذ زمن بعيد، فهي فلاحة وعاملة وطبيبة ومهندسة، وفي الآونة الأخيرة فرضت المرأة الكردية وجدها على مستوى العالم من خلال الانخراط في الحياة السياسية والثقافية والعسكرية  مع بروز دور المقاتلات الكرد اللواتي شاركن الرجال في ساحات القتال والدفاع عن أرضها ووطنها بكل بسالة متحولة إلى شريكة حقيقية في بناء المجتمع. ولا يخفى على أحد أن المرأة الكردية أسيرةٌ لكثير من العادات والتقاليد البالية المكتسبة نتيجة الاضطهاد القومي والمشاريع العنصرية التي طبقت بحق الكرد، وحرمان المرأة في مجتمعنا من أبسط حقوقها أثناء حكومات متعاقبة.

 إبان الثورة السورية من الطبيعي هناك نزوح إلى المناطق الآمنة ودول الجوار والدول الأوربية وحتى أمريكا، وحدثت حالات طلاق باعتقادي هو شيء عادي كما كان يحصل في الوطن، ولكن في أوربا يحصل الطلاق بشكل أيسر بحكم قوانينها لعدة أسباب، أهمها ربما أنها لم تختر شريك حياتها بإرادتها بل أجبرتها عائلتها على الزواج، لذلك فهي تنتظر الفرصة المناسبة لتطلب الانفصال وتبدأ حياتها من جديد، فمجيؤها إلى أوربا فرصة ذهبية بالنسبة لها، وكذلك عند حدوث حالات عدم التفاهم في كثير من الأمور فالمرأة بشكل عام من أي وسط كانت كردية أفريقية أو تركية في أوربا تميل إلى الطلاق وفك الارتباط مع المجتمع الذكوري بشكل كامل، بسبب الاستقلال الاقتصادي وتوفير جميع مستلزمات الحياة والطبابة المجانية والرعاية  وحماية حقوقها بشكل تام، وبالتالي لم يعد يربطهن بأزواجهن أي أمر آخر، أقصد لا تحتاج إلى رجل ليعيلها.

كما ويحدث الطلاق أحياناً بسبب شذوذ جنسي ولكن بنسبة ضئيلة جداً، وخاصة المرأة الكردية لكونها محافظة بحكم الدين أو العشيرة ومسألة الشرف.

زر الذهاب إلى الأعلى