حوارات

حوار في قضايا كُردستانية استراتيجية

ahmed xelilمن هو الدكتور أحمد الخليل؟

أحمد محمود الخليل، ولد سنة 1945 في قرية Kurzêl، بمنطقة عَفرين، حاصل على دكتوراه في النقد الأدبي العربي، أستاذ جامعي متقاعد، له 15 كتاباً منشوراً في موضوعات كُردية أبرزها تاريخ الكُرد، و14 كتاباً في موضوعات الأدب العربي.

نرحّب بالدكتور أحمد في هذا الحوار، ونبدأ بسؤالنا الأول:

السؤال 1 – تخصّصك الأكاديمي هو في النقد الأدبي، لكن معظم كتاباتك هي في التاريخ الكُردي، ما تفسير ذلك؟

الجواب 1 – منذ عهد الشباب انجذبت إلى التاريخ مع الأدب، وفي سنة 1994 اعتقلني الأمن السوري في حلب، وضُربت وأُهنت، فكان ذلك الحدث بداية صحوتي القومية، واستردادِ هويتي الكُردستانية، ومع هذه الصّحوة نشأ اهتمامي بالتاريخ الكُردي.

السؤال 2 – لماذا التاريخ الكُردي، وليس الأدب الكُردي؟

الجواب 2 – خلال اطّلاعي على تواريخ الأمم، لاحظت أن علم التاريخ هو الذي يكوّن ذاكرة الأمّة، وهو من أهم أركان الهوية القومية، التاريخ هو الجذور، وبقدر ما يعرف الكُردي جذوره، يصبح أكثر وعياً لهويّته الكُردستانية، ومن ثَمّ أكثر قدرة على الدفاع عنها، لذا بدأت بالتركيز على التاريخ الكُردي، وإذا مدّ الله في العمر فلي عودة إلى الأدب الكُردي أيضاً.

السؤال 3 – ما هو انطباعك عن تاريخ الكُرد؟

الجواب 3 – الأمّة الكُردية ذات تاريخ عريق، وكُردستان هي مهد بواكير الحضارة. إن السُّومريين الذين أقاموا أوّل الدول في غرب آسيا هم من سكّان جبال زاغروس الكُردستانية، وتُعَدّ الحضارة السومرية وحضارة أقربائهم السُّوباريين والحُوريين (هُوري) مصدراً لمعظم المكوّنات الحضارية في غربي آسيا، ما أقوله ليس كلاماً بلا رصيد علمي، فقد ذكرت عشرات الأدلّة على ذلك في كتبي ودراساتي المنشورة.

السؤال 4 – لكن مع ذلك بقي الكُرد إلى الآن بلا دولة؟ تُرى لماذا؟

الجواب 4 – ناقشت هذه الظّاهرة في دراسات عديدة، وخاصّة في كتاب (الشّخصيّة الكُردية)، وفي كتاب (كُردستان أوّلاً)، والأسباب عديدة، منها أن الكُرد، منذ سقوط مملكة أسلافهم الميد في قبضة الفرس سنة 550 قبل الميلاد، ابتُلوا بإمبراطوريات ذات أهداف توسّعية، أوّلها المشروع الفارسي، ثمّ المشروع الروماني، ثم المشروع البيزنطي (الرومي)، ثم مشروع دولة الخلافة، ثم المشروع السَّلجوقي، ثم المشروع العثماني.

سياسات هذه الامبراطوريات شرذمت الكُرد ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وفرّغت الذاكرة الكُردية من هويّتها القومية الوطنية، ووظّفت طاقات الكُرد لخدمة أهدافها، وتفاعلت هذه العوامل عبر القرون مع الصّفات السّلبية التي رسّختها سيكولوجيا الجبال في الشّخصية الكُردية (منها الفرديةُ المُفرطة إلى درجة الأنانية، ورفضُ الخضوع لسلطة مركزية كُردية)، فكانت النتيجة وصولَ الكُرد إلى القرن العشرين محرومين من دولتهم الخاصّة التي تحميهم، وتمكّنهم من أين يكون لهم مكانهم الطبيعي بين الأمم.

السؤال 5 – ما رأيك في الواقع الكُردستاني المعاصر؟

الجواب 5 – بدايةً أنحني بإجلال لبطولات الثوّار الكُرد الذين أشعلوا الثورات عبر التاريخ، أنحني إجلالاً لعظمائنا الشهداء والقادة والمقاتلين، بفضل تضحياتهم عبرنا إلى القرن العشرين كأمّة، والآن ثمّة تقدّم جيّد في جنوب كُردستان، وشمال كُردستان، وغرب كُردستان، ونأمل أن يتحقّق التقدّم ذاته في شرق كُردستان أيضاً.

يوماً بعد يوم يصبح الكُرد أكثر إدراكاً لهويّتهم الكُردستانية، إن تابوهات المحتلّين سقطت، وأصبحت القضية الكُردية تحت الضوء إقليمياً وعالمياً، وخاصة بفضل البطولات المجيدة التي أصبحت حديث العالم، حتّى إن بعض المقاتلين من مختلف دول العالم ينضمّون إلى الكرد للقتال ضدّ العصابات الإرهابية في الجنوب والغرب، وهذا ما كان يخطر على البال، وهو يُغضب المحتلّين كثيراً، فقد حرص المحتلّون دائماً على وأد القضية الكُردية، وإنكار وجود الأمّة الكُردية، لكن هيهات! سقط القناع، والمارد الكُردي لن يعود إلى القمقم الاحتلالي.

السؤال 6 – هذا عن الجانب الإيجابي، وماذا عن السّلبيات؟

الجواب 6 – عهود الاحتلالات أنتجت الكثير من السّلبيات، وللأسف هي كثيرة، منها ضعفُ الوعي بالهوية الكُردستانية عند بعض الكُرد، وغلبةُ الانتماء القَبَلي والديني والمذهبي والمناطقي والحزبوي على الانتماء الكُردستاني، إلى درجة أن بعض الكُرد يتقبّلون العمل مرتزقة (جاش) عند المحتلّين ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ وهذا الظاهرة مخيفة، والأخطر أن بعضهم يجاهر بها، ويرى أنه على صواب.

السؤال 7 – كيف يمكن التغلّب على هذه السلبيات؟

الجواب 7 – العِلم هو الحلّ، العِلم ينتج المعرفة، والمعرفة تُنتج الوعي، والوعي يُنتج الرؤية الصائبة والإرادة الصلبة، وعلى المثقّفين الكُرد واجب مهمّ في هذا المجال، وعلى الأحزاب الكُردية تمكينهم من ذلك، ينبغي التعامل مع المثقف الكُردي على أنه مُلك لكُردستان وليس ملكاً لحزب، وبالمقابل على المثقّف أن يكون كُردستانياً، يمارس النقد الذي يطوّر ويوحّد، ويتجنّب الكتابات التي تزرع الأحقاد وتزيد الصراعات.

السؤال 8 – كيف ترى مستقبل الكُرد على ضوء الصراعات الإقليمية؟

الجواب 8 – الآن في الشّرق الأوسط ثلاثة مشاريع متصارعة: المشروع الفارسي، والمشروع العربي، والمشروع التركي، والموقع الجيوسياسي للبلدان الواقعة على السّواحل الشرقية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسّط مهمّة لهذه المشاريع، وعلى ضوء ذلك يتّضح جوهر الصراعات الجارية الآن في سوريا ولبنان، وفي تونس وليبيا ومصر أيضاً، ولا ننس أن العراق هو بوّابة إيران إلى سوريا ولبنان.

 وصحيح أن ثمّة تقارباً بدرجة ما بين المشروعين العربي والتركي في مواجهة المشروع الفارسي، لكن بقدر ما ستسير تركيا بقيادة أردوغان نحو الانفراد بزعامة العالم الإسلامي، سيتعمّق الصراع بين المشروعين التركي والعربي؛ لأن دول الخليج- باستثناء دولة قَطر- لن تقبل بأن تختطف تركيا زعامةَ العالم الإسلامي، وتسخّرَ تلك الزعامة كي تصبح قوة عظمى على الصعيد العالمي.

السؤال 9 – كيف يجب أن يتعامل الكُرد مع هذه المشاريع؟

الجواب 9 – الصّراع بين هذه المشاريع سيكون طويلاً، وقد يستغرق النّصف الأول من هذا القرن، وموقع كُردستان الجيوسياسي مهمّ لهذه المشاريع، وسيحاول كل فريق أن يجرّ الكُرد إلى جانبه، وسيكون للانتماء المذهبي دورٌ في ذلك، وسبق أن وقع الكُرد في فخّ الاصطفاف المذهبي أيام الصّراع الصَّفوي- العثماني، وينبغي عدم تَكرار الخطأ، على الكُرد تقديمُ الانتماء الكُردستاني على الانتماء الديني والمذهبي، وتطويرُ مشروعهم التّحرري الكُردستاني، والإفادةُ من التّناقضات القائمة بين تلك المشاريع، والتّعاملُ مع كل فريق بما يخدم المصلحة الكُردستانية العليا.

السؤال 10 – ما تقييمك لهذه المشاريع على ضوء المصلحة الكُردستانية العليا؟

الجواب 10 – أرى أن المشروع العربي الخليجي أقرب إلى مصلحة الكُرد، إن قادة المشروع الخليجي سيكونون- بالتدريج- أكثر تقبّلاً لتأسيس دولة كُردستان، خاصة أنّ ثمّة توجّهاً خليجياً جديداً بدأ بالتّبلور، وهو يتمثّل في الابتعاد عن الفكر القومي الشوفيني الوافد من دول الاستعراب، والابتعاد عن الفكر السَّلفي- الإخواني المتطرّف، وسينعكس هذا التوجّه الجديد إيجابياً على سياسات دول الخليج، وأرى أن المشروعين الفارسي والتركي هما الأخطر على مصلحة الكُرد.

السؤال 11 – ما الأساس الذي تبني عليه هذه الرؤية؟

الجواب 11 – أنطلق من الحقيقة الجيوسياسية التالية: تركيا تحتلّ الجزء الكُردستاني الأكبر، وتليها إيران، وهاتان الدولتان هما الأكثر تضرّراً من تأسيس دولة كُردستان، لذا فمن الطبيعي أن يكونا أكثر عداوة للكُرد. أمّا دول الخليج العربية فهي لا تحتلّ أيَّ جزء من كُردستان، ولذلك لا يوجد أيّ مبرّر واقعي لوجود صراع خليجي- كُردي لا الآن ولا في المستقبل.

السؤال 12 – لكن العراق وسوريا أيضاً تحتّلان جزءاً من كُردستان، وهما عضوان في جامعة الدول العربية، ودول الخليج متضامنة معهما.

الجواب 12 – الانتماء إلى جامعة الدول العربية، بالمعنى القومي الذي ساد في ستينيات وسبعينات وثمانينيات القرن الماضي، انحسر كثيراً، وأنا شخصياً أميّز – ثقافياً وسياسياً- بين دول الخليج العربي ودول الاستعراب كالعراق وسوريا، وإن لدول الخليج مصالحها الاستراتيجية الخاصة بها، وإن عضويتها في جامعة الدول العربية لا يعني أنها ستضحّي بمصالحها كُرمى للعراق وسوريا.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن جنوب كُردستان هو الآن شبه مستقلّ، ولو كنت عربياً خليجياً لساعدت الكُرد في العراق على الاستقلال؛ لأن العراق أصبح في قبضة المشروع الفارسي، وإن استقلال جنوب كُردستان سيمهّد لاستقلال العرب السنّة أيضاً، وبذلك لن يشكّل العراق تهديداً لدول الخليج عامّة ولدولة الكويت خاصّة. وإن الوضع في سوريا مشابه إلى حدّ كبير للوضع في العراق.

السؤال 13 – ما قراءتك للثورة ضدّ النظام البعثي في سوريا؟

الجواب 13 – في البداية كانت الثورة جماهيرية حقيقية ضدّ النظام البعثي الفاشي، وكان من الطبيعي أن يتفاعل الكُرد بمختلف أطيافهم معها، باعتبار أنهم أكثر من ذاق مرارة السياسات الشوفينية الفاشية البعثية.

 لكن حينما ظهر العَلم التركي خفّاقاً في أيدي بعض المتظاهرين في حمص، وتعالت صرخات (تكبير) في المظاهرات، وسيطر الإسلاميون على الشارع السوري، وظهرت الأسماء الإسلامية في عناوين الجماعات المتخفّية باسم (الثوّار/الجيش الحر)، ثم ظهرت جماعات إسلامية تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، ولتنظيم (داعش) الإرهابي، وتلقّت الدعم اللوجستي من جهات إقليمية معادية لمشروع تحرير كُردستان؛ مع هذه التحوّلات لم يعد هناك شيء اسمه (ثورة)، وإنما هناك صراع على سوريا في إطار صراع سنّي- شيعي أشمل وأخطر، ولا مصلحة للكُرد عموماً في خوض صراعات مذهبية، إن الاصطفافات الدينية والمذهبية مضرّة جداً بمشروع تحرير كُردستان.

السؤال 14 – ما هي قراءتك لمستقبل سوريا على ضوء الأحداث الجارية؟

الجواب 14 – ينبغي أن نكون واقعيين، فالصراع في سوريا لن يستمرّ إلى الأبد، ولا بدّ من الوصول إلى حلّ ما وبكيفية ما وفي مرحلة ما ليست بعيدة، فالجهات الراعية لهذا الصراع تعبت، ووصلت إلى قناعة تامّة من أنه لا يمكن حسم الصراع عسكرياً، وهي ليست مستعدّة لأن تستمرّ في تبديد أموالها لإبقاء نيران الصراع مشتعلة، ولكل منها مشاكلها الداخلية، بل إن أزلامهم في هذا الطرف المتصارع وذاك صاروا يصرّحون بين حين وآخر بأن الحلّ سياسي.

السؤال 15 – كيف يمكن أن يكون الحلّ؟

الجواب 15 ؟ هناك ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: تقسيم سوريا بين السُّنّة والعلويين والكُرد، وهذا الاحتمال مُستبعَد حالياً، لأنه سيؤدّي إلى أوضاع مماثلة في بلدان شرق أوسطية أخرى، ومنها تركيا وإيران، وإن القوى الدولية الكبرى أيضاً غير متحمّسة لهكذا سيناريو، فأمريكا وحلفاؤها، وكذلك الروس ليسوا مستعدّين الآن للتعامل مع نتائج الصراعات التي ستنجم عن سقوط الكيانات السياسية التي أرستها اتفاقية سايكس- بيكو، وهم الآن يخوضون حرباً عالمية ضد الإرهاب الإسلاموي، وإن تقسيم دول جديدة في الشرق الأوسط سيضعهم أمام تعقيدات إضافية، وسيمنح التنظيمات الإرهابية قدرة أكبر على المناورة.

والاحتمال الثاني: هو النموذج العراقي، أقصد إجبار العلويين والسنّة والكُرد في سوريا على تقاسم السلطة والثقافة والثروة، من خلال حكم لامركزي، سواء في صيغة (فدرالية) أو أيّة صيغة أخرى مشابهة (إدارة ذاتية، حكم ذاتي، إلخ)، وبطبيعة الحال لن تكون تركيا وحلفاؤها الإقليميون وأتباعهم في سوريا راضين بهذا الحلّ؛ لأن أكثر ما يهمّ هذا الفريق هو عدم ظهور أيّ كيان كُردي في سوريا له قدر ما من الاستقلالية، وله قدر ما من النفوذ في صناعة القرار السوري.

والاحتمال الثالث: هو إجبار الطرفين السُّنّي والعلوي على التوافق بشأن تقاسم السلطة والثقافة والثروة في سوريا، ومنحُ الكُرد حقَّ (الإدارة المحلّية) فقط، من غير اعتراف بالكُرد كقومية ثانية؛ لأن ذلك سيعني ضمناً وجود جزء من كُردستان في سوريا، وهذا بالنسبة لتركيا، وإيران، والنظام البعثي، والمعارضة البعث- إسلامية، خطّ أحمر.

السؤال 16 – أيّ الاحتمالات برأيك هو الأقوى؟

الجواب 16 – يبدو أن الاحتمال الثالث هو الأقوى، وعرّابه هو تركيا، ولهذا الغرض أجرت تركيا تحوّلات سياسية مفاجئة؛ فتصالحت مع إسرائيل وروسيا، وتسعى إلى فتح قنوات تواصل مع مصر والنظام في سوريا، وهي ستسعى إلى تحقيق توافق إيراني- سعودي على هذا الحلّ، وقد يشمل ذلك التوافق موضوع الحرب السعودية- اليمنية.

ولا ننسَ أن النظام البعثي والمعارضة البعث- إسلامية متفقان ضمناً ضد حقوق الكُرد القومية، ولعلكم تذكرون وصفة (بانادول) التي وصفها رجل النظام بشّار الجعفري للكُرد، وتذكرون أيضاً التصريحات الشوفينية المسعورة التي أطلقها بعض زعماء المعارضة البعث- إسلامية ضد الكُرد، وفي مقدّمتهم العميد أسعد الزُّعبي.

السؤال 17 – لكن موضوع الصراع على سوريا أصبح صراعاً أمريكياً روسياً أيضاً، فماذا عن الموقف الأمريكي والروسي؟

الجواب 17 – صحيح، هذه إشكالية، فروسيا تدعم النظام ضد المعارضة، وأمريكا تدعم الكرد ضد التنظيم الإرهابي (داعش)، وأقامت مطارين في غرب كردستان، وهذا في حدّ ذاته أمر غريب حقاً، تُرى هل أقامت هذين المطارين فقط للحرب على داعش؟ وستفكّكهما بمجرّد القضاء على (داعش) في سوريا والعراق؟ أم أنهما نواة لقاعدة عسكرية أكبر في غرب كُردستان، تكون بديلاً في المستقبل عن قاعدة إنجيرليك في تركيا؟ وخاصة أن العلاقات الأمريكية- التركية ساءت منذ أن رفض البرلمان التركي الموافقة على مرور القوات الأمريكية عبر تركيا للإطاحة بنظام صدّام حسين، وهي ستزداد سوءاً كلما أحكم (حزب العدالة والتنمية) الإسلامي قبضته على تركيا.

 وعموماً، ستسعى تركيا وحلفاؤها الإقليميون إلى إقناع أمريكا وروسيا بالحلّ الثالث، لقاء التعاون معهما في الحرب على (الإرهاب)، وتحقيقِ مصالحهما الأخرى في الشرق الأوسط، وهي مصالح ضخمة واستراتيجية، ولا أظن أن أمريكا وروسيا ستضحّيان بمصالحهما مع تركيا وإيران ودول الخليج كُرمى لحقوق الكُرد القومية، وعلينا أن نأخذ بالحسبان أن الصداقة- حسب مفهوم القوى الكبرى- هي (صداقة المصالح) لا (صداقة المشاعر)، وليست هذه هي المرة الأولى التي قدّمت فيها القوى الكبرى مصالحَها على مصالح الكُرد، ولم تعبأ بما حلّ بهم من كوارث.

السؤال 18 – تُرى ما عواقب الاحتمال الثالث على الكُرد؟

الجواب 18- الأحلام شيء والحقائق شيء آخر، وفي مقدّمة هذه الحقائق أن الكُرد في غرب كُردستان يحملون إلى الآن جنسية (عربي سوري)، وأن سوريا بحدودها الحالية هي دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة، وفي جامعة الدول العربية، وفي منظّمة المؤتمر الإسلامي، وفي غيرها من المنظّمات الدولية، وبناء على ذلك للدولة السورية  الحقُّ الكامل في أن تفرض سلطتها على كامل الجغرافيا السورية.

وهذا يعني أن نظام الحكم الذي سيتمّ التوافق عليه في سوريا، وفقَ الاحتمال الثالث، سيكون من حقه الشطبُ على معظم الإنجازات القومية التي حقّقها الكُرد في غرب كُردستان، والتعاملُ مع الكُرد على أنهم (مواطنون سوريون) لا غير، وأن لهم (المواطنة) فقط، ومنها حقُّ (الإدارة المحلية)، وبطبيعة الحال سيتمّ التوافق على دستور جديد يكون غطاء شرعياً لتبرير الإجراءات التي ستتّخذها الدولة السورية ضد كل كُردي يطالب بالحقوق القومية، ولا ننس أن الأرضية الثقافية والسياسية في سوريا مهيَّأة لأن توافق أكثرية المكوّنات السورية- عدا الكُرد- على هكذا دستور.

السؤال 19 – لمواجهة هذه المخاطر المحتملة ماذا على الكُرد أن يعملوا؟

الجواب19 – صراعاتنا الداخلية هي أقوى سلاح نضعه- نحن الكُرد- في أيدي المحتلين، والمؤسف أن هذا الطابع هو السّائد في أجزاء كُردستان الأربعة، وهذه الصراعات أخطر عامل من عوامل عرقلة تحرير كُردستان. لذا ينبغي على أحزاب غرب كُردستان أن تُسرع إلى طيّ خلافاتها، والاتفاق على مشروع الفيدرلة في إطار دولة سوريا، كي يكون لنا الحق في الحفاظ على هويتنا، وحكمِ أنفسنا بأنفسنا، واستثمارِ مواردنا، وتطويرِ ثقافتنا، وحمايةِ شعبنا من السياسات الشوفينية.

السؤال 20 – هل تريدون إضافة شيء آخر؟

الجواب 20 – على أحزاب غرب كُردستان إيقافُ الحملات الإعلامية المتبادلة، وفتحُ قنوات التواصل فيما بينها، وحبّذا أن يتطوّع طرف ثالث لتقريب وجهات النظر بينها، وأعتقد أن الأحزاب الكُردستانية الكبرى (PDK و YNKو PKK)، هي الأقدر على القيام بهذا الدور، وكي تقوم بهذا الدور عليها إنهاءُ خلافاتها فيما بينها أوّلاً.

أجل، على حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مراجعةُ سياساته، وعلى الأحزاب الكردية في (المجلس الوطني الكردي) ANKS، وبقية الأحزاب الكردية، مراجعةُ سياساتها، وأذكّر الجميع بضرورة التوحّد في إطار (جبهة كُردستانية)، وتشكيلِ (قيادة عليا مشتركة)، للتعامل مع الوضع في سوريا داخلياً وإقليمياً ودولياً، والدفاعِ عن حق الكُرد في إنشاء فيدرالية في غرب كُردستان، تماماً كما فعلت الأحزاب الكُردية في جنوب كُردستان حينما سقط النظام البعثي الفاشي في العراق.

وأقول لجميع ساسة الكُرد في غرب كُردستان: الحكمة! الحكمة! الحكمة! تذكّروا عذابات شعبنا في غرب كُردستان، تذكّروا شهداءنا، تذكّروا آلام الكُرد في زنازين الأنظمة السورية الفاشية، تذكّروا عذاباتكم أنتم، تذكّروا أن قلوب الكُرد في غرب كُردستان، بل في عموم كُردستان، ستتلقّى وحدتَكم بفرح غامر، تذكّروا أن كل واحد منا يصنع تاريخه، وأن كل مجد خارج الأمّة الكُردية إلى زوال.

المجد والخلود لشهداء كُردستان!

ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان.

ختاماً، نشكر الدكتور أحمد الخليل على إتاحة الفرصة لهذا الحوار.

في 8 – 8 – 2016

زر الذهاب إلى الأعلى