المجتمع

تأثير المسلسلات في رمضان على عادات وثقافات الشرق الأوسط

استطلاع: أفين يوسف

عندما يحلّ الشهر الفضيل “شهر رمضان” كلنا نعلم أنه علينا تنظيم وقتنا بأن هناك أوقات للعبادة وأوقات لترتيب المنزل وأوقات لتحضير الفطور، وفي النهاية أوقات لمشاهدة المسلسلات الرمضانية، إنما وكما نرى مجتمعنا يقضي كل ساعاته بمشاهدة المسلسلات التي تعرض في شهر رمضان.

مميزات شهر رمضان

يتميز شهر رمضان عن غيره من الشهور الهجرية بالصوم، ألا وهو الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب على مدار ثلاثين يوماً كاملاً، ويعد رمضان الشهر الوحيد الذي فرضه الله تعالى على المسلمين، حيث يتوجب على كل مسلم مقتدر صوم هذا الشهر ومن لم يستطع فعليه تقديم صدقة لفقراء المسلمين والمحتاجين.

فضل شهر رمضان

ذكر شهر رمضان في السنة النبوية والقرآن الكريم عدة مرات، والتي تتمثل في التالي: تفتح الجنة في شهر رمضان وتغلق النار، كما يقيد كبراء الشياطين وعظماؤهم خلال هذا الشهر الكريم، فيكون للمسلم الفرصة الكبرى في تجنب المعاصي والتقرب من الله تعالى بالعبادات والطاعات، غفران الذنوب.

الصوم هنا لا يعني صوم المعدة فقط، بل يشمل صوم اللسان والعقل والحواس عن ارتكاب المعاصي والذنوب وإعطاء الراحة لأعضاء الجسم.

وبرغم هذا ظهرت في السنوات العشرة الأخيرة إقبال كبيرعلى مشاهدة التلفاز (الأعمال الفنية والدراما)، إلى أن أخذت منحى له تداعيات عدة على قدسية هذا الشهر، لذا حرصاً منَّا كصحيفة الاتحاد الديمقراطي قمنا بالاستطلاع وأخذ بعض من الآراء، لرؤية الاختلاف الكامل الذي يؤيد والذي يعارض مشاهدة التلفاز.

ففي البداية أجرينا عدة حوارات مع العديد من الشخصيات، وكانت منها امرأة لم تود الإفصاح عن اسمها ولكن تُنَّادى بــ “أم حسن”؛ تحدثت لنا بنبذة صغيرة عن حياتها بقولها:

أبلغ من العمر ثمانين عاماً، أجلس في البيت طوال الوقت ولا أخرج كثيراً، خروجي من المنزل يكون للحديقة التي تبعد عن دارنا مسافة شارعين، وهناك ألتقي ببعض النساء من عمري، ولكن عند قدوم الشهر الفضيل لا يأتي أحدٌ منهن إلى هناك، وحتى الشوارع تكون خالية من الناس، وذلك بسبب متابعة المسلسلات الرمضانية. وتتابع أم حسن حديثها قائلةً: “الشيء الذي يضايقني هو كلما نقلب في هذه المحطات نرى إعادة المسلسل من ساعة لأخرى. فكيف يقضون كل ساعتهم هكذا”.

وهنا وضحت لنا أم حسن وجهة نظرها لمشاهدة المسلسلات حيث قالت: إنه تضييع للوقت والبُعد عن العبادة، كما نعرف أن رمضان شهر العبادة وليس شهر المسلسلات، وأضافت أم حسن أن المسلسلات لا تكون قريبة من واقعنا، ولا تشبهها بالأساس وهناك فرق كبير بين الواقع والأفلام، ولكن للأسف مجتمعنا يتأثر بها وكأنها واقع يعيشه. هناك الكثير من الشباب والشابات يقومون بإضاعة وقتهم؛ فليعرضوا لهم مسلسلات تفيد الجيل الجديد؛ لا تُنّزِعهُ أو تفسد أخلاقه ولكن عرض الأفلام والمسلسلات أصبحت تجارة ولا تهتم بشؤون المجتمع.

ومن ثم انتقلنا للحديث مع ” وفاء ” مدّرِسة في أحدى المدارس:

 بصراحة هناك مبالغة شديدة بعرض المسلسلات الرمضانية، لأنها لا تتطابق مع واقعنا، ومن ناحية أخرى لا يبقى انضباط في العائلة، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً على حياة الأسرة بأكملها، والسبب الرئيسي في وقتنا الحاضر أصبحت العائلات مفككة وذلك بسبب ضياع السلطة من الوالدين على الأبناء، وأيضاً الابتعاد عن دائرة النضج العقلي لدى الأبناء، اذ نحن نرى بأن رمضان أصبح فقط مسلسلات وأفلام وخيمات رمضانية للفنانين، الفضائيات العربية تتسابق في تقديم باقة من المسلسلات التاريخية والاجتماعية والسياسية ولا لها جدوى ولا فائدة، ويؤثر ذلك على تعلّم الابن على التحلي بالصبر وكيفية الشعور بحياة الفقراء. وهنا لا ننسى أن الفراغ وضعف الإيمان والتعلق والإدمان على الإنترنيت وعلى التلفاز أصبح أمراً يشكل أكثر خطورة على مستقبل الشباب والمجتمع لذلك يجب أن تدارك هذه الأمور.

وفيما بعد تحاورنا مع شاب يدعى “زانا” :

أنا طالبٌ في الجامعة، وأرى العكس بالنسبة للذين يقولون بأن مسلسلات شهر رمضان تفكك العائلة، لأن الأفراد لا يجتمعون إلا وقت المسلسل وباقي الوقت يقضونه على الإنترنت والنوم فكيف لا نقول يجمعنا، لا أعارض أن هناك فارق كبير بين الواقع والعالم الافتراضي، ولكن لا يوجد مسلسل ولا يكون له عبرة، أتفق معكم بأن هناك مسلسلات لا قيمة لها وهناك تشابه كبير بينهم، ولكن هذا لا يعني أنه يفكك بين أفراد العائلة الواحدة. صحيح بأنه هناك إقبال جماهيري كبير للمسلسلات وتحدث أزمات ومشاكل بسبب تناولها لمواضيع ولأفكار غير واقعية وقضايا تّعد الخطوط الحمرّ وهذا بحد ذاته خطأ، ولكننا نعلم جيداً بأنه يبقى مسلسل لا أكثر. وفي الختام أريد أن أضيف أن ابتعادنا عن بعضنا البعض ليس بسبب المسلسلات، إنما بسبب عدم الترابط منذ البداية.

خير الأمور أوسطها، لا الفرط ولا الحرمان

تامارا كمال طالبة جامعية:

ها هو شهر رمضان يطل علينا مرة أخرى بحلته المباركة، يحمل مرة أخرى قيم إنسانية حميدة ويثيرها لتأدية الفضائل من الأعمال واجتناب الأفعال غير الصائبة.

بطبيعة الحال شهر رمضان لابد أن يكون له اختلافات عما سبق من أعوام، لكن لا ننسى الطبائع الرمضانية التي تتكرر كل سنة، منها السلبية والإيجابية، ولن نهيم هنا  سوى على ذكر واحدة، وهي التهاء المرء وبخاصة (الشريحة العمرية 15-40) بمتابعة المسلسلات وقضاء ساعات طويلة أمام التلفاز بدلاً من تقديم الطاعات لله عز وجل؛ حيث تعتبر هذه العادة المتداولة ابتعاداً واضحاً عن الدين والعبادة، وكذلك عن المجتمع. فخير الأمور أوسطها لا الحرمان الكلي وتضييق الخناق على النفس مقابل عدم الفرط في متابعة المسلسلات، خصوصاً أن البعض لا نخفي عليكم ينتظر شهر رمضان فقط ليتسنى له متابعة أفضل الأعمال الدرامية، والاستمتاع بمشاهدتها على حساب أعمال أخرى يتوجب إنجازها.

فرق ساعات الصوم بين سوريا وأوروبا

وفي السياق ذاته سنقوم بمقارنة بسيطة بين صومنا في روج أفا والدول الأوروبية  في شهر رمضان، هذا وأجرينا حواراً مع أحد الأشخاص هناك، فأفادنا بأن عدد الساعات التي يصومونها هناك تكون قرابة الــ 17 ساعة وفي روج أفا تكون ساعات الصيام ما يقارب12 ساعة.

ويقول الشاب الذي يبلغ من العمر 26سنة:

“سأوضح بعض النقاط لمعرفة الفرق بين ألمانيا حيث أسكن وبين سوريا وطني الأم، هنا في أوروبا العمل أساس كل شيء حتى ولو تكون صائماً لا تراعى أبداً، وعند العودة للبيت لا يوجد شيء نفعله سوى انتظار وقت الإفطار، لذلك لا يقوم الكثير منا بالصيام، ولا نستطيع الذهاب إلى الجامع من الخوف للتعرض لأيّ خطر.

هنا أريد توضيح نقطة هامة؛ المواطنين الأتراك يقومون بفتح خيمة للمسلمين يقدم فيها الإفطار والاحتياجات دينية و “طبعاً ليست مجانية”، وهنا الحكومة تقوم بفرض ضرائب عليهم حيث يصل ميزانيتها إلى ما يقارب 70000 يورو”، فهنا نستطيع القول بأن الحكومة تستفيد كثيراً من هذه الخيمة.

بينما في روج افا لا يوجد كل هذه الصعوبات، على الأقل كل ما هنالك يقضون أوقاتهم بالعمل وبعدها للمنزل ولهم وقت للعبادة والبعض الآخر مشاهدة التلفاز ولا يشعرون بكل هذا الوقت لكي يحل وقت الإفطار.

فهل لهذه المسلسلات القدرة على التأثير في المجتمعات؟ وإلى أي حد تسهم في تحريك الرأي العام أو تغيير التوجه والسلوك الاجتماعي؟

من وجهة نظر بعض الأشخاص أنه حينما يذكر كلمة مسلسل يكون لديهم هذا “الفهم السريع والربط العجيب”  بين لفظتي مسلسل ورمضان، فإذا ما سألنا أحدهم عن اللفظة التي يفضلها لترتبط بمسلسل لـقال على الفور: رمضان، وإن قلت: رمضان، قال: مسلسل.، فهنا ندرك أن المسكين لا يعرف الرابط العجيب بين اللفظتين، أعني بالحلقات “مسلسل” يساوي تضييع الوقت أيّ يلهي الشخص عن العبادة، فإذاً بالناتج: شهر رمضان لم يعد له قيمة.

ومن ناحية أخرى نرى بأن الناس تشاهد المسلسلات ولا يكون لهم أيّ وجهة نظر إلى الأمور من حيث الإيجاب والسلب.

متابعة المسلسلات في شهر يُطلب فيه من البشر التعبد لله واغتنام الساعة والدقيقة بل والثانية، لكن اليوم أصبح العكس ، فمتابعة المسلسل أفضل من أن يعبد العباد ربهم.

كلمة المحرر

تأثير المسلسلات العربية أكبر بكثير مما يتخيله العقل، حيث أنه موجه من قبل أشخاص أهدافهم ربحية تجارية ليس لها مرجعية دينية أو اجتماعية أو ثقافية، بل الصراع من أجل الربح بأيّ ثمن وبأيّ طريقة، ولذلك أتوقع الكثير من الانعكاسات التي لم يظهر تأثيرها حتى الآن. بل إذا ظل الوضع على ما هو عليه ستمحى هوية الأجيال القادمة.. وبرأيي؛ الحل هو عودة العقل والضمير أولاً ثم العودة للدين.

زر الذهاب إلى الأعلى