المجتمع

   بلدية الشعب في تربسبية بين الطموح وصعوبات الواقع

تُعْتَبَرُ البلديات النواة الأساسية للتنمية المجتمعية، وأحدُ أهمِّ الأعمدة التي توجه المواطن نحو التوعية والاهتمام بالمصلحة العامة, وهي مؤسّسة خدمية بالدرجة الأولى؛ تهدف إلى تلبية احتياجات المواطنين، وتحسين وتسهيل أمورهم الحياتية من حيث المرافق العامّة والطرقات وتنظيم الأسواق….. وغيرها الكثير من الأمور المتعلّقة بخدمة المواطنين ضمن المجتمع.

لقد عانت مدن وبلدات روج آفا والشمال السوري من الإهمال والتهميش نتيجة لسياسات خاطئة تسبّبت بها النُظُمُ التسلّطية الحاكمة لعقودٍ من الزمن, وذلك بغيةِ إخضاعِ المجتمع لهيمنتها واستغلالها بما يتناسب مع ذهنيتها الاقصائيّة النفعيّة, ومع اندلاع الأحداث المأسوية التي عصفت بسوريا عموماً وروج آفا وشمال سوريا على وجه الخصوص, ازدادت هذه المعاناة وتفاقمت بشكلٍ أكثرَ سلبية, وخاصّة بعد انحراف الثورة الشعبيّة عن مسارها, وتحولّها إلى صراعات طائفيّة هجينة, وإرهابٍ مدمّرٍ لم يسلم منه الحجر والبشر, وتسبّبت في حدوثِ خللٍ واعتلالٍ في تماسكها المجتمعي, وذلك نتيجةً للأفكار المتطرّفة والمتشدّدة التي اتّبعتها المجاميع الإرهابية والتكفيرية, والتي لم تختلف من حيث الممارسة عن النّظام البعثي وأساليبه القمعية وسياساته العنصرية, حيث عانت أغلبُ مدنِ وبلداتِ روج آفا والشمال السوري من أكثرِ صورِ الإرهابِ توحشاً, وأخبثِ السّياسات التي تستهدفُ البنية الأصيلة للمجتمع في الشمال السوري. وهنا كان لِزاماً أن تتحرّك القوى الديمقراطية من روج آفا والشمال السوري للتصدي لهذه المخطّطات والسّياسات التي تُدارُ بأجنداتِ دولِ ومحاور إقليمية دخيلة, ليتم طرح الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة لروج آفا عبر نظام المقاطعات, وتوسيعها مؤخراً عبر نظام الفدراليّة الديمقراطيّة, والتي أثبتت الوقائع نجاحها وقدرتها على حماية المجتمع بكافة مكوناته وثقافاته وأديانه, وليصبح نموذجاً رائداً يشمل كامل الشمال السوري, الذي تبنّتها وانخرطت فيها بشكل فعليّ كافّة المكونات, وباتت مطلباً مُلحّاً ليشملَ كامل الجغرافية السوريّة, والتي تُدارُ من خلالِ هيكليّة مؤسّساتيّة مدنيّة تهتم بالإنسان وتصون كرامته, عبر تنمية الوعي المجتمعي، وترسيخ قيمه الأصيلة, وتقديم أفضل الإمكانات في سبيل خدمته عبر مؤسّساته المدنيّة المجتمعيّة, ومن هنا ارتأت صحيفة الاتّحاد الديمقراطي إلى زيارة بلديّة الشعب في ناحية تربسبيه, وأخذ عيّنةٍ من آراء العاملين فيها, والتوقف على هيكليّة عملها, والخدمات والمشاريع التي نفذّتها ومعوّقات العمل ضمنها, وسُبُلِ تلافيها.

حيث شرح لنا نسيم حسن مراد  مستشار الرئاسة المشتركة لبلديّة الشعب بتربسبيه, طبيعة وآلية العمل الذي تقوم به بلديّة الشعب قائلاً:

“تسعى البلدية كمؤسّسة خدميّة توعويّة لتقديم أفضل الإمكانات الممكنة والمتاحة لخدمة المجتمع والمواطنين في ناحية تربسبيه وبلداتها وقُراها, فنحنُ في بلديّة الشّعب في تربسبيه نقوم بالعمل وفقَ مخطّطٍ شاملٍ بدءاً من الخدمات اليومية, وانتهاءً بالمشاريع والخطط التنمويّة. من صيانة الطرقات والمرافق العامة, وتنظيم السّوق، والوقوف على التجاوزات والمخالفات, ومراقبة المواد الغذائيّة و صلاحيتها للاستهلاك البشري, بالإضافة إلى تأمين مياه الشرب، والتأكدِ من مدى أهليّة شبكات وآبار المياه الرئيسيّة, وكذلك تأمين الوقود عبر إعطاء الرُخَصِ لأصحاب المشاريع التنموية, وغيرها الكثيرُ من الأعمال الخدميّة التي تمسُّ حياة المواطنين.

 هذا بالإضافة إلى تلبية حاجات البلدات والقرى المُرتبطة ببلدية الشعب في تربسبيه, حقيقةً عندما بدأت الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة بتنظيم وتفعيل البلديات, كان العمل البلدي في حالةٍ يُرثى لها, نتيجةً لما تعرضتْ لهُ روج آفا والشمال السوري من هجمات إرهابية, وعلى وجه الخصوص ناحيّة تربسبيه, حيث يمكننا القول إنها من أكثر المناطق التي تعرّضت للهجمات الإرهابية وخاصةً المدينة, فقد تعرّضت للمفخخات والتفجيرات الانتحارية, والتي اودت بحياة الكثير من الضحايا، والتخريب والتدمير الذي طال بنيتها الخدميّة. وفي ظلّ هكذا ظروف كان المجتمع بحاجة ماسّة للأعمال والخدمات البلدية, ولكن نتيجةً لعدم توفّر الإمكانات الكافية, لم تكن البلديّة بالمستوى المرجو منها, وخاصّة على الصعيد الخدمي والمشاريع الإنمائية, فمعظمُ الأعمال والمشاريع كانت ظرفية ومرحلية, لم ترتقي إلى مستوى الطموح المرجو منها, وربما يعود السبب في جزءٍ كبيرٍ منهُ إلى الحالة العامّة التي تعيشها روج آفا والشمال السوري من حصارِ ومحاربةِ ومواجهةِ الإرهاب, واتّساع المناطق المحرّرة التي تحتاج إلى خدمات مستعجلة, وبالإضافة إلى عدمِ توفرِ الآليّاتِ وقطع غيارها الكافية, وقلة الكهرباء التي تنعكس سلباً على النواحي الخدميّة. من ناحية تأمين المياه وصهاريج التوزيع وغيرها من النواقص في الأقسام الأخرى التي تعمل ضمن نطاق البلدية, كالصحّة والتموين والبيئة والوقود, التي تعاني هي بدورها من قلّة الإمكانات ومعوقات تتسبّب في التقصير في أداء أعمالها الخدمية, ونحن نأمل من الانتخابات الفدراليّة القادمة؛ وخاصة أن التقسيمات الإدارية للفدرالية الديمقراطية تشمل الهيكلية التنظيمية والمؤسساتية للبلديات, حيث من المقرّر إنشاء بلديات للقرى بغية تقديم خدمات نوعية ورائدة ضمن المجتمع, كما نرجو من هيئة البلديات والبيئة أن تسعى بجدية في الوقوف على المستلزمات الضرورية، وتأمينها لإنجاح العمل الخدمي والتنموي ضمن المجتمع.

شرمين شاخو الرئيسة المشتركة لبلدية الشعب في تربسبيه تحدثت لنا عن عمل البلديّة قائلةً:    

“إن العمل ضمن المؤسّسات المدنيّة المجتمعيّة التي تهم الموطنين وتمس حياتهم المعيشية؛ ينبغي أن تكون مشتركة بين الرجل والمرأة وفق مبدأ النديّة التشاركيّة, فما عانته المرأة ضمن النُظُم التسلطيّة في الشرق الأوسط عموماً وسوريا على وجه الخصوص, من تهميشٍ لدورها الريادي ضمن صفوف المجتمع ومؤسساته, كان السّبب في الكثير من المعاناة التي تمرُّ بها سوريا والمنطقة, حيث كان يُنظر إلى المرأة على أنّها يجب أن تكون محصورة في العائلة, ويقتصر دورها على إنجاب الأطفال, ومع تبلور الثّورة في روج آفا وشمال سوريا بدأت المرأة تأخذ دورها الريادي فيها, حيث كان نظام الرئاسة المشتركة تجسيداً لذلك الدور، ونجاح المرأة فيه وعلى مختلف النواحي حقّقت الكثير من المكتسبات والانتصارات, وخاصةً في المجالات العسكريّة والمجتمعيّة والتربويّة والخدميّة, والذي كان إثباتاً بأنّ الثورة الحقيقيّة في روج آفا والشمال السوري هي ثورة المرأة.

ونحن في البلديّة نعمل بنظام الرئاسة المشتركة, حيث أنّ جميع الأقسام ضمن البلديّة تُدارُ بشكلٍ تشاركيٍّ بين الرجل والمرأة, كما أنّ هناك أقسام خاصّة بالمرأة, وكذلك مشاريع خاصّة تديرها وتشرف عليها المرأة ضمن البلدية, ونحن نأمل في توسيع  الأعمال الخدميّة والإنتاجيّة التي تديرها المرأة ضمن المجتمع, وخاصةً النواحي الجمالية والاقتصادية, التي طالما كانت المرأة مُبدعةً فيها, وخاصةً ونحنُ مُقبلون على الانتخابات الفدراليّة للمجالس والنواحي, والتي سيكون تمثيل المرأة فيها مناصفةً بينها وبين الرجل, لتضعها بذلك أمام استحقاقٍ وتمثيلٍ حقيقيٍّ فريدٍ قلَّ نظيره في النُظم العالمية بإدارتها للمجتمع بإرادتها الحرة. ومن هنا يمكننا القول أن المرأة أمامها مهام ومسؤوليّات كبيرة في المرحلة المقبلة, وبشكل خاصّ ضمن البلديّات ومجالسها, حيثُ من المؤمّل منها أن تكون صانعة للتحوّل الحقيقي نحو الديمقراطيّة والتوعية والتنمية المجتمعيّة.

بدوره تحدث إبراهيم بحدي المراقب الفني في بلدية الشعب بتربسبيه, إلى صحيفة الاتحاد الديمقراطي متحدثاً عن عمل البلديّة قائلاّ:

“بدايةً؛ نرحّب بكم ونشكر صحيفة الاتّحاد الديمقراطي على تسليط الضوء على واقع العمل البلدي, حقيقةً إنّ ممارسة العمل الخدمي ضمن البلدية وتحمل مسؤوليّة تلبية احتياجات المواطنين والمجتمع, هو حمل ثقيل يحتاج الى إمكانات وخبرة عمليّة ونظريّة لتحقيق القدر الممكن من الاحتياجات التي تمس حياة المواطنين. لقد تمّ تقديم العديد من المشاريع في العام الحالي إلى هيئة البلديات والبيئة, من أجل مراجعتها والموافقة على تنفيذها, لكن لأسباب تتعلق بالوضع العام التي تمرّ به مناطقنا؛ تم تحديد مشاريع محددّة وقد تم تنفيذها. فنحن من جهتنا قدّمنا العديد من المشاريع, سواء المتعلّقة بالبلديّة المركزيّة في تربسبيه أو غيرها المتعلقة ببلديات القرى, من تعبيد الطرقات والبقايا والترقيعات والصرف الصحي, هنا ينبغي أن نذكر أن المشاريع المُنَفَّذّة كانت جيّدة ومقبولة, ولكنّها لم تكن بالمستوى المطلوب, وذلك لقلّة الإمكانات المُتاحة، وعدم توفر المواد الأساسية بشكل كافي, فمعظم المشاريع المُنفذة كانت إسعافية وضرورية, ولكنها كانت قليلةً مقارنةً بعدد المشاريع المقدّمة للهيئة, فقد تمّ تنفيذ قرابة الأربعة مشاريع فقط هذه السنة, كتعبيدِ ومدِّ الطريقِ العام بين طريق ديرك وحاجز خزنة,  وطريق شيتكا وطريق معمل السماد وساحتها, هذا ومن المقرّر أن يتم تزويد البلديّة بكمية من مادّة الزفت لإجراء أعمال الصيانة والترقيعات, ونحن نأمل أن يتمّ العمل عن طريق المدادة, لأن الطقس الحالي لا يسمح لنا بإجراء أعمال الصيانة بالطريقة العادية, وهنا ينبغي علينا التنويه أنّ هناك العديد من المشاريع التي تم دراستها وهي جاهزة للتنفيذ, متى ما تمّت الموافقة عليها من قِبَلِ الهيئة.

وتابع بحدي في السياق نفسه: في هذا العام كان هناك تنسيقٌ بيننا وبين شركة زاغروس لصيانة وإصلاح الطرقات, وقد كانت الأعمال المُنَفَّذة من قِبَلِها جيّدة, ولكنّها لم تكن كافية لكبر المنطقة، وكثرة المشاريع التي كانت تعمل الشركة على تنفيذها, مما تسبّب في تأخر وعدم تنفيذ العديدِ من المشاريع, ونحنُ نأملُ أن يتمّ التعاقد أو إنشاء شركات ومخابر أخرى بهذا الصدد, وذلك لتغطية المشاريع والأعمال التي تحتاجها المنطقة, وكذلك لتكون هناك منافسة من حيث تقديم الأفضل من ناحية الجودة والإنتاجية.  في الفترة القادمة هناك انتخابات على مستوى روج آفا وشمال سوريا, حيث سيتم من ضمنها استحداث بلدات ومجالس بلدية سيتم انتخابها, وهي خطوة جيّدة وخاصة من ناحية تخفيف الضغط على البلديات المركزية, ولكن هنا يجب مراعاة تأمين المستلزمات والمُعدّات الضرورية لها.

ونوَّهَ بحدي إلى أنهُ من ناحية الآليات والإمكانات فنحن في البلدية أكثر معاناتنا تكمن في هذا الصدد, وكذلك ينبغي أن يكون المرشحين لهذه المجالس, وخاصة الرئاسة المشتركة للبلديات من ذوي الخبرة والاختصاص في العمل البلدي, لنتمكّن من رفع سوية العمل, والنهوض بالمستوى التنموي من الناحية النوعيّة والكميّة.

وفي نفسِ السياقِ قالت زوزان شمو الإعلامية في بلدية الشعب بتربسبيه التي تحدثت لنا عن أهمية الإعلام في البلديات:

“يعدُّ الإعلام الواجهة والمدخل لتعريف المواطنين بالأعمال والخدمات التي تقدمها البلدية, وكذلك يُعْتَبَرُ الإعلام من أكثر الوسائل تأثيراً على الرأي العام إن تمت ممارسته بمهنية, فهو من أفضل الوسائل لتوجيه المواطنين وتوعيتهم نحو الأمور المتعلقة بالمصلحة العامة, ونحن في البلديّة لدينا إعلام خاص, وظيفته تسليط الضوء على الأعمال التي تُنفذ من قِبَلِ البلديّة, وكذلك لدينا موقع إنترنت خاص بالبلدية على صفحات التواصل الاجتماعي. يتمُّ فيه نشرُ جميع التعليمات والتعاميم الخاصّة بالبلدية, والتي تهمّ الموطنين, كما أننا على تواصل مع إعلام هيئة البلدياّت والبيئة وغيرها من المنابر الإعلامية في روج آفا وشمال سوريا, حيث يقتصر عملنا الإعلامي على تغطية جميع النشاطات والخدمات التي تقدمها البلديّة ضمن المجتمع.

 حقيقةً لقد كانت للمرأة حضوراً لافتاً ضمن  البلدية, وهي تُعتبرُ العنصرَ الأكثرَ فعاليةً, وقد أثبتت وجودها في جميع المجالات التي تعمل ضمنها, وعلى وجه الخصوص العمل النضالي, فقد اقترنت الثورة باسمها في روج آفا والشمال السوري, كما أثبتت نجاحها في العمل الإعلامي, حيث أصبحت هناك منابر إعلامية خاصة بها”.

وتابعت شمو قائلةً:

“المرأة في مجال العمل البلدي هي أفضل من ترسخ النواحي الجمالية للمجتمع, وأكثر من تنهض بالسويّة الاقتصاديّة من حيث مساهمتها في المشاريع التنمويّة والإنتاجيّة, حيث كانت هناك مشاريع خاصّة بالمرأة كالحدائق ومشاريع التشجير وتصميم المداخل في المدن, وكذلك المعامل المتعلقة بالاحتياجات الضرورية للسوق المحلية, والمصانع المتعلّقة بالعمل الحِرَفي واليدوي, وكذلك في مجالات العمل الأخرى. فقد تم إنشاءُ فِرَق رياضية خاصّة بالمرأة, ومنها استحداث فريق رياضي ببلديّة تل شعير التابعة لبلدية تربسبيه, والذي أثبت نجاحه, والفريقُ يُدار بشكلٍ كامل من قِبَلِ المرأة.

زر الذهاب إلى الأعلى