دراساتمانشيت

في ثلاثية (الوجودين الروسي والأمريكي، وتوسعة التحالف الدولي عربياً؛ والقطب الديمقراطي في سوريا)

إعداد الباحث السياسي: سيهانوك ديبو

الوجود الأمريكي والفرنسي في سوريا ليس بالاحتلال. والوجود الروسي في سوريا ليس بالشرعي المحض. ولا قرار أممي يدين الأول ويحلل وجود الثاني. وبالأساس لا مقدرة دولية إن شئت؛ في ظل العجز الدولي في استصدار قرار إدانة لاحتلال واضح بحجم الاحتلال التركي لعفرين وما سبقتها من احتلالات لمناطق من سوريا. وأمّا (فكرة) توسعة التحالف الدولي ضد الإرهاب وتحقيق الاستقرار في سوريا؛ عربياً أو ارسال قوات عربية إلى سوريا في شرقي الفرات؛ وإنْ كُتِبَ له أن يتجاوز نطاق الفكرة إلى الخطوة العملية ويحدث؛ فإنه لن يعتبر بالسابقة في منطقة الشرق الأوسط العربي؛ فتحالف شبيه بمثل هذا التحالف حدث سابقاً من بعد اجتياح العراق- صدام حسين للكويت في 2 أغسطس آب 1990.

كان يسميه بالعدوان الثلاثيني على العراق؛ إشارة منه إلى تحالف لثلاثين دولة منها دول عربية لتحرير الكويت -من ضمنها سوريا وقت الأسد الأب.

من تحت الركام السوري يرى السوري بأن ثلاث انتخابات تجري جواره. من غربه لبنان في السادس من أيار. وفي الثاني عشر من الشهر نفسه في شرقه من العراق؛ وفي اليوم نفسه تنحو المقايسة بأن تبدلاً ما يصير بشأن الملف النووي الإيراني وعلى الأغلب تأجيله ريثما يتحضر الملحق الذي سيكون هو الاتفاق والاتفاق الصائر إليه منذ ثلاث سنوات هو الملحق. وفي 24 حزيران هي الانتخابات الطارئة في تركيا التي تعيش بدورها حوالي العامين في حالة طوارئ لا تبشر الأوضاع/ الأزمات في تركيا بأنها تنتهي، كما تبدو من الاستحالة أن تحسم نتائج تلك الانتخابات في الجولة الأولى؛ ومن المرجح أن لا تحسم في جولتها الثانية أيضاً؛ فأكثر ما يناسب أردوغان وما يناسب حالات تفكيك المنطقة وتفتيتها حالة الطوارئ في تركيا.

مثله في ذلك مثل كل نظام استبدادي يرى في محطة الانتخابات بأنها إهانة للقائد الرمز الذي لا مثيل له؛ فما بالكم لو كان ب(السلطان)؟. وعلى الرغم من أننا كسوريين لم يطرق بابنا أية انتخابات فعلية منذ وصول البعث إلى سدة السلطة؛ شكلية كانت في أحسن أحوالها.

لكن هذه الانتخابات التي تجري جواره لا تعني بمطلق الحال بأن من في الجوار أفضل من في الداخل السوري. والذي دفع بالرئيس الفلسطيني أن يشكك بالهولوكوست اليهودي وأن يعتذر لاحقاً –دون طائل- عمّا بدر عنه؛ لا يصبّ سوى في خانة أن المنطقة في غليان بفعل نار الأجندات الخارجية.

وأن مواجهة مباشرة بين دولتين إقليميتين على سوريا باتت باحتمالية كبيرة، وأن تلك المواجهة فيما لو حدثت فإنها لن تقتصر عليهما وإنما يكاد يكون من غير المسموح الوقوف لأية جهة جارة وأن تغدو بالمتفرِّج؛ الكل منخرط بالأساس في المقتلة السورية.

سوريا دولة معطوبة. العطب مستفرخ في كل شأن من شؤونها. ليس اليوم، ليس منذ الأزمة، إنما منذ بدء الانقلابات العسكرية في سوريا، ومنذ الاندماج القسري ما بين سوريا ومصر عبدالناصر، وبشكل كبير منذ القبض على سوريا بعثياً. لكن سوريا في وقت الأزمة؛ واليوم بعد أن باتت المركز الملتهب الموصول به غالبية الأزمات الإقليمية والدولية؛ فإن سوريا التدويل باتت في أشد حالات العطب إنْ لم نقل في معرض الانتهاء. والنظام لم يكن قبل الأزمة شرعياً ليبدو بالشرعي حينما طلب من موسكو أن تكون في سوريا كحليف لبقاء كرسي السلطة وبمساعدة أرضية/ ميدانية من طهران.

وقتها في أيلول 2015 كان النظام يسيطر على أقل من ثلث سوريا، وقد مضى عند وقت الطلب من الدخول الروسي حوالي العام من (فوز) الرئيس السوري بولاية ثالثة عبر انتخابات شكلية أيضاً. المسألة لا تبدو منصفة حينما يتعلق أمر اللاعب السوري بكمية الاستحواذ على الجغرافية السورية فقط. إنما أوليّاً بكل من سمح بالتدويل. ومن ثم بالتدويل الذي يصدر القرارات الدولية دون تنفيذ لها. ويبقى أساس المشكلة متعلق بنموذج الدولة القومية المركزية.

بمن حملها ناسخاً إلى الشرق الأوسط، وبمن وضع على عاتقه تطبيق هذا الشكل المرضي؛ مقابل تمرير ما أمكن من الأجندات الما ورائية المدمِّرة. كما اليوم في عموم المنطقة؛ كل دولة تمسك بيد دولة؛ طالما تعاني من المشاكل والأزمات نفسها.

منذ احتلالات داعش الإرهابي في العراق وفي سوريا؛ باتت معادلة حل الأزمة السورية واضحة المَعْلَمِ. نصف المعادلة متمثِّل في القضاء على الإرهاب، ودون الإرهاب لا يمكن الحديث عن الحل. والنصف الأهم متعلق بالشكل الذي يصف التغيير الديمقراطي السوري ويتحقق عن طريقه الأمن والاستقرار والسلام في سوريا. فأحياناً يتم وهنُ جميع أطراف النزاع ليصلوا إلى حالة يتم فيها فرض الحل المتفق عليه خارجياً.

وهذا بطبيعة الحال لا يبدو بالحل إنما بالمساكنة للأزمة، ومن ثمّ تحريك الأزمة في اللحظة التي يريدها من سوّاها. وأفضل القرارات (الواقعية) التي صدّرتها المجموعة الدولية في الشأن السوري هو القرار الأممي 2254. الذي نجم عن اجتماعات فيينا اكتوبر تشرين الأول 2015 والقبول بواشنطن وموسكو كراعيين مشتركين لحل الأزمة السورية.

فلا يمكن وفقاً لقياس التدويل وبعيداً جداً عما يتحدث عنه النظام بأن يكون وجود واشنطن وباريس وغيرهما من بلدان التحالف الدولي ضد الإرهاب على أنه الاحتلال. ولا يمكن الاستكانة لتوصيف النظام بأن وجود موسكو وطهران بالشرعي. الوجودات كلها يتم تصنيفها بشكل واضح وتناولها بشكل قانوني وكمطلب مجتمعي سوري حين قيام الجمهورية السورية الثالثة. الجمهورية الأولى حدثت بعد الاستقلال، والثانية التي ألحق بها لفظ العربية حين وصول البعث بشكل أوضح، والثالثة تكون الأكثر وطنية حينما تكون جمهورية سوريا الفيدرالية.

قوة الاحتلال التي تطبق عليها مسمى الاحتلال الصارخ هي تركيا؛ وحدها تركيا في سوريا قوة لا شرعية وقوة محتلة وفي حالة عدوان وجرائم متلبسّة وبخاصة بعد احتلالها لعفرين، وإكمال مخططها العدواني بتغيير ديموغرافي وتطهير عرقي على مرأى بلدان المنطقة والعالم. أمّا فكرة توسعة التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد الإرهاب بإرسال قوات عربية إلى شرقي الفرات؛ وإذا ما جاء كضامن للقطع على المشاريع الماضوية السياسية في المنطقة بشكليها الصفوي والعثماني، وإذا ما جاء بهدف وحدة سوريا وتحقيق الحل الديمقراطي كما في مثال مشروع الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا الذي اختزل معادلة الحل طيلة سبع سنوات ماضية إنْ في جانب محاربة الإرهاب أو في جانب توسِعَة سوريا على كل السوريين؛ فإن هذه الفكرة حينما يكتب لها الغطاء الأممي والمحلي السوري فإنها تبدو لصالح سوريا وصالح بلدان المنطقة التي لا تبدو أن وضعها يكون أفضل من الوضع السوري إن لم تخرج تركيا، وتخرج إيران من سوريا.

فبقاء أحدهما ضمان لبقاء الآخر، وضمان الآخر أكبر الضمانات لدخولٍ اسرائيليٍّ آخر في سوريا. الواحد يجذب الآخر، الكل أعداء للكل، والكل بالأساس في حرب مع الكل. يستمر الوضع هكذا طالما نرزح تحت نموذج الدولتية القوموية. يأتي مكتشف مستجد ليتغنى باكتشاف الدولة في وقت يزيد بن معاوية؛ فأي جهل بتاريخ المنطقة حتى ظهر مثل هذا الرأي في أكثر الأوقات التي تؤكد فشل نموذج الدولة نصف القومية ونصف الدينية/ الطائفية؟

القطب الديمقراطي السوري

بعد العام 1963 بشكل مكثّف؛ فإن أكثر الجهات التي حافظت على جماعة الإخوان المسلمين في سوريا هو نظام البعث. وأكثر من دعم نظام البعث في سوريا هم الاخوان المسلمين. الربط البنيوي ما بينهما أشبه أن يكون بمثابة استحضار هيغل وجعله يمشي خلفاً فيما بين العلاقة بين النقيض والفكرة وليست بالعلاقة ما بين الفكرة ونقيضها. البعث والاخوان كلاهما تعكز على الآخر؛ كلاهما لا يقبلان غيرهما، وإن كان؛ فبشكل شكلي محض كما في آخر مصائب سوريا المسمى بالائتلاف الاخواني. وتلكم مصيبة سوريا وشعبها منذ أكثر من نصف قرن. السوري وجد الحالة السياسية في سوريا بين فكي كماشة بعثي واخواني. أحزاب اليسار والشيوعي والوسط لم ترتقي أن تطرح حالة وطنية ما فوقهما. على العكس وجدت هي بدورها إما أن تكون مع هذا الطرف أو ذاك. تصدعات اليسار وشقشقته كانت إحدى أهم أسبابه بأنها لم تتخلص من حالة الاستقطاب هذه. يُذْكر هنا بأنها لم تولي أيضاً بالأهمية الكافية من الدعم الخارجي في زمن الاستقطاب الأيديولوجي الرأسمالي والشيوعي في القرن العشرين. وأعتقد هنا بأن المفاضلة التي قام بها فاتسلاف موتولوف الرجل المكلف بمكتب الشؤون الخارجية السوفياتية ما بين العام 1939 – 1949 والذي كان يرى بأن اسرائيل هي الأٌقرب لموسكو الشيوعية من الأحزاب الشيوعية العربية المغلوبة على أمرها؛ وفقه. ووفقه بأن دعم اسرائيل يعني بمثابة تخويل لموسكو في اقتطاع جزء كبير من الامبراطورية البريطانية. ربما هذا بحد ذاته يفسر لماذا أجاب ستالين على سؤال روزفلت في رأيه بالصهيونية في أعمال قمة يالطا 1945 (توزيع مناطق النفوذ) بأنه/ بالحرف: (مبدئياً أساند الصهيونية، إلا أنه توجد بعض المصاعب لحل المسألة اليهودية. لقد فشلت تجربتنا في بذربيدجان لأن اليهود يفضلون العيش في المدن).

وفي الحقيقة كان مثل هذا العامل الخارجي الموضوعي غير المتوفر بالسيء الأكبر بالنسبة للأحزاب اليسارية والشخصيات الشيوعية الكردية. نحت موسكو بعد لينين في كردستان الحمراء/ الحكم الذاتي الكردي، إلى موقف بالضد من القضية الكردية من وقت ستالين إلى بوتين. الأول الذي أدى إلى بعثرة الكرد في كردستانهم الحمراء على 11 جمهورية سوفياتية، والأخير الذي حصل في وقته خطيئة احتلال تركيا لعفرين.

لكن القطب الديمقراطي في سوريا يحظى اليوم بفرصة ذهبية هي الأخرى لا تتوفر دائماً. إنها في الحقيقة يمكن وسمها بأنها فرصة العصر. وأن مجلس سوريا الديمقراطية على عاتقه بشكل كبير مهمة تشكيل مثل هذا القطب. وأن لا يكتفي بما فعل وما أسَسّ وبأنه أنتهى من تأسيس هذا القطب. مع العلم بأن هذا المجلس يعتبر أكبر مظلة سياسية في سوريا وبتأثير كبير في معادلة الحل السوري؛ إلّا أن التوسعة يجب أن يكون من نصيبه أيضاً. وهذا بالأساس إحدى أهم مهماته المعلنة كما ورد في نظامه الداخلي المتعلق بالانفتاح على مختلف الديمقراطيين في سوريا. وعقد مؤتمر وطني ديمقراطي يدعو إليه مجلس سوريا الديمقراطية في شمال سوريا. فيما لو وقع الاختيار على دير الزور؛ مثالاً؛ أن تكون بالمكان المنعقد فيه هذا المؤتمر ليكون بتأثير بليغ. بخاصة أن قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر بأن مجلس سوريا الديمقراطية مظلتها السياسية باتت اليوم في المرحلة الأخيرة من حملة عاصفة الجزيرة وتحرير دير الزور من داعش. مؤتمر وطني ديمقراطي تُدعى إليه كافة الأطراف الوطنية والقوى والأحزاب والشخصيات العلمانية الديمقراطية المؤمنة بوحدة سوريا وأن سوريا لا تحتمل إلا الديمقراطية حتى تكون؛ فإن ذلك سيكون بمثابة استنبات الحل الذي بات عاجزاً أو مؤخراً من قبل المجتمع الدولي. في هذا المؤتمر يلزم: ورقة بيضاء وطاولة مستديرة دون وصاية ودون استعلاء ودون سقف زمني محدد ينعقد فيه المؤتمر. ودون انتظار النتيجة المثلى من قبل أي طرف. حينها تكون الخطوة الأولى في المسيرة الديمقراطية الطويلة قد بدأت. تشكيل القطب الوطني الديمقراطي لا يقل عن محاربة الإرهاب والاستبداد. فهل نعي كسوريين ضرورة عقد هذه الخطوة أياً يكن نتيجتها مع الحرص على ديمومتها حتى النضج المبتغى؟ سؤال موجه للجميع في مثل هذا الوقت الحرج الذي تمر به المنطقة برمتها وبشكل خاص لمن يهمه أمر القطب الديمقراطي في سوريا بشكل حقيقي وليس بالشكل التذكيري التبريري الدوغمائي.

زر الذهاب إلى الأعلى