مقالات

الكرد بين “نحن أصحابهم” و “نحن نحميهم”

لقد تردَّدَتْ هذه الكلمات أو الأوصاف كثيراً في الآونة الأخيرة في النقاش الدائر حول بقاء أو مغادرة القوات الأميريكية لسوريا دون التدقيق فيما تعنيه هذه الكلمات. مصطلح “نحن أصحابهم” تعني نحن نمتلكهم وهم عبيد لدينا ونحن نتصرف بهم حسبما نراه مناسباً ولا يحق لأي طرف التدخل في شؤونهم سوانا، وقد تردد هذا المصطلح مراراً على لسان المسؤولين الأتراك والسوريين أو مسؤولي الدول الحاكمة في كردستان عموماً، ويجسد العبودية بكل أبعادها ومعانيها.

أما المصطلح الآخر “نحن نحميهم” أو “لن نسمح بإبادتهم” فيعني أنهم ضعفاء لاحول لهم ولا قوة أي المسكنة ويحتاجون إلى الرأفة، وقد تردد ذلك على لسان الأميريكيين والفرنسيين وروسيا.

لقد كان هذان التوصيفان علّة الشعب الكردي على مدى تاريخه؛ فأصحاب المصطلح الأول مارسوا كل أشكال الإبادات الجسدية والمجتمعية والثقافية بذريعة أنه شأن داخلي ولن نسمح لأي طرفٍ بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وعندما يقوم أي شخص كردي بأي نشاط سياسي أو ثقافي أو حتى إجتماعي يَخُصُّ الشعب الكردي يُتَّهمُ بالإنفصالية أو التَبَعِيَّة للخارج والتآمر، وتُمارس عليه كافة أشكال القمع والتضييق إلى أن يستسلم أو يستشهد أو يغادر البلاد، ويريدون أن يكون المجتمع قطيعاً ينهبون خيراته وموارده ويستخدمون أبناءه في مشاريعهم كما يشاؤون. فقد تم استخدامهم أدوات للتوَسُّعِ كجنودٍ في مُقدِّمةِ جيوشِ الفَتْحِ والغزو، وعمال ومنتجين لإقتصادهم يدفعون الضرائب والأتاوات التي يفرضها الأسياد بكل طاعة، أي يشبعون البطون وهم جَوعى من جانب الفرس الترك والعرب دون أية حقوق أو مساواة، وعندما طالبوا بأية حقوق تعرضوا للقمع والإبادات والمجازر الجماعية عقوبة لهم على ما اقترفوه من ذنب بحق أسيادهم.

أما أصحاب القول الثاني “نحن نحميهم” و”لن نسمح بإبادتهم” فهي عادة أطراف خارجية تتقرب من الكرد بهدف استخدامهم وسيلة في مشاريعهم؛ تلك المشاريع إما أن تكون في الدولة التي يقطنون فيها بهدف فرض منحى يواكب سياساتها على تلك الدولة، أو استخدامهم لإبتزاز دولة من الدول التي تحكم كردستان.

ما يهمنا هو الشعب الكردي بذاته، هل هو يدرك السياسات التي تُمارس عليه سواءً من الدول الحاكمة أو الدول الخارجية ؟ أعتقد أنه لم يدرك تلك السياسات حتى وقت قريب، رغم أن هذه السياسات مُورست عليه عبر تاريخه إلى يومنا هذا.

هل يقبل الشعب الكردي بالعبودية إلى هذه الدرجة ؟ لا طبعاً وهذا يظهر من خلال تاريخه المليء بالإنتفاضات والتمردات في العصر القديم والحديث، فكلما ظهر قائدٌ أو حزبٌ دعا إلى التمرُّد التفَّ حوله الشعب وقدَّمُوا الضحايا والإمكانيات اللازمة لإنجاح التمرد أو الثورة. أَوَ هل الشعب الكردي إلى هذه الدرجة ليتسول أسباب القوة من الآخرين ؟.

إذا كان هذا هو الوضع الكردي، وتتوفر لديه العدة والإمكانيات، فما هي المُعضِلة التي تُعيقه من تحقيق مطامحه ؟

حسب رؤيتنا ما ينقصنا هو: المجتمع المنظم المُسَيَّس، والطليعة السياسية الواعية المُخلِصة، ونظراً لأن المتعاطين مع الشعب الكردي والقضية الكردية سلباً، يدركون هذه الحقيقة جيداً؛ يستفيدون من الثغرات الموجودة لدى الكرد ويستغلونها إلى آخر مدى، فيعملون على تفتيت الشعب الكردي بشتى السُّبل ويبذلون كل ما لديهم من إمكانيات لهذه؛ بهدف الحيلولة دون الوصول إلى مجتمع كردي منظم.

أما الطليعة السياسية الواعية فيقضون عليها في مهدها بشتى الوسائل، إما بِصنع طليعة مُزيَّفة أو بتحريف أي حركة أو شخصية لديها إمكانيات تَوَلّي مهام الطليعة، وهناك آلاف الأمثلة والأدلة على ما ذهبنا إليه من واقع الشعب الكردي.

إن الظروف والآوضاع التي تَمُرُّ بها منطقة الشرق الأوسط والتطورات الحاصلة، والديناميكيات الداخلية في المجتمع الكردي كافية لأن يتمكن المجتمع الكردي من التخلص من نواقصه التاريخية ليتولى الشعب الكردي طليعة التغيير في المنطقة ويأخذ مكانه اللائق به بين شعوب المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى