ثقافةمانشيت

الذكرى 21 بعد المئة ليوم الصحافة الكردية

استطاعت الصحافة الكردية وعلى مدى فترة طويلة من الزمن أن تقارع الضغوطات التي كانت تمارس ضدها لتثبت نفسها على الساحة الثقافية والفكرية، فشهدنا تطوراً ملحوظاً لها منذ بداية تأسيسها وحتى الآن.

سنسلط الضوء في هذا التقرير على أهم الصحف والمجلات الكردية التي لمعت اسماؤها على الساحة الثقافية الكردية، وبداية سنتحدث عن الجريدة التي اعتُبرت يوم تأسيسها ولادة الصحافة الكردية، ألا وهي جريدة “كردستان”.    

تعود ولادة الصحافة الكردية إلى العام 1898 حيث ظهرت أول جريدة كردية سياسية (كردستان) في القاهرة، ولم تظهر في هذه الفترة المنظمات الاجتماعية السياسية الكبيرة، إلا أنها شهدت بروز مجموعات وطنية صغيرة ومتفرقة وأضحت جريدة “كردستان” منبراً لها ولكل الأصوات الوطنية وأول من حرر هذه الجريدة هو “مقداد مدحت بك بدرخان”.

ونتيجة عوامل سياسية كثيرة غيرت الجريدة مراراً مركز إصدارها فطبعت في جنيف وفولكستون ولندن، ثم في اسطنبول تحت إشراف ثريا بدرخان وانتقلت أثناء الحرب العالمية الأولى إلى القاهرة، حيث أصبحت نصف شهرية (صدرت الجريدة في 22 نيسان عام 1898 ودامت إلى 14 نيسان عام 1902 وبلغ مجموع أعدادها (31) عدداً من العدد (1-5) في القاهرة وترأس تحريرها مقداد مدحت بك بدرخان ومن العدد (6-19) في جنيف.

من العدد (20-23) في القاهرة والعدد (24) في لندن، ومن العدد (25-29) في فولكستون – شمالي انكلترة. من (30-31) في جنيف، وترأس تحرريها عبد الرحمن بك بدرخان، وفي نهاية العقد الأخير من القرن التاسع عشر صدرت بعض الجرائد والمجلات الأخرى، لكن جريدة (كردستان) اجتازت ظروفاً قاهرة تشكل السمة العامة لكل الصحافة الكردية الدورية، فلم يتمتع المحررون بالحرية في كتاباتهم نتيجة التشديد القائم في تلك المرحلة.

ومنذ أواسط العشرينات عندما تم تجزئة كردستان بين حدود سياسية انتهت الصلات والعلاقة بين هيئات التحرير المركزية للصحافة الكردية، وباتت الصحافة الكردية الدورية في تركيا ممنوعة بتاتاً، ولم تكن الصحافة الكردية الدورية موجودة تقريباً في إيران بالعشرينات من هذا القرن ما عدا بعض الإصدارات  للأحزاب والتجمعات الكردية السياسية الصادرة بصورة سرية، وعندما اتسعت ونشطت الحركة القومية الكردية في مهاباد، ظهرت الصحافة الكردية الدورية ثانية في إيران خلال الحرب العالمية الثانية، حيث صدرت في هذه الفترة في إيران بعض المجلات والجرائد الكردية ومن الضروري هنا التذكير ببعض المجلات الشهرية آنذاك:

“نيشتمانه” الوطن: صدرت في مهاباد باللغة الكردية كُتبت بحروف عربية، وصدر العدد الأول منها في حزيران عام 1943 والأخير في أيلول عام 1945.

“خالا لا” الوردة: بدأ إصدار هذه المجلة في 21 آذار عام 1946 وهي لسان رابطة الشبيبة الكردستانية في مدينة بوكان، ودامت هذه المجلة إلى حزيران من العام ذاته.

كما صدرت في التاريخ نفسه في مهاباد مجلة: “هاواري نيشتمان” صوت الوطن، بالإضافة إلى مجلة: “عرو عالي منال” تربية الأطفال، التي رأت النور في العام ذاته وقد استمر صدور هاتين المجلتين المذكورتين طيلة فترة جمهورية مهاباد الكردية.

وقد أثر صدور المجلات والجرائد الكردية منذ بداية القرن العشرين بحروف مختلفة على توزيعها بصورة ملحوظة في نطاق ضيق في أجزاء كردستان الأخرى.

وكانت كل المجلات اجتماعية وسياسية وأدبية ولغوية في الوقت نفسه ولم تصدر جريدة يومية اجتماعية وسياسية في كل أجزاء كردستان إلى عام 1959 فقد ناضل المثقفون الكرد بعناد ما بين فترة الأربعينيات والخمسينيات للحصول على رخصة إصدار جريدة سياسية يومية، لكنهم لم يتمكنوا من إنجاز هذا الهدف إلا إن الحكومة العراقية الجديدة سمحت للكرد بعد ثورة عام 1958 بإصدار جريدتين اجتماعيتين سياسيتين هما: “أزادي ” الحرية؛ لسان حال الحزب الشيوعي (صدر العدد الأول منها في أيار 1959 بمدينة كركوك) و “خه بات” النضال؛ لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني، صدر العدد الأول منها في 4 آذار عام 1959 ببغداد.

وبعد مرور عامين على إصدار هاتين الجريدتين أغلق الباب أمامهما، لكن طوال فترة الأربعينات والخمسينات من هذا القرن خرجت صحافة كردية في العراق بصورة غير قانونية وكان لهذه الصحافة الدور البارز في تسليط الضوء على المسائل الاستراتيجية والتكتيكية لنضال الجماهير الشعبية ومن تلك الصحف والمجلات:

“شورش” الثورة؛ لسان حال الحزب الشيوعي الكردي، وجريدة: “رزكاري” الخلاص؛ لسان حال حزب رزكاري كردستان- خلاص كردستان، وقد صدرتا في عام 1946. جريدة “أزادي” الحرية؛ الصادرة في 1945 التي استأنفت صدورها في عام 1956 تحت اسم “أزادي كردستان” – حرية كردستان كلسان حال الحزب الشيوعي العراقي. جريدة: “خبات كورد” – نضال الكرد؛ في عام 1956 لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان إصدار الصحافة الكردية الدورية بلغتين أو ثلاث لغات هي السمة العامة لها، لأنها أفادت المنظمات الكردية في إصدار دورياتها بلغة الدولة وبذلك لا ترتاب السلطات من محتوياتها ولا يثيرها الشك نسبياً.

كما إن بواعث إصدار الجرائد والمجلات بعدد من اللغات الشرقية هي إن المنظمات الكردية وضعت نصب عينيها هدف التعريف بحياة وتاريخ وأدب وثقافة وحالة كردستان وكل القضايا الهامة المتعلقة بمجتمعات دول الشرق الأوسط  فصدرت جريدة: “بانكي كردستان”، صوت كردستان – في السليمانية باللغات الكردية والفارسية والتركية، وكان الشخصية الاجتماعية المعروفة مصطفى باشا يامولكي يرأس تحريرها، وصدر العدد الأول منها في 2 أب عام 1922.

وصدرت مجلة:  “دياري كردستان” هدية كردستان في بغداد ما بين العامين 1925-1926 باللغات الكردية والعربية والفارسية وكان رئيس تحريرها الشخصية الحكومية المعروفة صالح زكي .

ومن الجرائد الكردية التي ضربت شهرتها على نطاق واسع:

“زين” – الحياة:

جريدة أسبوعية، تأسست في اسطنبول عام 1919م صدرت باللهجة الشمالية الكردية وبالأبجدية العربية وحررت الجريدة على يد فئة من المثقفين الكرد القاطنين والدارسين في اسطنبول، وصدر العدد الأخير (22) من الجريدة في 22 كانون الثاني عام 1920 وقد ألقت هذه الجريدة الضوء على المسائل النضالية للحركة القومية الكردية التحررية وبرامجها التكتيكية والاستراتيجية.

“هاوار ” – الصرخة:

وهي المجلة التي تتميز بين الصحافة الكردية بطابعها الأدبي واللغوي، أسسها الكاتب جلادت بدرخان في عام 1932 صدرت المجلة مرتين شهرياً باللهجة الشمالية الكردية ونشرت المواد في بداياتها بالأبجدية العربية واللاتينية، وبعدئذ غطت المجلة صفحاتها بالأبجدية اللاتينية.

نشرت “هاوار” غالباً باللهجتين الشمالية والجنوبية نتاجات شعرية كلاسيكية ومعاصرة وفلكلورية وقدمت تحليلات عن مستوى الأدب الكردي المعاصر ثم ناقشت بعمق قضايا ثقافية مختلفة.

مجلة “كلاويز” الشعري :

وهي مجلة أدبية شهرية صدرت باللهجة الجنوبية في بغداد منذ كانون الأول عام 1939 إلى آب عام 1949م فقد كانت أعدادها قد بلغت عندما أغلقتها الحكومة العراقية ( 105) أعداد، ساهم في هيئة تحريرها المثقفون الحياديون وأعضاء الأحزاب العراقية التقدمية، فكانت المجلة تمثل النخبة الطليعية للمجتمع الكردي، وتجنبت توجيه انتقاداتها ضد الحكومة لتثبت لها أنها ليست مجلة سياسية، وكان رئيس تحريرها الشاعر والقاص الكردي المعروف والشخصية الاجتماعية التقدمية البارزة في العراق إبراهيم احمد.

كتبت المجلة للجماهير الكردية عن جوانب متباينة لحياة الشعب الكردي ولعبت “كلاويز” دوراً مرموقاً في تنشيط الحركة الأدبية، حيث ظهر في كل عدد منها نماذج من الأدب الكردي الكلاسيكي وقصائد شعرية وأعمال نثرية لأدباء معاصرين، كما أعطت هيئة تحرير المجلة أهمية فائقة للأدب العالمي التقدمي فنشرت باستمرار ترجمات المؤلفين الروس والأوروبيين الغربيين وبلا ريب كان لهذه الترجمات تأثيراً ايجابياً في تطور القصة والرواية الكردية الحديثة.

أما المجلة الأدبية النقدية الشهرية؛ “شفق” الفجر:

فقد تأسست في كانون الأول عام 1958 بمدينة كركوك باللغتين العربية والكردية على يد مجموعة من الكرد المثقفين التقدميين، أمثال الأديب الكردي (إبراهيم احمد) وساهم في تحريرها أيضاً الأديب معروف برزنجي والمحامي عبد الصمد خانكا والمعلم عمر عارف والدكتور معروف خزنه دار والعقيد المتقاعد عبد القادر البرزنجي.

وقد أفسحت السمة الكيفية التي تمتعت بها المجلة مكاناً واسعاً للأدب ونظريته ونشرت بشكل مستمر نتاجات أدباء وشعراء الكرد، وكرست المجلة بصورة خاصة صفحاتها للنثر الكردي، ولاسيما القصة منه، واستطاعت المجلة وبهذا الأسلوب أن تلعب دوراً إيجابياً ملموساً في تطور الأدب الكردي الحديث.

واذا ما قمنا بالمقارنة بين الصحافة الكردية في الماضي والحاضر نرى بأنها الآن تتقدم بشكل كبير وسريع، كون الحرية في الكتابة والنشر باللغة الكردية والتعبير عن الرأي في كافة المسائل السياسية والثقافية اصبح أفضل بكثير مما كانت عليه في الماضي، وما هو مطلوب من المثقف الكردي إبداء رأيه في كل تلك المسائل التي يتم طرحها في المجتمع، ومن الملاحظ  أن الخوف من الرقابة التي كان يشعر بها المثقف في الماضي أصبح أقل الآن إن لم يكن قد أختفى تماماً.

فاستطاعت الثقافة الكردية التقدم  بشكل ملحوظ، فهي تقف اليوم على قدميها على مستوى المنطقة الكردية بشكل خاص وعلى المستوى العالمي بشكل عام، وذلك من خلال الصحف والمجلات التي يتم إصدارها والمهرجانات الثقافية التي تُقام في عموم كردستان والعالم، فنرى التطور والانفتاح الفكري الذي طرأ على الواقع الثقافي الكردي يمثل تشجيعاً كبيراً للأجيال القادمة وعلى المثقفين أن يكتبوا بلغتهم الام ويساهموا في نشر التاريخ والثقافة الكردية في العالم أجمع، والصحف والمجلات والأبحاث التي اُصدرت على يد أدباء ومثقفين كرد يبشر بأفق ثقافي كبير وواسع وتغيير لنظرة العالم تجاه الكرد وثقافتهم، وهذا ما يؤدي إلى تطور في البناء الثقافي الكردي الذي هو سلاح المثقفين في مواجهة كافة التحديات والنظر إلى المستقبل نظرة متفائلة خالية من الخوف والرقابة التي كانت موجودة من قبل، والعمل على إيصال صوت الكرد إلى الرأي العام الكردي والعالمي.

 

إعداد: ألندا قامشلو

 

زر الذهاب إلى الأعلى