مقالات

الثورة بين المُمكنات والضرورات

آلدار خليل –

 
هناك معايير تتحلى بها الثورات وذلك عبر إحداث تغييرات جذرية وشاملة بالواقع الراهن كهدف تثور لأجله الشعوب  الواقعة تحت هيمنة الأنظمة الغاصبة لحرية وكرامة شعوبها، وحينما تصبح هذه الشعوب قادرة على التخلص من  الخوف المزروع بداخلها عن طريق السياسات القمعية الممنهجة تجاهها وكذلك بسحق تلك الأسوار التي يقبع الطغاة عادة خلفها، كما حصل في الثورة السورية عندما انتفض غالبية الشعب بوجه طغيان النظام  الحاكم، وفقط بتلك الإرادة التي لا تعرف الخوف تستطيع الشعوب الغاضبة نتيجة لأوضاعها السيئة إسقاط تلك العروش التي شيدت على إذلال وتهميش المواطن، فجوهر الثورة بعد إنهاء النظام  القائم بأكمله يكون بإزالة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والحياة وإعادة الاستقرار والأمان، وتحقيق المساواة والعدالة  للمواطن، وحل جميع المعضلات المتراكمة في ظل الحكم البائد؛ وهذا يحتاج لسنوات طويلة ويمر بصعوبات جمة إلا أن جميعها تزول بتماسك المجتمع وسد جميع المنافذ أمام المتربصين من أعداء الثورة.

وما أود التركيز عليه هنا هو تجربتنا الذاتية كبداية لثورة روج آفاي كردستان واستناداً على ما تم تحقيقه، كإخراج النظام وتحجيم دوره وحشره في زاوية ضيقة في منطقتين من مناطق  إدارتنا، ونحن نأمل وبعزيمة وإصرارٍاجتثاثه مع جميع الآثار الناجمة عن استبداده طيلة هذه السنوات، بإرادة التغيير التي يمتلكها شعبنا وبإيمانه بأهداف الثورة ومن هنا كانت قدرته على البدء بالخطوات الأولى والنجاح فيها رغم جميع الصعوبات التي واجهتنا، بالعمل الدؤوب والتنظيم والقيادة المناسبة لطبيعة المرحلة وكذلك عدم التبعية للجهات أو الأطراف التي تعمل جاهدة للتأثير على قرارنا بهذا التغيير الذي آمنا به وآمن به الشعب.

وبالتوسع ضمن تلك المعوقات والأمور التي واجهناها في  البداية، يمكن تذكر العديد من التجارب والمحاولات التي تمت في روج آفاي كردستان، ففي بداية التنظيم الشعبي رفضت العديد من القوى المحلية والإقليمية فكرة التنظيم على أساس الحماية الذاتية ووجدوا في مشروع قيام الوطنيين بحماية مناطقهم بالأمر المرفوض، نظراً لقلة الخبرات ووجود أطراف كانت وفق رؤيتهم بالأكثر شرعية من قبيل الجماعات المسلحة، إضافة للنظام الذي هو المعضلة الكأداء الأكثر صعوبة، آنذاك فكانت فكرة التطوير الذاتي لمجتمعنا أو حتى التفكير بمشروع الإدارة الذاتية ضرباً من الخيال، ومهمة مستحيلة الإنجاز، إلا أنه تم إثبات العكس بفعل تلك الصلابة التي بدأت بمواجهة الأرتال العنصرية عسكرياُ وسياسياً وبالتجييش الإعلامي ضد ما بدأناه في روج آفا، حيث تمكن شعبنا بوضع قدميه على بداية الطريق الذي اختار السير فيه إلى أن وصل لما أمكنه من إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية فأصبحت وقتها واقعاً رغم النواقص التي حاولنا تلافيها بمرور الوقت ومازلنا إن وجدت. وينطبق هذا على فكرة التوسع بالمشروع الديمقراطي اليوم، فقد باتت الإدارة الذاتية الديمقراطية مشروعاً مقبولاً بفعل ولادته من حاجة شعبنا، كما تحولت إلى فكرة ريادية هامة من أجل التطبيق على مناطق أخرى كما حصل هذا الطرح كنموذج لمناطق في أجزاء من حلب الشرقية، ومازلنا مستمرين رغم كل السهام الموجه لإجهاض تقدمنا، فبعد الإدارة الذاتية وترسيخها باتوا اليوم يحاربوننا في خطوتنا التالية ألا وهي مشروع الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي، وفي نظر البعض هناك استحالة تطبيق هذا المشروع، تماماً كما حصل مع  مشروع الإدارة في فترة التنظيم الذاتي المجتمعي من بدايات الثورة، أما نحن فنتطلع إلى ذلك بواجب التحقيق المحتوم وما الانتصارات التي تتم إلا تأكيد على بوادر ولادته كمشروع مهم لعموم سوريا وكتجربة صالحة لتحقيق الديمقراطية التي نطمح إليها لعموم سورية والمنطقة، فنحن لا نجد أنفسنا بمعزل عن الوطن السوري الذي نرى من مهامنا الوطنية والأخلاقية تجاهه بذل كل ما يمكن من أجل نقله إلى حالة الاستقرار والسلام.

لقد تمكنت روج آفا وبحداثة تجربتها أن تكون محورَ التغيير في المنطقة  وانطلاقاً من  المعايير التي تم اعتمادها في البناء التنظيمي والتي تنطلق بالأساس من حاجة المجتمع، فما تم تطويره من مؤسسات الأمن وقوات الحماية الذاتية والبلديات والمحاكم ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات المحلية وواقع التربية والتعليم وتطوير دور المرأة الريادي، وجميع الإجراءات؛ كانت مواكبة لحقيقة الثورة التي تتجسد بالتغيير، وفي ظل هذه التطورات لابد من أخذ التدابير اللازمة للحفاظ على هذه المكتسبات وتطوير سبل تحقيق منهج الدفاع الذاتي بإضافة شاملة لقواعد المؤسسات العسكرية من قوات الأمن الداخلي والدفاع الذاتي وقوات حماية المجتمع عن طريق الأفواج العسكرية التطوعية الخاصة بالمناطق والتي تعتبر ركيزة مهمة من ركائز حماية قواعد ومكتسبات الثورة، الأمر الذي سيساهم في تحقيق مجمل النواحي التي نعتبرها من الضرورات الواجب تحقيقها، وبهذه الخطوات وبالتفاف الجماهير ومساندتها؛ نستطيع تجاوز كل ما يعيق حركتنا نحو التغيير المنشود.

زوايا روناهي

زر الذهاب إلى الأعلى