مقالات

الاستانة اتفاقٌ على التقسيم الطائفي وفشلٌ قبل التنفيذ

الكثير منا كان يسمع ويشاهد أو يقرأ عن سيناريوهات ومخططات لتقسيم سوريا وخاصة من قبل بعض المجاميع التي تدعي تمثيلها للمعارضة حيث كانت دائماً أصابع الاتهام تتوجه نحو الشعب الكردي بهذا الخصوص، وعلى وجه التحديد الحراك الثوري في روج آفا والشمال السوري، حيث لم تكتفي هذه المعارضة المشكلة بدعم وتمويل من دول إقليمية بتوجيه أصابع الاتهام للإدارة والإرادة الديمقراطية المُشكَّلةِ في روج آفا والشمال السوري، لكنها سخرت جميع أمكانتها وأدواتها في سبيل تقويضها والقضاء على هذا التوجه الثوري المدني الديمقراطي. منذ ما يقارب الستة سنوات من عمر المُعضلة السورية فقد سعت هذه المعارضة ومجاميعها العسكرية والسياسة بشتى الوسائل، وبتوجيه وتمويل مباشر من الفاشية التركية لضرب روج آفا والشمال السوري، وغزوها ابتداء من غزوة سري كانية مروراً بشنكال وكوباني وغيرهما من مدن وبلدات روج آفا والشمال السوري، حيث بائت جميع سياساتها ومخططتها بالفشل والهزيمة النكراء على يد المقاومين في روج آفا والشمال السوري، وبالمقابل من هذه الغزوات فلم يكن المشهد السياسي ببعيد عما يدور على الأرض، فقد أقدمت المجاميع المرتهنة للسياسات التركية، وكرست كل جهدها للحيلولة دون مشاركة مكونات روج آفا والشمال السوري في أي محفل واجتماع دولي يعقد لإيجاد حل الإشكال السوري، والحيلولة دون طرح المشروع الديمقراطي الذي بناها وتبنتها جميع مكونات الشمال السوري كحل لسوريا كافة، وسبيل للحفاظ على وحدتها، والذي اثبت نجاحه ونجاعته وتحقيقه للسلم الأهلي والشراكة الحقيقية لكافة المكونات. الأمر الذي  شكل خطراً على الدكتاتوريات الإقليمية والعنصريات القوموية والطائفية المقيتة. ورغم كل هذه المخططات والسياسات العنصرية والطائفية فقد كانت إرادة الحرية والمقاومة لدى مكونات روج آفا والشمال السوري دائماً الأقوى والأكثر رسوخاً وتجدداً في المسيرة النضالية لكينونتها ووجودها، وهي طبيعة أصيلة لا يمكن أن تنكسر وتهزم وتحافظ على تطورها وتجددها، وهذا ما يؤكده النضال التحرري الذي يخوضه شعبنا في روج آفا والشمال السوري، والانتصارات التي تسطرها قوات سوريا الديمقراطية.

فالبطولات والملاحم النضالية جزءٌ لا يتجزأ من فلسفة ومبادئ هذه الحركة المقاومة، فما جرى في سري كانية وكوباني وشنكال ومنبج والآن في الرقة  وغيرها ميراث متوارث، وإرث لكافة الشعوب التواقة لحريتها

وهذا ما أجبر بالعنجهية التركية إلى العدوان المباشر على روج آفا والشمال السوري عبر جيشها ومجاميعها المرتزقة، وتغيرها لسياساتها 90 درجة، وعودتها لاتفاقياتها القديمة الجديدة مع نظام الأسد وإيران، وهذا ما أثبته العدوان الأخير على مقرات وحدات حماية الشعب والمرأة  في قرجوخ. فهدف المعتدي هو نفسه   لكن الأدوات مختلفة، ففي سري كانيه وكوباني  استخدم اردوغان جبهة النصرة وأحرار الشام و داعش وغيرهم من التنظيمات الجاهلية البربرية، وانتظر أيام وأسابيع سقوط كوباني لكنه أنصدم بإصرار المقاومين على البقاء حتى آخر نقطة دم، بعد أخر طلقة، وهذا الإصرار والمقاومة العظيمة فرضت على الرأي العام العالمي تأثيراً لم يحدث مثيله إلا في حرب فيتنام، وهذا ما دفعت أمريكا أن تعلن وقوفها إلى جانب المقاومين الإبطال في كوباني، وبدأت تدك مواقع الإرهابيين المهاجمين بالرغم من الاعتراض التركي.
والآن تستخدم تركيا جيشها وطائراتها بالإضافة إلى مرتزقتها في محاولة لتحقيق الهدف الذي هزمته مقاومة كوباني، في محاولة أخرى للقضاء على ما حققه الشعب الكردي والمكونات الأخرى الشريكة معه من إنجازات لا تروق للفاشية الإسلامية التركية، وهذا هو الاختبار الثاني والأهم والذي سيؤدي إلى تثبيت أركان المنجز الفدرالي, وسيعزز من مكانة قوات المقاومة الوطنية المدافعة عن تراب روج آفا والشمال السوري أمام الرأي العام العالمي أكثر وأكثر.
إذ  كانت حتى الآن كوباني لوحدها أسطورة المقاومة في وجه أعتى قوة إرهابية ومن خلفها داعميها، وفي مقدمتهم تركيا، فستصبح روج آفا والشمال السوري جميعها أسطورة لأنها تواجه سادس اقوي جيش في العالم، وعضو في الناتو والتحالف الدولي، ولهذا كسر شوكة العنجهية التركية على أبواب روج آفا ستكون بمثابة أهم حدث في العصر الحديث, سيتم ذكرها مع ذكر مقاومة فيتنام وكوباني لأن  الانتصار هو دائماً حليف أصحاب القناعة والإرادة والمقاومة، وهذا ما تمتلكه القوات المدافعة عن روج آفا والشمال السوري، وأثبتتها في ردها على الهجمة الهمجية للدولة التركية على كامل حدود روج آفا والشمال السوري، وتكبيد جيشها خسائر فادحة في عدتها وعتادتا، وكذلك التفاف الشعب في روج آفا  حول الـ ypj.ypg    وتوجهها بالآلاف صوب جبل قرجوخ منددين بالهجمة البربرية التركية بعد ساعات من الضربة، وكذلك المظاهرات المنددة التي عمت الدول والمدن حول العالم، وحملات المطالبة بالحماية الدولية لروج آفا، والحظر الجوي الذي أطلقه الناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي عبر الهشتاغ الذي حل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط والسادس عالمياً، كانت كفيلة بقيام أمريكا لنشر قواتها على كامل حدود روج آفا، وإفشال مخطط اردوغان في إنقاذ داعش في الرقة والطبقة التي باتت قاب قوسين وأدنى للتحرر والتحاقها بركب الفدرالية الديمقراطية للشمال السوري إن أرادت، وهذا ما أدى إلى جنون العنصرية والعنجهية التركية وهرولتها لمؤامرات استانا، والحضن الروسي الإيراني، واتفاقها مع نظام الأسد على تقسيم سوريا إلى مناطق طائفية لحماية ما تبقى من مجاميعها الإرهابية في إدلب والرقة وجرابلس والباب، كمحاولة أخيرة لضرب التجربة الديمقراطية في روج آفا والشمال السوري، وإبعادها عن أي حل للمعضلة السورية وبيعها مرة أخرى المعارضة المرتبطة بها، تماماً كما حدث في الاستانة الثانية، وتنازلها عن حلب مقابل احتلال جرابلس والباب، والحد من تقدم قوات سوريا الديمقراطية. فقد كان ثمن الاستانة الثالثة هذه المرة هي تقسيم سوريا إلى مناطق طائفية مجردة من الإرادة والكرامة، وليفسح المجال أمام النظام لتحقيق ما عجزت عنها، وذلك  بتبني الرؤية الروسية في تعويم النظام وإبقائه في سدة الحكم عبر إقامة مناطق طائفية متناغمة مع النظام، وإبعاد أي حقوق لروج آفا في سوريا مستقبلاً، وقطع الطريق أمام التحالف الدولي بقيادة أمريكا الذي تساند قوات سوريا الديمقراطية في حملة تحرير الرقة من الإرهاب، والتي رفض طلبها في المشاركة بتحرير الرقة مقابل إبعاد قوات سوريا الديمقراطية وقطع إسنادها ودعمها بالسلاح، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى موت مؤامرات الاستانة قبل ولادتها، ووأد أحلام اردوغان في إنقاذ ما تبقى من مجاميعه الإرهابية في الرقة وغيرها المتواجدين في سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى