مانشيتمقالات

الإيزيدية في كنف الأوجلانية

سليمان جعفر ــ

القائد “عبد الله أوج آلان” مناضل وثوري قرأ تاريخ العالم جيداً، وأراد أن يعيد كتابة هذا التاريخ الذي شوهته دوائر الهيمنة والجشع؛ محاولاً تجاوز السلبيات قدر الإمكان ليقينه بأنه لا حل لمشكلات الشرق الأوسط بل العالم إلا بتطبيق مشروع الأمة الديمقراطية الذي يعطي كل ذي حق حقه، ويمارس كل مكون ثقافته ولغته وعقيدته دون ضغط أو تهميش لأحد، ومن هذه المكونات، المكون الإيزيدي الذي يرفع القبعة لهذا المناضل ويفتخر بقيادته.

إن عدنا الى التاريخ لن نجد عقيدة أو مجموعة عرقية أو دين تعرَّض للظلم والاضطهاد وحملات الإبادة المنظمة كما تعرض لها الإيزيديون.

فقد كانت الإيزيدية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية الميدية، ومع سقوط هذه الإمبراطورية سنة 550 ق.م، واستلام الفرس الأخمينيين مقاليد الحكم بعد تقاعس الحكام الميديين واستهتارهم والركض خلف ملذاتهم الشخصية.

فقد كانت تلك الخطوة بمثابة الفرمان الأول ضد الإيزيدية، وتتالت الفرمانات فيما بعد ضد الإيزيديين، وعندما كان المحتل يطأ أرض كردستان؛ كان أول ما يقوم به هو محاولة إنهاء الإيزيديين عن الوجود، وكانت أقسى تلك الحملات هي الحملات العثمانية؛ حيث بلغ عددها اثنان وسبعون حملة، وكنا نجهل أسباب وغايات تلك الحملات.

في كل تلك الحملات كانت الإيزيدية في حالة الدفاع عن النفس، والتخفي ما أمكن للحفاظ على حياتهم دون أن يكون لديهم الجرأة لإظهار أي مخطوطة عن الديانة الإيزيدية.

يذكر السيد أكرم جميل باشا في كتابه المعنون (موجز تاريخ الكرد)، باللغة الكردية، أن رؤية ورقة صغيرة تتضمن تعاليم الإيزيدية أو مجرد التكلم بغير اللغة العربية؛ كانت كافية لقتل ذلك الشخص أو على الأقل قطع لسانه، لذا آثر الإيزيديون على حفظ ما يمكن حفظه من أحاديث وأدعية دينية عن ظهر قلب بعد أن اختفت كل الكتب والكتابات، حتى بات يطلق على الإيزيديين اسم: أهل علم الصدر.

الحكومات المتعاقبة على حكم سوريا بدورها لم تعترف بالديانة الإيزيدية، وقامت بتغيير ديانتهم خلسة وتسجيلهم على أنهم مسلمين، الأمر الذي سبب للإيزيديين الكثير من المنغصات والمشاكل.

بعد ظهور الأحزاب الكردية تفاءل الإيزيديون خيراً بأنهم قد يجهروا بديانتهم علناً، ولكن تبين أن هذه الأحزاب لاحول لها ولا قوة، فقد كانت الأحزاب هذه تخدع الإيزيديين قبل الاستحقاقات البرلمانية أو غيرها من الفعاليات، عسى أن يزيد من أرقام أعضائهم ومؤيديهم، ومع الأسف عندما كانت تنتهي تلك الفعاليات أو الانتخابات، كانت تلك الأحزاب تدير ظهرها للإيزيديين.

في يوم تاريخي من عام 1990 كان لي شرف اللقاء بالقائد الأممي السيد “عبد الله أوج آلان” وقال لي:

“أنتم الكُرد الأصلاء… وأنتم حاضنة اللغة والثقافة الكردية وحُماتها… حافظوا على تراثكم الذي هو التراث الكردي الأصيل، حملات الإبادة ضدكم مستمرة وستستمر لإنهاء وجودكم، وعندما تختفي الديانة الإيزيدية عن الوجود؛ لن يطول الزمن حتى تختفي اللغة الكردية بحد ذاتها. وتابع القائد يقول: نحن معكم، وسنظل معكم، فوجودكم هو استمرار لوجودنا والعكس صحيح”.

منذ ذلك التاريخ؛ تنفس الإيزيديون الصعداء، كمثل عشب رفع عنه الحجر، لقد قارن القائد أوجلان القول بالفعل، فسمح للإيزيديين بتأسيس تنظيماتهم، وبناءً على ذلك، أفرد ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين المادة 33 التي تقول: الديانة الإيزيدية ديانة قائمة بذاتها ولأتباعها وحدهم الحق في تنظيم حياتهم الاجتماعية والدينية وتشريع قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم، وسمحت الإدارة الذاتية بتعليم الطلاب الإيزيديين في مدارسها، وأخذ الإيزيديون حقهم في كل مفاصل الإدارة الذاتية.

إن ما قدمه القائد “عبد الله أوجلان” للإيزيديين لم يقدمه أحد على مر التاريخ، وسيبقى ذلك العطاء ديناً في وجدان كل ايزيدي، ولذا؛ فقد عاهد الإيزيديون بأن يناضلوا ويقاوموا جنباً إلى جنب كافة مكونات شمال وشرق سوريا ويضعوا في مقدمة برامجهم؛ تحرير القائد جسدياً وطرد المحتل التركي وتحرير كل المناطق المحتلة لعودة المهجرين قسراً إلى ديارهم بكرامة ومرفوعي الرؤوس.

ونقولها بكل فخر بأن ميلاد الإيزيدية في العصر الحديث؛ بدأ مع ميلاد القائد عبد الله أوجلان. فكل عام وأنت فخرنا وعزتنا يا قائدنا.

زر الذهاب إلى الأعلى