مقالات

الإسلام الديمقراطي

إن مصطلح أو كلمة (الإسلام الديمقراطي) عندما تَطرقُ الأسماع لأول مرة فإنها تلقى استهجاناً ورفضاً من المستمع وخصوصا أولئك الذين يصطبغون بصبغةٍ دينة, والحقيقة أن هذه الكلمة (الإسلام الديمقراطي) أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط الاجتماعية, وأرى أن ذلك يعود لعدة أسباب.

أولا: نحن كمجتمع نعيش أزمة مصطلحات, أي أننا لا نفهم المصطلحات بمعانيها التي وُضعت لها حقيقةً, ولكننا نفهمها بمعناها الاستغلالي, أي أننا نفسر ونفهم الكثير من الكلمات والمصطلحات المقدسة والموضوعة أساساً للدلالة على الأشياء الأكثر قدسية في حياة المجتمعات, حسب ما استخدمها المستغلون والطغاة والظالمون لتمرير مخططاتهم ومصالحهم, والسبب في ذلك أننا نأخذ ثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا وحتى حياتنا اليومية بجميع جوانبها من الذين هم خارج نطاق كل هذه الأشياء بالنسبة لنا, فلا نكلف أنفسنا عناء البحث عن أي شيء, حتى الأشياء اللصيقة بكل لحظة من لحظات حياتنا, فنتوكل على الإملاءات من المحيط الخارجي وعلى المسموعات لا الملموسات, حتى ديننا الذي نتعبَّد به, مع أن الواقع الذي نعيشه يشهد بأن منهجيتنا في تطبيق ديننا خاطئة, فإننا لم نتكلف عناء البحث عن الأسباب التي أوصلت الأمة الإسلامية إلى هذه المرحلة من التشرذم والتفكك والاقتتال الداخلي واحلالٍ للأموال والأعراض …..إلخ, وكل ذلك باسم الدين وتستراً تحت عباءته, لم نبحث عن معنى الإسلام والإيمان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف عاش هاتين الكلمتين حياتاً لا شعاراً وعملاً لا قولاً, فإننا نرى أنه ربط الكثير من الأعمال والأفعال بتمام الإيمان وكماله كما في قوله: ” المسلم من سَلِمَ المسلمون من يده ولسانه, والمؤمن من أمنه الناس ” و ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” وغيرها الكثير.

 تمسكنا بالقشور دون الجذور كما يقول الغزالي رحمه الله: أمة هي خُمُس العالم من حيث التعداد, تبحث عنها في حقول المعرفة فلا تجدها, في ساحات الإنتاج  فلا تجدها, في نماذج  الخُلق الزاكي, والتعاون المؤثر, والحريات المصونة, والعدالة اليانعة…. فتعود صِفر اليدين!!! بماذا شغلت نفسها ؟؟ بمباحث نظرية شاحبة, وقضايا جزئية محقورة, وانقسامات ظاهرها الدين وباطنها الهوى… واستغرقها هذا كله فلم تعط عزائم الدين شيئاً من جهدها الحار, وشعورها الصادق, فكانت الثمرات المرة أن صرنا حضارياً وخُلُقياً واجتماعياً آخر أهل الأرض في سُلّم الارتقاء البشري. ا.هـ

ثانياً: إن المقياس الحقيقي لمعرفة مستوى أي أمة من الأمم في جميع المجالات  هو: نسبة الوعي والإدراك المجتمعي والواقعية التي يعيشها ذلك المجتمع بعيداً عن الخيالية والتغني بأمجاد الآباء والأجداد والعيش في حِقبٍ الزمان الغابرة, أو محاولة العودة إلى تلك الأيام وفرض ذلك على المجتمع, هروباً من الواقع الذي يعيشه والذي لم يستطع الخوض في غماره واعتلاج عقباته أداءً للمهمة الموكلة إليه كإنسان في عمارة الأرض والارتقاء ببني الإنسان, ويعود ذلك إلى التخلف العلمي والعقلي وسدّاً للفراغ الروحي وعقدة النقص التي يعيشها وهو في معترك الحياة.

ثالثاً: ازدواجية المعايير التي نعيشها والتناقض الحياتي في مسيرتنا اليومية, لذلك فإننا نرى بوناً شاسعاً بيننا وبين عصر التشريع الأول (عهد النبوة) ونعيش فجوة عميقة إذا ما قارنّا حياتنا بحياتهم كمسلمين, فنظرة واحدة إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة عيشه وتعامله مع من حوله من المجتمعات والديانات والأعراق والأجناس كفيلة أن تكشف لنا الستار عن المسافة التي بيننا وبينه كنبيٍ وأتباع, فميثاق المدينة المنورة الذي أثبت فيه النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم الأمة الواحدة والتشاركية في الحقوق والواجبات على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم, فالجميع شركاء في الوطن وفي الدفاع عنه, وميزان العدالة الاجتماعية الذي وضعه من غير تفريق  بين أحد في الوقوف أمام العدالة مهما كانت درجة قرابته ورتبته, ويبدو ذلك جليّاً في قوله صلى الله عليه وسلم ” والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” وقوله ” سلمان  مِنَّا آل البيت ” وتعامله مع اتباع الديانات السابقة, كصلاته على النجاشي حين عَلِم بموته, ومشاركته لأصحابه في جميع أحواله ” إن الله يكره أن يرى أحدَكُم متميزاً على أقرانه ” وما كانت آية تنزل إلا كان  سبّاقاً إلى تطبيقها قبل أصحابه وغيرها الكثير من المواقف التي لا تحصى في حياته صلى الله عليه وسلم, إذاً فالعملية والواقعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيشها مع التشريع كانت مختلفة تماماً عما نراه اليوم من أحداث تجري من حولنا باسم الدين, فكل ما نراه في  حياته إنما هي نماذج من الديمقراطية التي ينشدها كل إنسان على هذه البسيطة.

زر الذهاب إلى الأعلى