تقاريرمانشيت

ألمانيا-التحالف الدولي… وملف داعش

ملف معتقلي داعش ومكافحة الإرهاب يثير قلقاً متزايداً في الأوساط الأوروبية عموماً خاصة ألمانيا والتي لها علاقات وثيقة مع تركيا الداعمة للإرهاب، هذا الملف أثار الانقسام في صفوف الساسة الأوروبيين، ويشكل معضلة للتحالف الدولي وللإدارة الذاتية الديمقراطية التي تتحمل بدورها الجزء الأكبر من هذه المعضلة خاصة وإن العديد من الدول لازالت تتنصل من التزاماتها ومسؤولياتها تجاه مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق وارتكبوا أعمالاً إجرامية؛ القسم الأكبر منهم قُتلوا خلال المعارك ومن تبقى منهم اعتقلوا وسلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية، وآخرون فرُّوا إلى تركيا والبعض منهم عادوا إلى بلدانهم.

السلطات الأوربية اعتلقت عدداً من هؤلاء العائدين بينما القسم الأكبر منهم أحرار تحت المراقبة بحسب الأجهزة الأمنية.

تشارك ألمانيا ضمن التحالف الدولي الموجه ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا والعراق من خارج سوريا، وذلك بتوفير طائرات للاستطلاع وإعادة تزويد الطائرات بالوقود، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي هذه المشاركة غير كافية بالنسبة لدولة كألمانيا، لذا طلبت منها زيادة دعمها في الحرب ضد فلول تنظيم داعش الإرهابي، وذلك بإرسال قوات برية لدعم قوات سوريا الديمقراطية القوَّة الضاربة في محاربة الإرهاب على الأرض.

وفي وقت سابق طلب جيمس جيفري، مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا والتحالف الدولي ضد داعش؛ من الحكومة الألمانية أن ترسل قوات تدريب وخبراء لوجستيين وعمال تقنيين من “البوندسفير” (الجيش الألماني).

وكان رد الحكومة الألمانية هو “أن مشاركة الجيش الألماني في الحرب على الإرهاب مخالف للدستور”.

بينما دعا هنينغ أوته المتحدث باسم شؤون الدفاع بالكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى مواصلة مشاركة سلاح الجو الألماني في التحالف الدولي في سوريا والعراق.

وذلك حسب صحيفة “بيلد أم زونتاغ” الألمانية الأسبوعية  وذلك في عددها الصادر بتاريخ (14 تموز 2019): إذ جاء فيها “يتعين على ألمانيا مواصلة مشاركتها عسكرياً في سوريا”، مؤكداً أن المشاركة الألمانية مهمة ومُجدية.

يذكر أن ساسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي دعوا أكثر من مرة لتمديد المهمة، إلا أن هذا المطلب يصطدم بمعارضة شديدة في أوساط شريكهم في الائتلاف الحاكم “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، وكان الرئيس بالنيابة للكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، رولف موتسنيش، قد أكد مؤخراً مطلب إنهاء مهمة طائرات الاستطلاع الألمانية “تورنيدو” وكذلك طائرة التزويد بالوقود لطائرات التحالف الدولي ضد “داعش” حتى يوم 31 تشرين الأول القادم.

وفي المقابل قالت زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي أنغريت كرامب ـ كارنباور، حزب المستشارة ميركل، وفيما يخص نشر قوات برية ألمانية في سوريا: “إنها قفزة كبيرة بالنسبة إلينا”؛ لكن يجب على الناس أن يدركوا في ألمانيا أن “الأمر هنا يتعلق بجزء كبير من الأمن الذاتي في ألمانيا وليس فقط ما ترغب به الولايات المتحدة”.

وهذا ما يرفضه خِيرة ساسة الحزب الخضر، مشيرين إلى إن الأمر “مخالف للقانون ولا يتوافق مع المعطيات الدستورية لتدخلات الجيش الألماني في الخارج”.

وللتنويه يشارك في الحرب على الإرهاب ثمانين بلداً تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية ومن أبرز الدول المشاركة فرنسا.

وتعول واشنطن على أوروبا لمنع عودة تنظيم “داعش” الإرهابي، أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالدرجة الأولى.

مطالبات بإعادة أبناء مقاتلي “داعش” الألمان من سوريا

لايزال ملف مواطنين ألمان قاتلوا في صفوف “داعش” في سوريا يؤرق الحكومة الألمانية. أقارب هؤلاء العناصر المعتقلين لدى الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال شرق سوريا طالبوا حكومة بلادهم بالتفاوض مع الإدارة من أجل استعادة أبنائهم( بينهم أطفال وعائلات).

وبحسب تقارير إعلامية ومعلومات منظمات حقوقية، هناك   نحو 60 عنصراً معتقلاً من “داعش” يحملون جوازات سفر ألمانية (دخلوا سوريا عبر تركيا)، فضلاً عن نحو 45 امرأة ألمانية لديهن 80 طفلاً تقريباً، وكثير من هؤلاء النساء أرامل شابات قُتل أزواجهن خلال المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش الإرهابي.

في ألمانيا حذَّرت هيئة (حماية الدستور) من مخاطر محتملة بعودة عناصر “داعش” إلى البلاد بالرغم من أن عدداً كبيراً من هؤلاء ومن بينهم عناصر “خطيرة” عادوا إلى ألمانيا، بعضهم احتجزوا وآخرون لايزالون أحراراَ، وكانت الخارجية الألمانية قد أعلنت نهاية شهر آذار/ الماضي أن برلين تدرس “بالتنسيق مع شركائها خيارات محتملة من أجل إتاحة العودة لحاملي الجنسية الألمانية “، وأضافت أنها تحاول بالإضافة إلى ذلك توصيل مساعدات طبية إلى مواطنين ألمان، لاسيما الأطفال الموجودين في مخيمات خاصة شمال شرق سوريا.

حزب الخضر المعارض في ألمانيا طالبت بدوره الحكومة الألمانية بأن تعمل  على إعادة الأطفال الذين يحملون الجنسية الألمانية إلى ألمانيا، بينما تعارض كتلة التحالف المسيحي في الحكومة هذا المطلب وحذرت الحكومة من الإسراع باتخاذ مثل هذا القرار لما له من “مخاطر أمنية لا يمكن حسابها” على حسب زعمهم.

هذا وكانت المحكمة الإدارية في برلين قد أبلغت وزارة الخارجية الألمانية بقرار }ضرورة إعادة الأطفال المنتمين لأسر قاتلت في تنظيم “داعش”{، غير أن القرار لم يدخل بعد حيز التنفيذ، وسط قلق من أن يشكل العائدون خطراً أمنياً في المستقبل على ألمانيا وفق رؤية بعض التيارات والأحزاب والشخصيات السياسية.

ونقلت مصادر إعلامية عن  مصادر مقربة من وزارة الخارجية الألمانية بتاريخ11 تموز 2019 أنَّ محكمة برلين الإدارية “تدرس” قراراً بإعادة ثلاثة أطفال من أُسر قاتلت في صفوف “داعش” مع أمهاتهم  وهم متواجدين حالياً في مخيمٍ شمال شرق سوريا، وينص قرار المحكمة الإدارية على }أن الأمهات والأطفال المنحدرين من ولاية سكسونيا السفلى يمكن إعادتهم اعتماداً على واجب الدولة بحماية مواطنيها المنصوص عليها في الدستور؛ باعتبار أن الظروف في المخيم تشكل تهديداً لحياة الأطفال{.

وقالت وسائل إعلام ألمانية إن هذه القضية قررت فيها محكمة ألمانية لأول مرة، قرار أكد أن الحماية القنصلية للمواطنين المنصوص عليها في الدستور الألماني تشمل أيضا الأسر الألمانية التي غادرت أفرادها البلاد لدعم جماعة “الدولة الإسلامية” الإرهابية.

ووفقاً لتحقيق مشترك أجرته كل من صحيفة زوددويتشه تسايتونغ وشبكتي “ان.دي.إر” و”في.دي.إير” فإن الخارجية الألمانية ترى أنه ليس من واجبها مساعدات الأمهات المعنيات أيضاً بالعودة إلى ألمانيا.

من جانبها، أوضحت كلوديا دانتشكي، مديرة الاستشارات في مركز “حياة دويتشلاند”، وهو مركز رعاية العائلات أنه “الآن لدينا حكم من محكمة ألمانية مفاده أن جمهورية ألمانيا الاتحادية ليست ملزمة باسترداد الأطفال فحسب بل أمهاتهم أيضا”. ورغم قرار إعادتهم تخشى السلطات الألمانية من أن يُشكل العائدون خطراً على أمن البلاد.

 الجدير بالذكر وبحسب مصادر إعلامية ألمانية فقد قضت المحكمة العليا في شتوتغارت في الخامس من تموز 2019 بسجن امرأة ألمانية لمدة خمسة أعوام بتهمة الانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الإرهابي. وكانت المتهمة (32 عاماً) عاشت في سوريا والعراق خلال الفترة من نهاية عام 2013 حتى آب/ عام 2017. وقد اعتقلها البوليس في منتصف عام 2018 في مدينة بادن الألمانية عقب عودتها من سوريا.

وبحسب بيانات صحيفة “الدعوى”، كانت المتهمة تروج بتمجيد الحياة في كنف “داعش” في عدة مدونات على الإنترنت، بغرض جذب أكبر عدد ممكن من الأفراد للسفر إلى مناطق  الصراع.

 الجدير بالذكر إن الحكومة الألمانية كشفت قبل ثلاثة أشهر عن أوامر اعتقال صادرة بحق مجموعة من مقاتلي تنظيم (داعش) الألمان المعتقلين في شمال شرق سوريا والذين يُقدَّر عددهم بحوالي 66 معتقلاً. حيث ذكرت وزارة الداخلية الألمانية في نيسان المنصرم  2019أن أوامر الاعتقال صادرة بحق 21 مقاتلاً من أنصار “داعش” الموجودين حالياً في قبضة “قوات سوريا الديمقراطية”. وتابعت الوزارة أن أجهزة الأمن أدرجت 19 من هؤلاء تحت تصنيف ” إسلامي خطير”.

المنتدى الدولي حول داعش في شمال شرق سوريا

شكل مصير الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وأفراد عائلاتهم المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية للإدارة الذاتية محوراً أساسياً من محاور المنتدى الدولي حول داعش، والذي انعقد في ناحية عامودا بمقاطعة قامشلو لثلاثة أيام متتالية 6-7-8 تموز الجاري 2019، وشارك في المنتدى نحو مئتي شخصية، بينهم خبراء وباحثون دوليون في مجال الإرهاب ومكافحة التطرف، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات القانونية والحقوقية ومسؤولين عن مؤسسات ومنظمات حقوقية، إلى جانب مسؤولين في الإدارة  الذاتية الديمقراطية لشمال شرق سوريا.

وكشف خلال الأيام الثلاث للمنتدى تفاصيل واقعية موثقة عن إرهاب وإجرام داعش في شمال شرق سوريا، كذلك قدم الجهة الراعية للمنتدى” مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية” ملفاً كاملاً حول معتقلي داعش وسبل مكافحة الإرهاب ومصادر التمويل والعديد من المحاور الأخرى المتعلقة بتنظيم داعش ومعتقليه ومصادر تمويله، كما كشف خلال المؤتمر وبالوثائق والثبوتيات وبحسب شهادات معتقلي داعش العلاقة الوثيقة بين تنظيم داعش والنظام التركي الذي اعتبر الراعي الأساسي لتنظيم داعش في المنطقة عموماً.

وكشف المنتدى عن وجود نحو ألف أجنبي من مقاتلي التنظيم معتقلين لدى الأجهزة الأمنية المختصة في شمال شرق سوريا. كذلك وجود نحو 13 ألفاً من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم الأجانب من نساء وأطفال في المخيمات التي تديرها الإدارة الذاتية الديمقراطية.

ويشكل هؤلاء عبئاً ثقيلاً على الإدارة الذاتية التي تكرر مطالبتها الدول الغربية وخصوصاً دول التحالف، بتحمل مسؤولياتها واستعادة مواطنيها لمحاكمتهم على أراضيها.

كما دعت الإدارة المجتمع الدولي إلى إنشاء محكمة دولية خاصة بمحاكمة معتقلي داعش في سوريا وتقديم الدعم اللازم بخصوص هذا الملف.

زر الذهاب إلى الأعلى