الأخبارمانشيت

أردوغان مروحة التفكيك والخلافات ضيقة على اتساع

إعداد : حسين فقه

يبدو أن اعتداء أردوغان وجيشه المحتل ومرتزقته الجهاديين الارهابيين على عفرين واحتلالها ـ بعد جرابلس والباب واعزااز ونفوذه على جبهة النصرة وباقي الارهابيين في ادلب ـ قد أدخلته” أردوغان ” في نشوة النصر، وكأن عفرين كانت قوة دولية استطاع أردوغان الانتصار عليها، وهذه النشوة تدفعه لزيادة الضغط في الداخل التركي في قضايا الحريات وحقوق الانسان والتضييق على الصحافة كبحاً لجماح المعارضة التي تزداد تورماً يتعاظم احتمال انفجارها كل لحظة، و هذا كله دفع بأردوغان باجراء انتخابات مبكرة استباقاً لأي متغيرات دولية قد تحبط مشروعه بل تئده للأبد، وهذه النشوة أيضاً تدفعه وفق ميثاقه الملي ليعترض على اتفاقية لوزان ومخرجاتها، وبالتالي زيادة الهوة وتعميق الصراع مع دول الجوار ما من شأنه أن يعقد المشهد في المنطقة التي ترقد على أمواج متلاطمة وتحالفات مرحلية خلبية تحكمها المصالح الآنية سواء مع الروس أو الايرانيين، وهذا ما سيدفع بتركيا أردوغان إلى المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والناتو.
ونظراً لتصعيد تركيا الثابت لترجمة سيادتها السياسية فمن المرجح أن تقدم على جملة خطوات تؤدي لنزاع أوسع مع اليونان عبر قبرص، وربما تقدم أنقرة على اجتياح واحتلال بعض الجزر اليونانية القريبة من أراضيها. وتجربتها الوجيزة في القتال داخل سوريا والعراق أسهمت في تعزيز ثقة قادتها السياسيين لاتخاذ قرار بهذا الصدد، فضلاً عن تراكم خبراتها في حربها ضد حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية.
وبوجود أردوغان رئيساً لتركيا على الرغم من ديكتاتوريته وانتهاكاته المستمرة للحريات وحقوق الإنسان وتكميمه للأفواه وانتهاكه لحرية الصحافة وعدم قبوله للانتقاد ، وتأييده لتنظيم الإخوان المسلمين والإرهاب المستتر بالدين ، كل تلك الأخطار الأردوغانية توجب على كل القوى الدولية المحبة للسلام أن تدعم مالياً وسياسياً وعسكرياً ولوجستياً كل حركة مناوئة لتركيا ” حزب العدالة والتنمية “، وهذا بالضبط ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدتها لقوات سورية الديمقراطية على إنشاء مناطق حدودية آمنة ومنع قوات الديكتاتور أردوغان من التوسع بأجندته وفرضها في سوريا.

تحالف ضد الحلف

أثبتت الأحداث الأخيرة أن تركيا هي الحليف العدو لحلف شمال الأطلسي “الناتو” وهذا ما تيقنه روسيا أيضاً تبعاً لسوء العلاقات التاريخي بين البلدين والذي تحول لعداء مع الأزمة السورية، وعاد أردوغان راضخاً للحضن الروسي وبالشروط الروسية ونظرًا للمصالح المشتركة على كل الأصعدة الإقليمية والدولية، مما دفع حلف ” الناتو ” أن يصدر بياناً مقتضبًا أكّد فيه أنّ تركيا دولة عضو في الحلف منذ العام 1952 وهي جزء من حلف شمال الأطلسي، على خلفية التقارب التركي الروسي، وهذه الحقيقة غير خاضعة للنقاش، هذا كله بعد أن ساءت العلاقات بين تركيا والكثير من دول الاتحاد الأوروبي على خلفية دعم تركيا لداعش وتزويد الفصائل الارهابية السورية بالأسلحة فضلاً عن تسليط سيف اللاجئين على رقبة أوروبا، ناهيك عن منع بعض الدول الأوروبية للمسؤولين الأتراك لتنظيم حملات دعاية انتخابية لأردوغان في بلدانها.

ترك التقارب الروسي التركي، أخيراً، علامات استفهام كثيرة، بعد تردّي العلاقات بين البلدين نحو تسعة أشهر، بعد حادث إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وهو الحدث الذي قلب الموازين في هذه العلاقات. وحول اللقاء بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، أخيرا في سان بطرسبورغ، الأمور نصاب آخر مبني على التنازلات التركية ومسح خطوطه الحمراء في سوريا في مقابل السماح الروسي لتركيا للعب الدور الذي ترسمه روسيا في سوريا ، وتوصّل الطرفان إلى اتفاقات عديدة للتعاون ، والمضي بتنفيذ مشاريع الطاقة وخطوط نقل الغاز الروسي، وبناء مفاعلات نووية لأغراض سلمية فوق الأراضي التركية، بتأثيث وتجهيز روسيين. تبعت اللقاء اجتماعات ثنائية لوفود عسكرية روسية تركية رفيعة المستوى للتوصّل إلى صيغة تفاهم، في مجال سياسة الدفاع والتعاون العسكري المشترك، والتنسيق بشأن الملف السوري، وقد تمكّنت روسيا من استثمار تراجع مستوى العلاقات والثقة ما بين تركيا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على حدّ سواء، إذ شعرت أنقرة بالعزلة وخيانة الغرب لها على ضوء ما شهدته من تبعات محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز الماضي.
ويأتي التقارب التركي الروسي في وقت شهدت فيه البلاد محاولة انقلاب فاشلة، وتوجّهت الأنظار على الفور إلى فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، ولشبكته الواسعة في دول غربية عديدة، وهدّدت أنقرة بإغراق القارة الأوروبية باللاجئين، إذا لم تسلّم الدول المعنية أنصار غولن من رجال الأعمال والفارّين من العدالة التركية، كما أدّت مطالب أنقرة بتسليم أميركا غولن إلى رفع معدّلات التوتّر بين البلدين.

أردوغان الملي في مواجهة زوربا اليوناني

شكل التدخل العسكري التركي في قبرص، 1974، نقطة تحول استراتيجية في علاقة البلدين لا زالت أصداءها ماثلة للعيان. اليونان من جانبها سحبت التزاماتها السابقة مع جارتها عقب احتلال وتقسيم الجزيرة. وجاءت محاولة الانقلاب في تركيا، 2016، لتعزز حالة الانقسام والتوتر بين البلدين خاصة لاستعداد اليونان ايواء 8 عسكريين أتراك فروا إليها عقب المحاولة الفاشلة ورفضها تسليمهم لأنقرة؛ واعتقال تركيا جنديين يونانيين ضلّا طريقهما بتهمة التجسس.
وساءت الأوضاع في الآونة الأخيرة عندما قرر سلاح الجو التركي “مضايقة” مروحية عسكرية يونانية كانت تقل رئيس وزرائها، أليكسيس تسيبراس، يرافقه رئيس هيئة أركان الدفاع الوطني، متجهة إلى جزيرة رودس في بحر إيجة، والقريبة من الشواطىء التركية. ورفض طاقم المروحية “تعليمات” المقاتلات التركية واستدعى مقاتلات يونانية على عجل مما اضطر المقاتلات التركية العدول عن الملاحقة.
سبق تلك الحادثة مقتل قائد طائرة ميراج يونانية بعد تحطمها بالقرب من جزيرة سكايروس وهي في طريق عودتها بعد اعتراضها لطائرتين تركيتين من طراز إف-16 اخترقتا المجال الجوي اليوناني.
واكب تلك العمليات تصريحات نارية من مسؤولي الطرفين: الرئيس التركي طالب بتعديل اتفاقية لوزان (1923) لضمان سيادة الجمهورية التركية؛ أتبعه تصريحات لرئيس الوزراء اليوناني قبل بضع ساعات من حادث المروحية المذكور قائلا إن بلاده تنوي الدفاع عن مبادئها “بأي طريقة تختارها .. ولن تفرط بأي حبة من أراضيها.” واضاف رئيس الوزراء تسيبراس مندداً بتركيا أن “جيراننا لا يتصرفون دائماً بطريقة تليق بحسن الجوار ..” مستدركا أنه يرسل بذلك رسالة تعاون وتعايش سلمي لأنقرة.
اتخذت اليونان جملة إجراءات لتعزيز حضورها العسكري بإعلان نائب وزير دفاعها أن بلاده في صدد الحصول على فرقاطتين فرنسيتين لمهام حراسة السواحل؛ تلاه وزير الدفاع ببضعة أيام لينفي ما صرح به نائبه، موضحاً أن رئيس الوزراء تسيبراس تحدث مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرحباً بالمساعدة في بناء فرقاطات في اليونان.
العقبة الرئيسة أمام اليونان تتمثل بتوفير الأموال في ظل أزمتها المالية الخانقة، وتراكم ديونها للاتحاد الاوروبي، وبالأخص ألمانيا. واضطرت أثينا لإرجاء شراء 20 مقاتلة حديثة أميركية من طراز أف- 35 كانت تنوي التعاقد بشأنها. بينما يوفر مخزون الطاقة في بحر إيجة فرصة مثلى لليونان لزيادة دخلها وعلى نحو عاجل، مما قد يسرع مرة أخرى في تبنيها خططاً لتحديث قواتها العسكرية.
الفصل المقبل في ثروات الطاقة مقبل على اصطفافات جديدة في الإقليم، لا سيما وأن المخزون الأكبر يقبع في أعماق مياه جزيرة قبرص، مما سيقلص اعتماد اوروبا وتركيا على الغاز الروسي. التقسيم القائم في قبرص سيضيف أبعاد الطاقة إلى الواقع السياسي المجزأ أيضاً، وينذر بتجدد القتال بين تركيا واليونان، على الرغم من تصريحات قبرصية تدعو للهدوء والسكينة. وجاء على لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة القبرصية أن بلاده “لن تقبل التدخل التركي بشؤونها واستحداث الأزمات عبر تبنيها لمفهوم حقها السيادي في استغلال ثرواتنا الطبيعية.”
تركيا تخطو بثبات نحو الإعداد لحرب مقبلة، فقد أعلنت مؤخراً عن نيتها لاستعادة مخزونها من الذهب في البنك المركزي ” الاحتياط الفيدرالي” الأميركي وتسييله في سوق اسطنبول لتبادل الأسهم. وأقدمت تركيا على خطوة مماثلة قبل بضع سنوات باستعادتها 220 طناً من الذهب من البنوك الأجنبية، من ضمنها نحو 29 طن من البنوك الأميركية.
مجمل مخزون تركيا من الذهب، وفق إحصائيات صندوق النقد الدولي، يبلغ 591 طناً قيمته الإجمالية أكثر من 23 مليار دولار؛ وبهذا تحتل تركيا المرتبة الحادية عشرة بين الدول العالمية لحجم مخزونها من الذهب.
يشار في هذا الصدد إلى تجدد اعتماد التبادلات التجارية الدولية بالذهب عوضا عن الدولار لتخطي عقبات النظام المصرفي العالمي.

سيناريوهات الصدام المقبل

نظراً لتصعيد تركيا الثابت لترجمة سيادتها السياسية فمن المرجح أن تقدم على جملة خطوات تؤدي لنزاع أوسع مع اليونان عبر قبرص، وربما تقدم أنقرة على اجتياح واحتلال بعض الجزر اليونانية القريبة من أراضيها.
تجربتها الوجيزة في القتال داخل سوريا والعراق أسهمت في تعزيز ثقة قادتها السياسيين لاتخاذ قرار بهذا الصدد، فضلاً عن تراكم خبراتها في حربها حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية.
بيد أن هذا الرهان غير مضمون النتائج نظراً للتحركات العسكرية داخل قواتها المسلحة ودخول عدد كبير من قياداتها السجن في فترات متلاحقة، على خلفية الاتهام بالاشتراك في عملية الانقلاب الفاشلة، يضاف عدد آخر من القادة العسكريين الذين فروا وطلبوا اللجوء في اليونان. للدلالة، تشير تقديرات حلف الناتو أن نحو 25% من مجموع طياري سلاح الجو يرزحون في السجون، وهي نسبة لا يجوز الاستهانة بها.
عند رسوخ تركيا على قرار احتلال جزر يونانية فالمهمة الأصعب أمامها الحفاظ على تلك الجزر أمام تصميم يوناني لا يجوز الاستخفاف به، فضلاً عما تنبؤ به خطواتها في التدخل العسكري في سوريا والعراق. العامل الكردي المسلح المناهض لأنقرة أيضاً سيضاعف من حضوره واشتباكه مع القوات التركية وفتح جبهة اضافية أو أكثر.
كذلك معادلة التوازن داخل حلف الناتو ستفرض على تركيا عاملاً إضافياً ينبغي أخذه بالحسبان، في ظل تردي علاقاتها مع معظم دول الحلف راهناً والتي قد تفعّل اتفاقية الحلف القاضية بنجدة دولة عضو تتعرض للعدوان. فرنسا مثلاً أعربت عن اصطفافها مسبقاً إلى جانب اليونان؛ ويمكننا القول أن بريطانيا والولايات المتحدة تسيران بموازاة الموقف الفرنسي، بينما أقدمت ألمانيا على فرض حظر على توريد السلاح لتركيا.
عند هذه النقطة الفاصلة، نستعيد بعضاً من أدبيات المحافظين الجدد وبعض الليبراليين الذين يتطلعون إلى تقسيم الأراضي التركية، ليس بالضرورة في المدى المنظور بل عبر تهيئة الظروف لاستنزاف تركيا وحرمانها من تبادل المعلومات الاستخبارية مقابل مشاركة اليونان بها.
من البديهي أن قرار شن الحرب من أسهل الخيارات، سواء لتركيا أو دول معادية أخرى، بيد أن الفيصل يكمن في تقليص الخسائر إلى الحد الأدنى وتوسيع مروحة الحلفاء وحشد جمهور الداخل – وهو ما يعتقد أن القيادة التركية الراهنة ليست مؤهلة بالمغامرة بها جميعاً بل تعتبر انتحاراً ذاتياً أن قررت المضي به.
في خانة الحلفاء من العسير إدراج اي دولة لجانب تركيا في ظل خلافاتها التاريخية مع كافة جيرانها: روسيا والعراق وسوريا وحتى إيران، فضلاً عن إرثها العثماني البغيض.
فهل ستغامر تركيا بما راكمته من أعداء في كافة دول الجوار وأبرز دول حلف الناتو، وأعين مخططات التفكيك في انتظارها؟

زر الذهاب إلى الأعلى