تقاريرمانشيت

ناشيونال إنترست: أردوغان من قصره يُدير ويؤجج العدوان على أرمينيا

ديفيد فيليبس: لقد أصبحت تركيا دولةً مارقةً, وتخلت منذ فترة طويلة عن الاتحاد الأوروبي، وتتجاهل الآن بصراحة مناشدات حلف الناتو.

ما الذي يمكن فعله لكبح جماح تركيا وإحلال السلام في جنوب القوقاز؟.

يعمل الرئيس التركي أردوغان بشكل مباشر على تأجيج العنف وتقويض الدبلوماسية الهادفة إلى تحقيق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا, وكانت تركيا قد أججت الصراع بين الطرفين منذ عام 1993 عندما فرضت حصاراً على أرمينيا, وأحبط أردوغان بروتوكولات عام 2009 لفتح الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا والتي تفاوض عليها دبلوماسيون أتراك، وشجع أردوغان العدوان الأذربيجاني الأخير على إقليم قراباغ عندما صرّح قائلاً:

تقف تركيا وستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان الصديقة والشقيقة بكل الوسائل في عمليتها الكبرى لتحرير قاراباغ المحتلة, وفي مواجهة الجهود التركية الأذربيجانية المشتركة ستلاقي أرمينيا نهاية غير متوقعة.

ففي ختام المناورات العسكرية المشتركة بين تركيا وأذربيجان الشهر الماضي، زودت تركيا أذربيجان بأسلحة متطورة تستخدم في المعركة الحالية, فبحسب تقريرٍ صادر عن وكالة (رويترز) ارتفعت صادرات الأسلحة التركية لأذربيجان من ما يعادل أقل من مليون دولار في تموز إلى 33 مليون دولار في  آب و 77 مليون دولار في أيلول.

والآن تشارك القوات التركية بشكل مباشر في المعركة, حيث أكّدت مصادر موثوقة وجود حوالي 150 من القوات الخاصة التركية على الخطوط الأمامية لقيادة الكتائب الأذرية, بالإضافة إلى المرتزقة الذين استأجرتهم تركيا, وتم تصوير طائرتين تركيتين من طراز F-16 في قاعدة القوات الجوية الأذربيجانية في جانجا، وأيضاً أُسقطت طائرة أرمينية من طراز Sukhoi-24 بواسطة طائرة تركية من طراز F-16 في المجال الجوي الأرميني.

وقدمت الطائرات التركية بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 الدعم الجوي الوثيق للقوات الأذربيجانية والجهاديين الذين جلبتهم تركيا.

طموحات  أردوغان باستعادة نفوذ تركيا على الأراضي التي كانت تابعة للدولة العثمانية السابقة دفعته لنشر القوات التركية في سوريا والعراق وليبيا والصومال, وكذلك نشر السفن الحربية متحدياً اليونان وقبرص وإسرائيل في شرق البحر المتوسط.

الغاية من سياسة التورط التركي في الحروب الخارجية هي لصرف الانتباه عن الاضطرابات الداخلية التركية المتزايدة, وتوفير الفرصة لخنق المعارضة التركية الناشئة عن سوء إدارة أردوغان للاقتصاد التركي, ففي عام 2002  كان سعر الدولار الأمريكي يعادل ليرتين تركيتين, أما الآن  يعادل حوالي 7,9 ليرة تركية,  وكذلك فقد حزب العدالة والتنمية شعبيته في عام 2019  وخسر الانتخابات المحلية في اسطنبول وأنقرة وإزمير ومدن أخرى.

وفي محاولة يائسة لزيادة شعبية حزبه وبالتالي شعبيته اتخذ أردوغان خطوة لتغيير قواعد اللعبة؛ تمثلت في نشر المرتزقة السوريين في القوقاز, وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان  فقد تم نقل ما لا يقل عن 1600 مرتزق سوري من سوريا ومن ليبيا إلى ناغورنو قاراباغ, وهؤلاء كانوا أعضاء بداعش والنصرة وأحرار الشام وفصائل من الجيش الوطني السوري (فصائل السلطان مراد وسليمان شاه والحمزة) المشهورة بارتكاب فظائع وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك العنف الجنسي.

بعد مقتل ثمانية عشر جندياً أرمنياً في المعارك الدائرة، قام جهاديون يرتدون الزي الأذربيجاني بالتمثيل بجثثهم, وظهروا وهم يتحدثون باللغة لعربية وهم يصفونهم بـ (خنازير ويهود), ولا يقتصر التمثيل والتشويه على جثث المقاتلين فقط, فهناك أدلة موثقة على أن القوات الخاصة المدعومة من تركيا دخلت في تشرين الأول مدينة (حدروت) الأرمنية وأعدمت أربعة مدنيين على الأقل في منازلهم, وبدورها يواصل الجيش الأذري حملة القصف العشوائي ضد الأهداف المدنية الأرمينية، مستخدماً كافة أنواع الأسلحة بما فيها القنابل العنقودية المحرمة دولياً.

 هذه الأعمال الوحشية التي أكدها وعد أردوغان بالوفاء بمهمة أجداده في القوقاز، وإشارته إلى الأرمن على أنهم (بقايا السيف)، تثبت أننا على وشك معاصرة إبادةٍ جماعيةٍ أخرى للأرمن.

سلوك تركيا العدواني هذا ليس مفاجئاً للمراقبين في المنطقة, إذ يعود دعم أنقرة للجهاديين إلى عام 2013، عندما أنشأت وكالة الاستخبارات الوطنية التركية (الميت) طريقاً جهادياً سريعاً من أورفا (في جنوب شرق تركيا) إلى الرقة عاصمة داعش آنذاك, وتم توثيق أكثر من 40 ألف مقاتل أجنبي من حوالي 100 دولة عبروا تركيا إلى سوريا, وقدمت تركيا الأسلحة والمال والدعم اللوجستي لتنظيم داعش, بالإضافة إلى الخدمات الطبية للمقاتلين الجرحى.

وقد أشار(جوبايدن) نائب الرئيس الأمريكي آنذاك في مبنى جامعة هارفارد شهر تشرين الثاني  2014 إلى هذا الأمر قائلاً:

أخبرني الرئيس أردوغان بأنهم سمحوا لكثير من الناس (المقاتلين الأجانب) بالمرور إلى سوريا, ولكنهم الآن  يحاولون إغلاق حدودهم.

بعد ذلك وعلى الرغم من تأكيدات أردوغان بمنع مرور المقاتلين إلى سوريا ووقف دعمهم، استمر دعم تركيا للجهاديين بلا توقف, وقد ارتكب وكلاؤها الجهاديون جرائم حرب ضد الكرد في شمال شرق سوريا, والآن يتم نشرهم في ناغورنو قاراباغ.

بعد اندلاع القتال في ناغورنو قاراباغ، صرّح الأمين العام لحلف الناتو (ينس ستولتنبرغ) قائلاً:

أتوقع أن تستخدم تركيا نفوذها الكبير لتهدئة التوترات.

ولكن حصل  العكس من ذلك، فقد رفضت تركيا بتحدٍ واضح دعوات الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا لوقف إطلاق النار, ولم تكتف بذلك بل تعمل تركيا خلف الكواليس لإفشال وقف إطلاق النار الأخير بوساطة موسكو.

لقد أصبحت تركيا دولةً مارقةً, وتخلت منذ فترة طويلة عن الاتحاد الأوروبي، وتتجاهل الآن بصراحة مناشدات حلف الناتو.

الناتو هو أكثر من مجرد تحالف أمني, إنه تحالف دول ذات قيم مشتركة, وتركيا في ظل ديكتاتورية أردوغان إسلامية تعادي أمريكا وتنتهك حقوق الإنسان بشكل فاضح, وإذا لم تكن تركيا عضواً في الناتو وتقدمت بطلبٍ للحصول على العضوية اليوم ، فبالتأكيد سيتم رفض طلبها بإجراءات موجزة.

ما الذي يمكن فعله لكبح جماح تركيا وإحلال السلام في جنوب القوقاز؟

أعلنت كندا هذا الأسبوع أنها أوقفت بعض مبيعات الأسلحة لتركيا بعد مزاعم باستخدام معداتها من قبل القوات الأذربيجانية, ويجب على الولايات المتحدة أن تفعل الشيء نفسه, وبالإضافة إلى ذلك فإن العقوبات مطلوبة بموجب قانون مكافحة الخصوم الأمريكيين من خلال قانون عقوبات (CATSA) لشراء تركيا صواريخ S-400 من روسيا.

ويجب أن تتوقف المساعدات الأمريكية المقدمة لباكو, والتي وصلت إلى 120 مليون دولار من الدعم العسكري على مدى العامين الماضيين, ويجب على الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على أذربيجان لمعاقبة عدوانها.

وعلى الولايات المتحدة أن تدعم بقوة وساطة مجموعة مينسك, بحيث تشمل المفاوضات ممثلين عن ناغورنو قاراباغ بصفتها طرفًاً في النزاع، كما يجب استبعاد تركيا من أي دور وساطة, فهناك حاجة إلى تدابير لمنع تركيا من تقويض جهود الوساطة للدول الأخرى.

من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب مستعدة لاتخاذ هذه الخطوات الضرورية بشكل عاجل, إذ يتمتع الرئيس دونالد ترامب بعلاقات تجارية غير شفافة مع تركيا وأذربيجان, وقد حصل على ملايين الدولارات من اتفاقيات الترخيص في تركيا بالإضافة إلى رسوم من أذربيجان, وقد يكون مديناً لتركيا وأذربيجان أو يحتاج إلى تمويل مستقبلي لخدمة ديون منظمة ترامب البالغة 400 مليون دولار, ونظراً لمتطلبات التمويل الخاصة به قد يكون ترامب غير راغب في تفضيل المصلحة الوطنية للولايات المتحدة على مصلحته المالية الشخصية, وفي النهاية فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى أن تسلك اتجاهاً جديداً لإنهاء الحرب الطاحنة في ناغورنو قاراباغ, ومنع موت المزيد من المدنيين.

ديفيد فيليبس

مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان في معهد وجامعة كولومبيا لدراسة حقوق الإنسان, عمل مستشاراً أول وخبيراً في الشؤون الخارجية لوزارة الخارجية خلال إدارات كلينتون وبوش وأوباما, وتستند هذه المقالة إلى عرضه التقديمي في كلية الحقوق بجامعة هارفارد في 12 أكتوبر 2020.

زر الذهاب إلى الأعلى