تقاريرمانشيت

عبث أردوغان والسراج.. مصلحة أم إيحاء داعش

في زيارته إلى تونس لم يخفِ الرئيس التركي نيته تزويد حكومة فايز السراج ذات المنهج الأخواني في ليبيا بالأسلحة والمقاتلين” المرتزِقة” للقضاء على قوات قائد الجيش الليبي خليفة حفتر. ولم يخفِ نظام العدالة والتنمية نواياه بالسيطرة على بنغازي التي يعتبرها قطعة أرض من الدولة العثمانية البائدة.

الأمر بدا أكثر رسمية وليضفي عليه صبغة دولية ليكسب مشروع نقل آلاف المرتزقة الجهاديين من تركيا إلى ليبيا خلال زيارة أردوغان إلى تونس في الـ 25/كانون الأول 2019 ليلتقي برئيسها المنتخب قيس سعيد الذي يبحث عن قوة دولية تسانده في الحكم ولم يجد أفضل من تركيا لما لها من بعد تاريخي في تلك المنطقة كما أنها الدولة الوحيدة التي تبحث عن مستعمرات “وفق المفهوم الحديث” بعد أن أغلقت غالبية الدول العربية والدول المطلة على المتوسط أبوابها أمام الأطماع والنوايا الاستعمارية لنظام العدالة والتنمية الحاكم.

الرئيس التركي وخلال زيارته إلى تونس طلب مشاركة تونس والجزائر وقطر أيضاً في مؤتمر برلين حول النزاع الليبي المزمع عقده مطلع 2020 بإشراف ألماني روسي بمشاركة تركية.

ويتضح هدف أردوغان من زيارة تونس من خلال الوفد المرافق له والذي ضم وزيري الخارجية والدفاع ومدير المخابرات ومستشارين أمنيين، أي أن زيارة أردوغان كان عرض عضلات أكثر مما كان زيارة اعتيادية لرؤساء دول، هذا وقد سبق زيارة أردوغان لتونس زيارة قام بها فايز السراج وقادة عدد من التنظيمات المسلحة السلفية  وبعض زعماء القبائل في ليبيا الموالين للسراج، لذا فقد جاءت زيارة أردوغان في إطار التخطيط والتنفيذ لبنود اجتماع السراج واردوغان في أنقرة نهاية شهر تشرين الثاني المنصرم .

من جهته كشف الرئيس التونسي عما ينوي أردوغان وذلك بقوله إن الاتفاق الموقع بين تركيا وليبيا والمتعلق بترسيم الحدود البحرية لا يمس تونس. في الوقت الذي أكد فيه أردوغان خلال اللقاء أن تركيا وليبيا تملكان كامل الصلاحيات لاتخاذ القرارات بشأن الاتفاقية، وتكشف الزيارة إن أردوغان يعمل على استخدام تونس كجسر جوي وبري لنقل المقاتلين الاتراك والمرتزقة الجهاديين من تركيا إلى ليبيا وليقيم قاعدة في تونس على الحدود الليبية، أما تونس فقد حصلت على تعهد من أردوغان ببناء مستشفى للأطفال.

وما إن غادر أردوغان ليبيا حتى أعلن حكومة الوفاق رسميا أنها طلبت من تركيا تدخلاً عسكرياً تركياً برياً وبحرياً وجوياً في ليبيا حسب المصادر الاعلامية الليبية المقربة من السراج، كذلك أكد رئيس مجموعة الاتصال الروسية لتسوية النزاع الداخلي الليبي، ليف دينجوف أن حكومة  الوفاق الليبية طلبت رسميًا دعمًا عسكريًا من تركيا حسب وكالة سبونتيك الروسية.

ومن جانبه أكد اردوغان على أنه تلقى الطلب وأنه سيقدم جميع أنواع الدعم للسراج ضد خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي المدعوم من مجلس النواب.

امتدت يد تركيا في الأشهر الأخيرة مرة أخرى إلى العمق الليبي، في محاولة للعبث بأمن البلاد من خلال دعم الميليشيات الإرهابية بالسلاح، وهو ما دفع الجيش الوطني الليبي إلى تحذير أنقرة من تداعيات ردع محتملة وخيارات محاسبة عدة.

وتتحمل تركيا جانباً كبيراً من الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ سنوات، بسبب استمرار تزويدها للميليشيات المسلحة المتشددة بالأسلحة والذخائر، كان آخرها ضبط باخرة تركية محملة بالأسلحة في ميناء مصراتة غربي البلاد في شهر يناير الماضي.

من جانب آخر، تحتضن تركيا أهم رؤوس الإرهاب في ليبيا، وأبرز المطلوبين من قبل القضاء الليبي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي، كما تأوي عدداً من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار مشبوهة في قيادة الفوضى بليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

التدخل التركي في ليبيا تنوع بين التمويل والاحتضان والإيواء والحماية للجماعات الإرهابية، ومنها جماعة الإخوان خاصة، والسبب هو نزعة الهيمنة والنفوذ التركي التي تنطلق من التطلع لاستعادة الإمبراطورية العثمانية الثانية، التي تقاطعت مع مشروع الخلافة الإخواني، ما جعلهما حليفين، يستخدم أحدهما الآخر.

استطاع النظام التركي برئاسة أردوغان الأب الروحي لتنظيم إخوان المسلمين في العالم أن يتسلل إلى داخل العديد من دول المنطقة مستفيداً من الصراعات والتناحر بين أقطابه وبرز ذلك بشدة مع رياح التغيرات والأزمات السياسية التي اجتاحت المنطقة مع بداية الألفية الثالثة باحثاً عن مكانٍ للتموضع ليعيد ترسيم خرائط أجداه الغزاة الذين تسلطوا باسم الدين على المنطقة برمتها من الأطلسي غرباً إلى العراق شرقاً ومن السودان جنوباً إلى أواسط أوروبا الشرقية شمالاً، وعلى مدى أربعة قرون غلب عليها طابع الحرب والصراع فالدولة العثمانية الدموية لم تكن دولة استقرار وازدهار بقدر ما كانت دولة حرب واستعمار. ما يزيد عن أربعمائة سنة من الحرب والصراعات على المستويين الداخلي والخارجي بدون أي انجازٍ يذكر على الصعيد الانساني أو الحضاري، ولمن يبحث عن الحقيقة يكفي أن يقرأ عن تاريخ الثورات الداخلية التي واجهت الاستبداد العثماني.

ففي الوقت الذي اعتمد السلاطين العثمانيين على المرتزقة وقطاعي الطرق وشراء الذمم وأسرى الحروب في الغزوات والحروب و “تأديب” شعوب المنطقة الثائرة يتابع سلطان العثمانية الجديدة السياسة ذاتها في التعامل مع أزمات المنطقة بعيداً عن مفهوم المصالح بين الدول فما يقوم به أردوغان على الصعيد الداخلي والخارجي لا يتعلق بمصالح دولة أو حزب فقط وإنما مرده ذهنية الاستعمار والتسلط ، فمنذ صعوده لسدة الحكم  حاول أن يكون السلطان الوصي والودود للشعوب وللأنظمة فتقرب من العرب والكرد وأكثَرَ من الوعود لدرجة ظنَّ الجميعُ بأنه المنقذ والمغيّر  للشرق الأوسط، لكن خطواته الأولى كشفت عن نواياه الدفينة التي تسبق زياراته ولقاءاته وخطابته والحالة  تصاعدت خاصة بعد أن أصبح راعي الإرهاب والإرهابيين في العالم مع أول عاصفة ضربت المنطقة.

لكن وكغيره من المهوسين بالسلطة لم تفلح محاولاته في السيطرة على العالم العربي ففشل في مصر وفي الامارات والسعودية والسودان  ودول المغرب وحتى في أوربا الشرقية لا بل فشل حتى في لبنان وفلسطين وسوريا، واليوم يتوجه إلى ليبيا عسى أن يجد ضالته في رئيس حكومة الوفاق فايز السَرَّاج الذي يبحث عن داعم وممول له. فهل سينجح أردوغان بإيجاد موطئ قدم له ولمجاميعه الإرهابية في ليبيا التي تشهد تنافس دولياً على الغاز والنفط الذي يبحث عنه أردوغان بعد أن فشل تجربته مع مصر واليونان.

بسلوكه الفاضح لم يعد موضع ثقة بين الدول وحتى بين أقرب المقربين إليه فالأطماع الأردوغانية لا تتوقف عند حدٍّ معين، فشروعه في التخطيط وتنفيذ الأعمال العدوانية والتخريبية في سوريا ولبنان والعراق وحوض المتوسط أفقده الثقة به في ليبيا وتونس والجزائر، وما المظاهرات الرافضة للتواجد التركي في هذه البلدان على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلا دليلٌ على مدى فقدان النظام الإردوغاني للمصداقية والموثوقية، والتي كان يحظى بها خلال الفترة الأولى من تسلمه للحكم في تركيا.

أردوغان المشهود له بالدعم المباشر والممول المعروف للمجموعات الإرهابية التي كانت تمهد للمشروع الأردوغاني  الإخواني السلفي بات مغلوباً على أمره هو وجماعاته المرتزقة الذين حوصروا في اسطنبول وعلى الحدود مع سوريا أو في بعض الجيوب في بقية الدول، وهم ملاحقون من قبل كل التيارات الوطنية، خاصة بعد انهيار مشروع  الإخوان في مصر تموز 2013 ومن ثم في سوريا وتونس ولبنان والعراق، ليبقى أمامه ليبيا التي لم تحدد فيها ملامح القوى المنتصرة بعد، وهذا ما يحاول أردوغان وعبر فايز السراج والمجموعات السلفية التي تقف إلى جانبه أن يحققه في ليبيا بأن تكون ليبيا قاعدة لسياسة أردوغان وللمجموعات الإرهابية، كأدنى سقف لمصالح أردوغان في أفريقيا الشمالية.

من هنا يلعب أردوغان اليوم لعبة إمكانية إحياء المشروع ”الإخواني” المحتضر من خلال قرصنة جديدة تصل إلى الشواطئ الليبية وهذا الأمر وضع محل التنفيذ بعد توقيع تقاسم الحدود البحرية مع حكومة ”الوفاق” التي تقوم سلطتها على جزء محدود من ليبيا بما فيها طرابلس التي لم تستقر لحكمها بالأصل وتشهد موجات من القتال العنيف بين الحين والآخر.

فاتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا يضمن لتركيا نصيباً من موارد الغاز الطبيعي تحت مياه البحر المتوسط. أما المذكرة الثانية فتتعلق بإرسال قوات تركية إلى ليبيا.

 ويعتبر بعض المحليين إن الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الوطني غير مفاجئ، لأن تركيا لديها تاريخ طويل في دعم الحركات السلفية، وإن المصلحة التركية في ليبيا تقوم على جني الفوائد الأيديولوجية والجيوسياسية معاً، إذ يسعى زعيم الإخوان الجديد إلى انتهاز حالة النزاع الداخلي في ليبيا ووجود أكثر من حكومة، لا تمتلك أي منها المشروعية الكاملة الكفيلة بتوقيع اتفاقيات باسم الشعب الليبي، فتم توقيع اتفاق هو أقرب لعقود الإذعان، حيث يتم التخلي عن جزء من ثروات الوطن بما ينتهك السيادة الوطنية مقابل دعم عسكري موعود يبقي ليبيا في بؤرة النيران.

 ومن هنا فقد فجرت أطماع أردوغان صراعات كثيرة في المنطقة وإن أنقرة وجدت نفسها في وضع صعب وسط الأزمات المتفاقمة

وفي هذا السياق يقول سونر جاغابتاي مؤلف كتاب (امبراطورية أردوغان): ”إن تركيا تنظر إلى ليبيا كنقطة جوهرية في سياستها الخارجية التركية، حيث تعتبرها ـ  مسرحاً تستخدمه تركيا لمنافسة خصومها القدامى (اليونان) والجدد (ومن بينهم مصر) فيما أصبحت ”حكومة الوفاق” الليبية تعتمد بشكل متزايد على أنقرة لأسباب عسكرية، حيث إن أنقرة هي تقريباً حليفها الوحيد.

وفي تقريرٍ له وفي السياق ذاته يقول: “تنبع سياسة أنقرة تجاه ليبيا من عزلتها في شرق البحر المتوسط، والتي تفاقمت تدريجياً منذ انهيار العلاقات التركية ـ الإسرائيلية في عام 2010، وسوء تقدير سياسة أردوغان الإقليمية خلال ما سميت  بثورات ”الربيع العربي”.

هدف أردوغان من الاتفاق مع حكومة السراج تحمل الكثير منها ما وردناه خلال هذا المقال وأخرى تتعلق بشرعنة تسليح المجموعات الارهابية في ليبيا ونقل المجموعات المرتزقة الارهابية السورية من تركيا لدعم حكومة السراج وبالتالي نقل معركته وأزماته إلى  الأراضي الليبية ومحاولة الثأر من مصر والرئاسة المصرية التي قضت على أحلام أردوغان في المنطقة العربية.

 من المؤكد إن التقارب الحاصل بين السراج وأردوغان  قد خلق واقعاً إقليمياً جديداً وهو يحمل بين ثناياه بوادر تصعيد للصراع أو ديمومة له، في منطقة مثقلة بالنزاعات والانقسامات والتدخلات، وفيما يتعلق بالنجاح الذي يهدف إليه أردوغان فاعتقد إن مصيره كمصير نجاحه في سوريا المزيد من القتل والإرهاب وتصدير للأزمات.

دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى