الأخبارمانشيت

15 أيلول.. الهجوم الأسود على كوباني وتغير موازين القوى

انتصار المقاومة في كوباني ميلاد جديد لشعوب الشمال السوري

أحدث انتصار المقاومة في كوباني وإلحاق أولى الهزائم فيها بمرتزقة داعش تغييراً في توزان القوى على الأراضي السورية والعراقية، وأجبر الكثيرين على إعادة الحسابات السياسية والعسكرية من جديد، علاوة على أن كوباني أصبحت منطلقاً لتحرير مدن الشمال السوري وبداية لنهاية داعش، وبذلك يكون الانتصار في معركة كوباني ميلاداً بالنسبة لشعوب المنطقة.

سنسلط الضوء في ملفنا هذا على تداعيات انتصار معركة كوباني التي بدأت في الـ15 من تموز/ يوليو عام 2014 وانتهت بانتصار وحدات حماية الشعب والمرأة على حساب مرتزقة داعش في الـ 26 من كانون الثاني/يناير عام 2015، أي بعد 134 يوماً من المقاومة الاسطورية.

فلا شك بأن مقاومة كوباني وانتصارها شكلت تغييراً جذرياً في المشهد السوري وكذلك في عمليات مكافحة مرتزقة داعش التي أيقن العالم أجمع بأنها تشكل خطراً عليه.

كوباني نقطة الانطلاق لتحرير مراكز التخطيط الهجومي لمرتزقة داعش

الـ26 من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2014 تاريخ تحرير مدينة كوباني، لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتباره من اللحظات العابرة التي من الممكن تلافيها بسهولة، لأن ذلك التاريخ شكل منعطفاً حاسماً على درب رسم ملامح جديدة للأوضاع السورية.

بعد الإعلان عن تحرير كوباني، لم تتوقف العمليات العسكرية حتى طالت قرى المقاطعة، وبينما تواصلت العمليات كانت القرية تلوَ الأخرى تتحرر في الجبهات الثلاثة للقتال (الجنوبية، الشرقية والغربية).

بعد أشهر قليلة تمكنت وحدات حماية الشعب من تحرير جميع قرى كوباني التي احتلتها مرتزقة داعش إبان شنها الحملة العسكرية الهادفة إلى السيطرة على كوباني، وباتت وحدات حماية الشعب تقف على مشارف المراكز التي شنت منها داعش الهجمات العسكرية على مدينة كوباني.

تحرير بلدة الشيوخ

بلدة الشيوخ هي إحدى البلدات التي تتبع إدارياً لمدينة كوباني، وتبعد عنها بنحو 30 كيلو متراً من جهة الغرب، يتشارك السكن فيها أبناء المكونين العربي والكردي، وهي منطقة تعرف بوفرة مياهها نظراً لوقوعها على ضفاف نهر الفرات الشرقية، وهي تقابل مدينة جرابلس وتبعد عن الحدود التركية مسافة 13 كيلو متراً.

كانت بلدة الشيوخ الفوقانية والتحتانية مركزاً أساسياً تنطلق منه هجمات داعش على الجبهة الغربية من كوباني، لذلك فإن السيطرة على البلدة كانت تعني سقوط مركز من مراكز التخطيط الهجومي للمرتزقة.

بعد أقل من شهرين على تحرير مدينة كوباني، تمكنت وحدات حماية الشعب والمرأة في الـ 6 من شهر آذار/ مارس عام 2015 من تحرير بلدة الشيوخ تحتاني بالكامل.

وعقبها تحرير قرية الشيوخ فوقاني والقرى القريبة منها، لتعلن وحدات حماية الشعب بعد يوم من ذلك تحرير كامل الريف الغربي من مرتزقة داعش ووصول مقاتليها إلى ضفاف نهر الفرات الشرقية التي تبعد عن مركز مدينة كوباني مسافة 30 كم.

تحرير كري سبي / تل أبيض والربط بين كوباني والجزيرة

استمرت المعارك بوتيرة عنيفة بين وحدات حماية الشعب والمرأة ومرتزقة داعش في قرى كوباني، فبعد تحرير كامل الريف الغربي ومعظم القرى الجنوبية، كانت المعارك ما تزال متواصلة لتحرير الريف الشرقي للمدينة.

الريف الشرقي للمدينة كان الأوسع جغرافياً، لذلك السيطرة عليه كانت تتطلب المزيد من الوقت والقوة.

وبينما كانت الوحدات تمضي قدماً بتحرير القرى التي تفصل مدينة كوباني عن كري سبي شرقاً، أطلقت وحدات حماية الشعب في الـ 6 من شهر أيار/مايو عام 2015 حملة عسكرية تحت اسم “حملة الشهيد روبار قامشلو” بهدف تحرير الريف الغربي لمقاطعة الجزيرة وربط مقاطعتي كوباني والجزيرة ببعضهما.

الحملة تضمنت تحرير جبل كزوان “عبد العزيز” ثم منطقة تل تمر وريف سريه كانيه، ومن ثم تحرير بلدتي مبروكة وسلوك بشكل كامل خلال فترة زمنية قصيرة جداً.

وفي الـ 15 من حزيران/ يونيو 2015 حررت الوحدات مدينة كري سبي/ تل ابيض الواقعة على بعد 60 كيلو متراً شرقي مدينة كوباني، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة كونها أحد أهم معاقل المرتزقة في الشمال وبوابته إلى تركيا، وفتحت بذلك الطريق بين مقاطعتي الجزيرة وكوباني.

تحرير عين عيسى

وفي إطار حملة القيادي روبار قامشلو، تمكنت وحدات حماية الشعب والمرأة في الـ22 من شهر حزيران / يونيو عام 2015 من تحرير بلدة عين عيسى الواقعة على بعد 70 كيلو متراً عن كوباني من الناحية الجنوب شرقية ومقر اللواء 93 القريب، والذي استحوذت فيه المرتزقة على كميات كبيرة من الأسلحة واستخدمتها في الحملة العسكرية على كوباني.

ومع تحرير عين عيسى، سقط المعقل الثالث للمرتزقة بعد كري سبي/ تل أبيض والشيوخ.

تحرير بلدة صرين

بلدة صرين الواقعة على بعد 45 كيلو متراً جنوب مدينة كوباني، كانت هي أيضاً من إحدى المراكز الأساسية التي اتخذتها داعش كنقطة انطلاق في شن الهجمات على القرى الجنوبية لمدينة كوباني.

كما أن داعش انطلقت من بلدة صرين عندما ارتكبت مجزرة الـ 25 من حزيران / يونيو في قرية برخ باتان ومدينة كوباني عام 2015 والتي راح ضحيتها 233 مدنياً من أبناء المقاطعة.

وفي عملية عسكرية واسعة نفذتها وحدات حماية الشعب، تمكنت من تحرير البلدة في الـ 27 من شهر تموز/ يوليو عام 2015.

تحرير سد تشرين ومنبج

وتتالت الانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب والمرأة ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية التي تشكلت في 15 تشرين الأول 2015 بهدف أساسي وهو تحرير الأراضي السورية من الجماعات الإرهابية وعلى رأسها مرتزقة داعش.

وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر وحدات حماية الشعب والمرأة قوة أساسية فيها من تحرير سد تشرين في الـ 26 من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2015، وحققت بذلك انتصاراً كبيراً آخر أضيف إلى سلسلة الانتصارات التي حققتها القوات قبل ذلك.

واستمرت على ذلك المنوال؛ التقدم على وقع الانتصار في كوباني، حملات تحرير المدن والمناطق المجاورة لمدينة كوباني والخاضعة لاحتلال داعش، حتى توجهت قوات مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية انطلاقاً من سد تشرين صوب مدينة منبج لتحريرها من المرتزقة.

حيث تمكنت القوات في الـ 12 من آب / اغسطس عام 2016 وبعد 75 يوماً من المعارك المتواصلة من تحرير مدينة منبج ذات الأهمية الاستراتيجية كونها كانت مركز تخطيط عملياتي للأجانب، ومنها نفذت العديد من الهجمات في دول الغرب.

من كوباني إلى الرقة .. كوباني شكلت نقطة البداية نحو إنهاء داعش

حقيقة أن انتصار معركة كوباني التي كانت الهزيمة الأولى لمرتزقة داعش على الإطلاق، وبدء معركة الرقة وانحسار نفوذ المرتزقة في كل من سوريا والعراق واقع لا مهرب من ذكره.

فقد كان انتصار معركة كوباني نقطة بداية لدحر المرتزقة وسقوط معاقله واحدة تلو الأخرى، وعليه فإن معركة كوباني وانتصارها هيأ الأرضية لبدء معركة الرقة المعقل الأساسي للمرتزقة في سوريا، وكذلك مدينة الموصل وجميع معاقل المرتزقة في سوريا والعراق.

ففي الـ 6 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن إطلاق حملة “غضب الفرات” لتحرير ريف مدينة الرقة، واستمرت المعركة على شكل عدة مراحل، كانت أربع وانتهت بالوصول إلى مشارف المدينة بعد تحرير المئات من القرى والعديد من البلدة (الجرنية، الكرامة، تل السمن، المنصورة، مدينة الطبقة وسد الفرات).

وفي الـ 6 من حزيران/ يونيو عام 2017، أعلنت القوات ذاتها عن بدء عمليات تحرير أحياء مدينة الرقة من داعش، وإلى يومنا هذا تتواصل الحملة وقد حررت القوات 70 بالمئة من مساحة المدينة.

ويتوقع المراقبون أن ينتهي القتال في الرقة مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لكن المعارك بالرغم من ذلك لم تنتهي بعد والقتال ما يزال على أشده داخل أسوار المدينة.

الانتصار في كوباني ميلاد لشعوب الشمال السوري

لا يخفى على أحد ما فرضته مرتزقة داعش من تعاليم قاسية وشديدة على كل المناطق التي كانت تسيطر عليها، لذلك فإن مستويات المعاناة في تلك المناطق كانت قد بلغت ذروتها، والخلاص من داعش تلك القوة التي اعتقد الجميع بأنها لن تهزم كان حلماً بالنسبة لكل مدني عاش تحت سيطرة المرتزقة.

لكن ومع تحرير القرية، البلدة، المدينة والمنطقة تلو الأخرى، أشرقت شمس جديدة لأبناء مدن الشمال السوري الذين تحرروا بفضل انتصار مقاومة كوباني التي انطلقت منها وبروحها عمليات تحرير مدن الشمال السوري بدءً من تل أبيض، عين عيسى، منبج وحتى الرقة.

زر الذهاب إلى الأعلى