المجتمع

وسائل الاتصال الاجتماعي بين النعمة والنقمة

اقتحم كلَّ بيتٍ دون استئذان. إن أغلقتَ البابَ في وجهه دخل من الشباك. استقبله الصغيرُ قبل الكبير والفقير قبل الغني. إنه هاتفٌ في حجم يدك أو أصغر يمكّنك من طواف العالم في أقل من ثوان معدودة وينقل إليك أخبارَ شتى بقاع الأرض إن أردت ذلك، ويجعلك دائماً على تواصل مع أصدقائك وأقاربك مهما بعدت المسافاتُ وذلك من دون الحاجة إلى مكالمات دولية. وهكذا نجد أن تكنولوجيا الهواتف النقالة التي تركت بصمة واضحة في حياتنا الأسرية هل سرقتنا من بعضنا البعض! لا ننكر أن الهاتف وشبكة الإنترنت تقدم فوائداً لا تعدّ ولا تحصى للعائلات، ويزداد كل يوم استخدام الناس لها وخاصة ذوو الأعمار المتوسطة منها الشبابية والمراهقين، فلهذا تقع مسؤولية كبيرة على الأهل للعب دور مهم وفعّال في توعية ومراقبة أطفالهم منذ اللحظة الأولى التي يكتشفون فيها التكنولوجيا، لذلك على كل من يهمه مستقبل الأجيال من مرشد ومدرس وحتى الخبير في مجال الإنترنت وهذه الهواتف النقالة أن يعمل على توطيد العلاقة وروابط الثقة بين الأهل وأطفالهم عبر الحوار الدائم والمنفتح فيما بينهم، ولنرى هل سيطرت هذه الوسائل على عقولنا وأوقاتنا إلى درجة أنها أصابت الأزواج والزوجات والأبناء بحالة من الخرس والتشتت الأسري وكم أثارت غيرة الأزواج لدى ملاحظة أحدهم للآخر وخاصة الزوج للزوجة عندما تتواصل مع أشخاص غرباء وتفتخر بكثرة إعجابات  التي تلقتها. كما وجعلت الأبناء يعيشون حالة من الإنزواء وهم منكبون على كتابة الرسائل أو تلقيها. وبالنسبة لاستخدام المرأة للهواتف جعلتها تنشغل عن الاهتمام بشؤون المنزل وعن أطفالها واصطحاب الجوال إلى المطبخ ومتابعة الحديث على الواتس آب، بل مرافقته حتى إلى غرفة النوم. فأصبح الإدمان على الإنترنت والهواتف شيئاً غير معقول. فأول ما يفعله الشخص عند الاستيقاظ من النوم هو تصفح هاتفه أو الدخول على الإنترنت، كما أنّ الإدمانَ على الإنترنت يولّد الكسلَ ويضعف قدرة الفرد على التخيّل، حيث يعتاد الشخص على استهلاك المنتجات الخيالية الجاهزة وبالتالي تظهر لدينا أدمغة كسولة لا تعمل وينشأ جيلٌ من الأطفال أصحاب ذكاء منطقي مرتفع وذكاء اجتماعي منخفض. وبالتالي ضعف الروابط والتواصل الاجتماعي وانحلال ما يسمى بصلة الرحم، كما ويؤدي إلى احتمالية إصابة مستخدميها بالزهايمر، فهنا الأهل يحتارون فيما إذا منعوا أطفالهم من استخدام الإنترنت أم توفيرها لهم، ربما الأصحّ ألا يمنعوا أطفالهم تماماً من التواصل مع الأجهزة لأن الجهل بردة فعل الأطفال لها عواقب وخيمة. لهذا قامت صحيفة الاتحاد الديمقراطي باستطلاع حول آراء نخبة من المواطنين حول كيفية استخدام وسائل الاتصال هذه التي دخلت كافة البيوت دون استئذان

إرشاد الطلاب وذويهم

رضوان محمود مرشد نفسي في مدرسة ابن النفيس للبنين بقامشلو تحدث للصحيفة: لا ننكر أهمية وسائل الاتصال وفوائدها، و ليس من الخطأ أن يقضي الأطفال بعض الوقت على الإنترنت بغرض البحث عن معلومات تعليمة أو اللعب أو الدردشة مع الأصدقاء أو زيارة الصفحات، إلا أن ذلك قد يجلب الكثير من المتاعب للأسرة في أغلب الأحيان، خصوصاً عند إهمال الأهل وعدم متابعتهم لأطفالهم بضرورة عدم الدخول والتعمق في مواضيع الإنترنت وحتى الابتعاد عن الألعاب غير المناسبة، وبذلك يحاول أن يحمي أطفاله من تهديدات الإنترنت بأسلوب سلس ومرن، بشكل يحاول إقناع ابنه أو ابنته وبقية أفراد أسرته بحيث يكونون هم أنفسهم محل ثقة لآبائهم، وكذلك يجب الاعتبار في إن إرسال الصور أو نشر تفاصيل قد تصل إلى أشخاص بعيدين عن التربية والأخلاق والذين من الممكن أن يستخدموا هذه المعلومات لأغراض شخصية وخاصة للوصول إلى أغراض غير شريفة وغير أخلاقية وبعيدة عن النزاهة من خلال الابتزاز أو التهديد. وأكثر شريحة عليها الحذر من هذا الموضوع هي شريحة الفتيات المراهقات اللواتي يجب أن يحذرن من الوقوع في مشاكل هنّ بغنى عنها فيندمن كثيراً حيث لا ينفع الندم. كما أكد رضوان محمود على ضرورة الإحساس بالمسؤولية تجاه طلابنا، فمن الواجب إرشادهم بل وإرشاد ذويهم لأنهم بمثابة أبنائنا وبالتالي للمساهمة في وضع الأسس الصحيحة للتعرف على المخاطر والجرائم ومكافحتها والحد منها قدر الإمكان من أجل المحافظة على أولادنا فلذات أكبادنا

الهواتف النقالة تُضعف الروابطَ الاجتماعية      

ريحان عبدو، إدارية في هيئة التربية والتعليم بمقاطعة الجزيرة وأم لأولاد، أفادت للصحيفة أن الهاتف الذكي اختراع عبقري يلبي حاجات الكثير دون التقيد بالجلوس أمام الكمبيوتر، وخير مثال على ذلك استخدام المرأة للهواتف الذكية إلى درجة جعلتها تنشغل عن الاهتمام بشؤون المنزل وعن احتياجات أولادها، فهو أيضاً رغم مميزاته في سهولة التواصل الحي بين الأصدقاء أو بين المستخدم وأهله ويقصر بين المسافات في أي مكان وليس التقييد بالحديث في وقت معين في المنزل حتى ينتظر برنامج بل يتواصل مع أهله في حال مرضهم ويطمئن عنه عن طريق السكايب والواتس آب ويكتفي بذلك بدلاً من زيارة المريض لا بل قد يكون قد إطمأن عن مجموعة من المرضى في وقت واحد، وبالتالي يعزل الفرد نفسه عن محيطة والانطواء على ذاته ويجعله غير آبه بما يجري من حوله. فرغم إيجابيات التكنولوجيا الحديثة غير أنّ سلبياتها أكثر لدرجة أنك لو سألت أحداً هل  فلان من أقاربك اصابه مكروه أو توفي يكون أفضل له من أن تقول بأن شبكة الإنترنت أصابها عطل أو أن هاتفه قد تعطل.

 على المثقفين ومنظمات المجتمع المدني نشر الوعي

شفين محمد، معلمة في إحدى مدارس قرى جنوب التابعة لتل حميس وربة منزل قالت: نعلم أن التكنولوجيا ووسائل الاتصال اخترعت في سبيل تطوير وتقدم حياة الإنسان، لكنّ استخدام هذه الوسائل يحتاج إلى عقلية وذهنية واعية مدركة للواقع ولتطوره، فالتكنولوجيا بكل وسائلها سلاح ذو حدين بالنسبة لنا، فالكثير من المشاكل حدثت داخل الأسر نتيجة الاستخدام غير الراشد لوسائل الاتصال مثل ( الفيسبوك والواتس آب ) وغير ذلك من هذه الوسائل التي يجب استخدامها لسهولة التواصل الاجتماعي بين الأفراد، وإن استخدام الأطفال وصغار العمر لهذه الوسائل سيلهيهم عن واجباتهم المنزلية والمدرسية وسيميلون إلى التوحّد، عدا عن انقطاعهم عن وسطهم الاجتماعي والأسري، أما فيما يتعلق بربات المنزل حيث أصبح شائعاً بينهم استخدام الواتس آب في كل الظروف، وهذه ولدت مشاكل بين الزوج والزوجة التي أصبحت تهمل واجباتها تجاه زوجها وأطفالها في سبيل الحديث مع رفيقاتها، فكل وقتها أصبح لجهاز الموبايل وهذا ما أثر بالفعل على العلاقة الأسرية بشكل عام وزاد من وتيرة الاحتقان، وصار من أحد أسباب الطلاق بين الزوجين في الوقت الراهن، لذا أصبحت مشكلة مجتمعية تؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية والحديث عن الحل لهذه المشكلة بحاجة إلى توضيح شامل لهذه المشكلة، والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الطبقة المثقفة ومنظمات المجتمع المدني في نشر الوعي. كما يجب أن تُطرح هذه المشكلة في المناهج التربوية ورغم ذلك فإن المسؤولية تقع على الأم والأب  والأسرة التي تعتبر الخلية الأولى في المجتمع وإبراز دورها الفعال في التنشئة و التربية والتعليم.

الهاتف ضرورة ماسة إن حَسُنَ استخدامه  

 رياض يوسف: إعلامي في صحيفة الاتحاد الديمقراطي:

مع تطور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، ومع إمكانية شراء واستعمال الهواتف النقالة من قبل الصغار والكبار في العمر، بتنا نفقد طعم الاجتماع الأسري والتسلية الأسرية، بتنا نفتقد إلى تلك الليالي التي كنا نجتمع مع بعض أصدقائنا أو أفراد الأسرة، لنتبادل الأحاديث في مواضيع وأمور حياتية مختلفة، نشعر ببعض، نتقاسم الحزن والفرح والمآسي إن وجدت، طبعاً لا يعرف هذه الحالة السلبية لهذه التقنيات، ولن يشعر بها إلا من بلغ العقد الثاني من العمر، كونها حديثة الولادة، فقد بات الهاتف النقال مسيطراً على حياة الغالبية القصوى من أفراد كل أسرة في الشرق الأوسط إن لم يكن العالم، صحيح أن له من الايجابيات ما لا يحصى، ولكن الكثير الكثير منا بات الهاتف النقال يشغل الحيز الكبير من حياته اليومية، ويبعده عن المجتمع المحيط به في الحي وفي البيت نفسه، الحيز الذي يجعله يُقَصِّرُ في حياته الاجتماعية، في واجباته وفروضه، بات الشغل الشاغل له، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المرئية والأفلام والمسلسلات المدبلجة التركية والهندية التي سطت على عقول الكبار قبل الصغار، بتنا بحاجة إلى تلك الليالي الشتوية الطويلة التي لا تكاد تخلو من الضحك والعفوية ونقاش مشاكل الغير وهمومه.

بات من الضروري وضع لافتة على باب كل منزل يكتب عليها “ممنوع إدخال الهاتف معك” أو “ممنوع استخدام الهاتف داخل المنزل”، كون الهاتف بات اللعبة والعلم والأصدقاء الوهميين والتسلية ووسيلة العمل الأساسية، وباتت بمثابة مرضٍ يهدد عرش العلاقات الاجتماعية، حتى وإن كنت ضيفاً في أول زيارةٍ لك لبيت تكاد تعرفهم فإنك لن تتردد في اخراج هاتفك واللعب به والابتعاد عن أجواء مستضيفك، كذلك وضع ضيوفك الذين تنتظرهم حتى الانتهاء من هواتفهم لتستطيع التحدث إليهم والسؤال عن وضعهم” هذا إن صح لك السؤال!.

والمضحك المبكي أنك إذا فقدت هاتفك لبرهةٍ من الزمن، ووضعته في مكان لتعود إليه بعد وجبة الغداء، أو بعد التخلص من أخذ حمام قصير، فكأنك فقدت كل ما تملك، ويرتفع مستوى الأدرينالين في جسمك، ويرتفع ضغط دمك، وتبدأ بالصراخ دون أي سببٍ مقنع، حتى تتمكن من إيجاد هذا الهاتف فتعود إلى طبيعتك خلال أجزاء من الثانية، وتعود كل مؤشرات جسمك الحيوية إلى طبيعتها، وأثناء انقطاع الكهرباء لمدة ساعات؛ وقتها يكون لديك عمل أضافي، وهو مراقبة مؤشرات الشحن والبطارية فيما أنت مستمر في التحدث واللعب على هاتفك، الذي هو بمثابة وسيلةٍ للتواصل ولحل الكثيرِ من الأمور التي تستوجب السرعة في التواصل، لا أن يشغل بالك ويبعدك عن واقعك ومجتمعك، ويلعب الدور السلبي في حياتك.

الهاتف ضرورة ماسة لكل مواطن، بيد أن استخدامه السلبي، والسماح له بلعب الدور البارز في حياتنا سيجعله وحشاً كاسراً يهدد حياتنا الاجتماعية وعلاقاتنا البشرية كأبسط مثال، طبعاً إن لم يكن قد فات الأوان في هذا.

الاستغناء عن الأب ولا الاستغناء عن الهاتف

 صالح مواطن من قامشلو يخرج في الصباح الباكر ولا يعود حتى المساء لتأمين لقمة العيش لأفراد أسرته يشكو من ما يسمى بالفيس والماسنجر والواتس: أعود في المساء من عملي، أرى أولادي كل منهم قابع في زاوية من البيت وهاتفه بيديه وبين حين وآخر يتعاركون فيما بينهم على مكان تواجد الشبكة بينما والدتهم تتابع حديثها على الواتس مع أخٍ او أختٍ لها خارج البلاد. الهاتف أخذ تفكيرهم حتى من الممكن التخلي عن والدهم مقابل عدم التخلي عن موبايلاتهم.

كلمة للمحرّر

علينا بالتأكيد معرفة كيفية استخدام وسائل الاتصال، فلا نهمل الإنترنت والهواتف النقالة ولا ننكر فوائدها وأهميتها، بل نضع لها قواعد وأسس وأوقات معينة لاستخدامها السليم، حتى لا يبتعد الابن عن أبيه ولا الزوجة عن زوجها وأسرتها ولا تنحرف الفتاة عن القواعد والعادات الاجتماعية، فأي شيء زاد عن حدّه انقلبَ ضده. والحلول كثيرة وما دامت الإرادة والتصميم موجودين وحسن التدبير وبالعمل المنظم والمخطط والتميز السليم بين ما هو مباح وما هو مفيد، وعدم الازدواج والاختلاط بين الحرية والقيد ونشر الوعي واجب على الكل، فالمدرس في مدرسته والوالد في بيته ورب العمل لعماله.

حسينة عنتر

زر الذهاب إلى الأعلى