مانشيتمقالات

نموذج المرأة في فكر وفلسفة الأمة الديمقراطية

ريم محمد الربيع ــ

ــ مع دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى دير الزور وتحريرها من تنظيم داعش، كانت أمامهم مهمة كبيرة وهي تحرير عقول أهالي المنطقة؛ حيث أن سنوات من سيطرة التنظيم وقطع الاتصال بالعالم الخارجي أعادت المنطقة سنوات إلى الوراء أو إلى العصور الجاهلية، ورسّخت الفكر الذكوري وأحْيَت العادات والتقاليد البالية والعنصرية حيث أن أكثر الآثار السلبية انعكست على المرأة، وكانت هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب؛ لأنها هي الأم التي فقدت ولدها وهي الزوجة التي فقدت زوجها وأيضاً هي التي كانت تمارَس عليها كافة أنواع الاستغلال “من تزويج القاصرات وبنفس الوقت تزويجهن لعناصر التنظيم” والآثار النفسية لهذا الزواج الذي ترك فيهن عقد نفسية لم تذهب مع القضاء على التنظيم بل بقيت منهن للوقت الراهن تحاول أن تتشافى وتندمج ضمن المجتمع، ولا ننسى الحرمان من الإرث الذي ترك لدى بعض النساء فكرة أن الرجل أفضل منها؛ لهذا يأخذ حقها في الميراث والحرمان من العمل بذريعة أن النساء غير مناسبات للعمل، وطيلة مسيرتها التاريخية أقصيت المرأة من الانخراط في المنابر والمراكز والمواقع المهمة والحساسة لاتخاذ القرارات أو تشريع القوانين وحتى عمليات ومفاوضات السلام ومسارات ومبادرات الحل التي قادتها العديد من الدول لإحلال السلام وفض النزعات عبر التاريخ، على الرغم من أنها كانت المتضرر الأكبر من النزعات التي نشبت، مستهينين بطاقاتها وأفكارها وقدراتها الذهنية العميقة وإرادتها القوية وإنجازاتها وعطائها المنقطع النظير في كافة المجالات، وتعد أكثر الذين تعرضوا للإبادة والتطهير في نظم الدول القومية، التي سربلتها بآلام، ومآسٍ، ومعاناة، وموت، ودمار، وخراب، وعنف، وتهجير، فارضة عليها روح الاستسلام وزادت الحرب من هذا الآثار وهمشت المرأة بشكل كامل، ودخول التنظيم إلى المنطقة كان الغمامة السوداء التي طمست ملامح المرأة النضالية.

– لكن مع بدء تشكيل الإدارة الذاتية في دير الزور وانخراط المرأة في العمل ساعدها كثيراً في نسف الأفكار المتطرفة وإعادة النظر في ذاتها والعمل على النهوض بواقعها ومساعدة قريناتها على تعزيز دورهن بالمجتمع وبدأت النساء يتحررنَ شيئا فشيئا، واليوم وبعد سنوات من تحرير المنطقة لعبت المرأة دورًا محوريًا في نهضة المجتمع وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصرًا أساسيًا في إحداث عملية التغيير في المجتمع، ونرى أن النساء في دير الزور تعمل سوياً مع الرجل وتمثل دورها في كافة المجالات المدنية والسياسية والعسكرية ولم يؤثر هذا على كونها ربة منزل.

– أعاد نظام الرئاسة المشتركة الذي تعتمده الإدارة في كافة مؤسساتها للمرأة ثقتها بنفسها وبقدراتها حيث أصبحت ترى نفسها جديرة باتخاذ القرار مثلها مثل الرجل، ولم تتوقف عند هذا بل بدأت المرأة الخوض في المجال السياسي وتمكين نفسها سياسيا والانتساب للأحزاب السياسية ويشهد لها نجاحا في هذا المجال أيضا.

– بالمقابل لم يكن من الإدارة الذاتية إلا أن تكافئ نضال المرأة والدفاع عن حقوقها بصياغة عقد اجتماعي ينظم العلاقات بين المرأة والمجتمع ويحفظ حقوقها، حيث أن في ظل الثورة التي تشهدها المنطقة وسيطرة العادات والتقاليد وهيمنة الفكر الذكوري كان من الضروري إيجاد وثيقة تدعم حرية المرأة ونضالها وتحفظ حقوقها؛ أي أن الإدارة الذاتية كانت السبّاقة في إصدار مثل هذه الوثيقة لأنها تؤمن أن حرية الشعوب هي بيد المرأة الحرة والمرأة الحرة تؤمن أن فلسفة الأمة الديمقراطية كانت سبيلها الأنجح للوصول إلى حريتها وتحقيق ذاتها.

– ومن ناحية أخرى يجب أن نسلط الضوء على نجاح المرأة فكرياً، فالبرامج التي خضعت لها المرأة في دير الزور والدورات الفكرية كان لها الأثر الإيجابي في تعزيز التفكير لدى المرأة وإخراجها من القوقعة التي كانت منزوية تحتها والتعرف أكثر على العالم وزيادة القدرة التحليلية لديها حيث أن المرأة أصبحت تتمتّع  بطريقة تفكير أثناء شغلها لمناصب قيادية تُساعدها على توحيد الجماعات المختلفة لتحقيق المصلحة العامة وتحقيق الأهداف العليا والنهوض بواقع دير الزور وذلك من خلال ما تمتلكه من صفاتٍ تتمثّل بالصبر، والتعاطف، والقدرة على الإصغاء للآخرين، بالإضافة للخبرات المكتسبة من التدريبات والدورات وممارسة العمل واهتمامها بدعم وتطوير من حولها، واعتمادها النهج الديمقراطي في حل النزاعات والمشاكل، ومن أبرز ما تتمتع به النساء من مهاراتٍ فكريّة تنعكس إيجاباً على أدائها لمهمّات منصبها القيادي الذي نجحت فيه كثير من النساء ولازالت المرأة في نضال مستمر حتى تحقق ثورة المرأة كافة أهدافها.

وأيضا يجب أن ننوه، كون المرأة عضوٌ في المجتمع فيجب أن تكون شريكة في إدارة المجتمع وتحمل شؤونه، وكونها تقوم بالأعمال المنزلية لا يجب أن يلغي دورها الاجتماعي؛ لأنّها شريكة الرجل في تحمل المسؤولية، ففي ظل حالة النمو والتقدم التي تشهدها المجتمعات نحتاج إلى كلّ الجهود والطاقات المجتمعية، فإذا جمّدنا دورها الاجتماعي فقد خسرنا نصف طاقة المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى