المجتمع

نازحٌ متابع لصحيفة الاتحاد الديمقراطي : إشراقة جديدة للحريّة والتعايش المشترك نعيشها في روج آفا

 

تقرير: حسينة عنتر

دخلتِ الأزمة السورية عامها السابعَ، والوضع يتفاقم. لا حلولَ سياسية والحلول العسكرية تتشعّب، ومعاناة السوريين تزداد يوماً بعد يوم، والشهداءُ يتصاعد عددهم والهجرة مستمرة واللجوء بات يأخذ تفكير من تبقى، وخاصة في مناطق الاحتقان وتواجد التنظيمات الإرهابية والمجموعات المسلحة والتي زاد عددها وكثرت أسماؤها في ظلّ الأزمة. ومع كثرة المسمّيات وتعدد تلك المجموعات التي أتت من هنا وهناك بهدف الدفاع وخلاص الشعب السوري حسب ما تتدعي، ولكن حصل العكس وازداد من اشتعال من النيران  بنطاق واسع أخرجتها من معناها الحقيقي الثوري مما أدى إلى انحراف الثورة إلى طرق عديدة، وهذا ما زاد من معاناة الشعب وازداد معه الحصار والتشرّد والضياع أكثر فأكثر وخاصة في مناطق تواجد تنظيم داعش و الإرهابين مما أدى إلى نشوب اصطدام ومعارك. هذا ما أثر بشكل سلبي وسيء جداً على الأهالي والسكان. وبهذا الصدد أرادت صحيفة الاتحاد الديمقراطي أن تنقل لنا واقع معاناة عائلة نازحة من دير الزور وعلى لسان رب العائلة الذي سرد لنا مشوار نزوحه من مدينته والصعوبات التي لاقاها أثناء النزوح حتى استقراره  في مدينة قامشلو.

وهذا العم من قرّاء صحيفة الاتحاد الديمقراطي الذي أكد لنا بأنه يواظب على قراءة الصحيفة منذ أكثر من عام ولم يفته أي عدد منذ ذلك الحين بالرغم من بعض الصعوبات في الحصول على الجريدة، وأن تأخرت فهو مصمم الحصول عليها حتى ولو مرت أيام على إصدارها فلا بد أن يقرأها. و إيماناً منه  بدور الصحيفة في نقل الحقائق والوقائع بمصداقية تامة، لنقرأ قصة نزوح هذا العم الذي أتعبتهُ السنون وزادت من التجاعيد ورسمت على وجهه آلام المعاناة التي  تركتها الثورة ورسخت تلك الملامح على وجهه، وخاصة عندما يقرفص كل صباح في زاويته المعهودة أمام محل اعتاد الجلوس فيه ويضع يده على خده يغوص في بحار أفكاره إنه العم …؟ من دير الزور الذي فضل عدم ذكر اسمه .يسرد قصة لجوئه قائلاً:

لم يخطر ببالي يوماً أو أفكر بأن أوصف بهذه المفردة (نازح)، فقد كنا نعيش أنا وأسرتي المكونة من ستة أفراد بأمان في  بيتنا ومدينتنا مع أخوتنا وأقاربنا وجيراننا. لم نكن نفكر بأننا ستطلق علينا صفة النازحين بين ليلة وضحاها. فقد بدأت المشكلات بأحداث درعا في 15آذار من عام 2011 وبدأت الانتشار في المحافظات والمدن السورية وسرت سريان النار في الهشيم، ومن هذه المدن مدينتنا التي امتدت إليها النيران الغاشمة بالمظاهرات وقمعها ومن ثم الاشتباكات المسلحة. وما أن انتصف العام 2012 حتى أصبحت المدينة جحيماً لا يطاق من شدة الاشتباكات بين الطرفين والقصف العشوائي فيما بينهما، اعتقدنا بداية الأمر أن هذه الأمور ستزول وهذه الغيمة السوداء ستنقشع وتنتهي قريباً فقررنا مغادرة المدينة والسفر إلى مدينة حلب لأنها كانت آنذاك أكثر أمناً وتوجهنا إلى هناك على أمل العودة خلال فترة قصيرة، فلم نحمل معنا إلا لباسنا الذي نرتديه وبطاقاتنا الشخصية وغياراً آخر من الملابس (الصيفية). وفي حلب نزلنا عند أحد أقاربنا ولكنّ اشتداد المعارك أجبر بناتي الاثنتين المتزوجتين ومعهم أطفالهم الأربعة إلى اللحاق بنا في حلب لاستئجار منزل يجمعنا، وهنا بدأت المعاناة بالتفتيش وشروط التأجير والدفع سلفاً ولمدة ثلاثة أشهر وأخيراً اضطررنا لاستئجار منزل بمبلغ 35000 ل.س شهرياً  وعشرة آلاف تأمين كهرباء وماء وانتقلنا إلى المنزل مجبرين صاغرين لما آلت إليه الأمور. وما أن قضينا اثنا عشر يوماً في المنزل حتى بدأت النيران تنتقل إلى مدينة حلب وبدأت المناوشات والقصف من حي لحي يزداد لحظة بعد أخرى. وكان من الضروري مغادرة حلب فوراً واستدعينا مالك المنزل لمدة ثلاثة أيام ليحضر ويستلم منزله ويعيد لنا ما بقي من المال في ذمته فلم يستجيب لنا بالرغم لحاجتنا الماسة لكل ليرة واضطررنا للسفر رغماً عنا ورفض صاحب المنزل اعادة مالنا وتركنا كل شيء على أمل العودة. وهنا بدأت المشاورات فيما بيننا إلى أين الرحيل فكان رأيي بعد أن أبدى كل منهم رأيه اختيار محافظة الحسكة ومدينة قامشلو بالذات وذلك لطيبة أهلها وحسن معاملتهم وكرمهم وتقارب عادتنا وتقاليدنا مع عاداتهم وتقاليدهم فالجميع يعيش كأسرة واحدة وذلك نتيجة خبرتي بهم ورحلاتي وتجوالي وسفري إلى  مناطق الجزيرة بحكم وظيفتي كمدير مدرسة في دير الزور.

وهكذا انطلقنا من حلب باتجاه قامشلو في عز حرارة الصيف، كنا صائمين عام 2012  وبدأت المعاناة مرة ثانية واضطررنا لاستئجار بيتٍ مفروش( بالاسم فقط ) وبمبلغ 35000 ل.س شهرياً. لم نستطع البقاء فيه أكثر من شهر فقط  لجشع صاحب المنزل فهو من فصيلة بعض الجشعين ذوي النفوس الضعيفة أمام المال، ولأننا كلما احتجنا إلى شيء نطرق الباب على صاحبة المنزل المجاورة لنا لتعطينا من منزلها على أساس كنا مستأجرين بيت مفروش، ومرة أخرى خدعنا من أصحاب النفوس الجشعة المكاتب العقارية وبدأنا التفيش من جديد من حي لحي ومن مكتب عقاري للآخر وبحكمته تعالى وتيسيره أرسل لنا أخاً (من المكون الكردي) الأخ العزيز الحاج (أبو أحمد) فقدم لنا منزلاً كان قد أعده وجهزه ليزوج به ابنه، ولكنه بفضل من الله  أخّر زواج ابنه وأعطانا المنزل مشكوراً قبل أن يسكن هو أو ابنه فيه كنا السابقون له. وانتقلنا إليه وبدأت علاقتنا مع جيراننا بأحسن ما يكون فصاحب المنزل الحاج (أبو أحمد) المجاور لمنزلنا قدم لنا وعرض لنا كل شيء ومدّنا بكل نقص من الحاجات اللازمة، ولسوء حال الكهرباء وانقطاعه المتواصل في تلك الفترة وقبل أن تمد  البيوت وحارات وأحياء المدينة بالمولدات غذى منزلنا بالكهرباء من مولدته الخاصة وكانوا يرسلون لنا الحليب واللبن والطعام أحياناً والثلج حيث كان الصيف في عزه وكأس من الماء البارد يثلج الصدر. وكل صباح قبل أن يخرج إلى عمله يوصي أفراد أسرته بنا ويمرّ ويطرق بابنا ويسأل إذا كنا بحاجة شيء، وكذلك حال جميع جيران ذلك الحي نتبادل معهم طعامهم الخاص وأطعمتنا الخاصة بمنطقة دير الزور فيعلموننا طريقة أكلاتهم الشعبية ونحن بدورنا نعلمهم طريقة صنع مأكولاتنا، فعشنا أخوة متحابين نتقاسم الهموم ونتشارك بالأفراح حتى أن الحاج (ابو أحمد) كان يقول لي ماذا فعلنا لكم؟ كانت كلماته بلسماً شافياً لمعاناتنا  وجراحاتنا التي استطاع بأفعاله وأقواله وكلماته الطيبة أن يمحو تلك الحسرات والآهات على ما تركناه خلفنا حين نزحنا من مدينتنا. إنه كان بمثابة أخ ( رب أخ لك لم تلده أمك هذا صحيح )…وأكد هذا ذاك الكردي، فهذا المجتمع الجديد الذي قدم لنا كل خير حسب استطاعته وقدم لنا الدعم المادي والمعنوي  جعلنا ننسى مآسي الهجرة والنزوح.  وهكذا بدأت حياتنا تسير ونستنفذ ونستهلك من مدخراتنا التي حملناها معنا منذ خروجنا ولكن لحظة واحدة لم ننس أخوتنا الذين بقوا هناك تحت القصف والفقر. دائماً نفكر بهم ماذا أحل بهم لقد بقوا بين رحى الاشتباكات الدائرة والقصف العشوائي المستمر تطحنهم لا ذنب لهم سوى أنهم سوريين، ولربما يكون حالي أفضل من أحوال بقية النازحين وذلك لوجود أبنائي معي وكل منهم يمارس مهنة أحدهم يعمل في سوق قامشلو بمطعم وآخر عند بائع جملة و الثالث عتال بسوق الهال. هذا بعد أن انتقلنا من منزل الحاج واستأجرنا بيتاً وبسبب الظروف المعيشية القاسية والغلاء الفاحش والارتفاع الجنوني لأسعار المنتجات والمواد الغذائية والتي أخذت ترتفع يوماً بعد يوم دون حد أو قيد تؤثر على النازحين الذين ندعوا الله أن يرأف بحالهم وبأحوالهم وخصوصاً الفقراء منهم والذين لا حول ولا قوة ولا يستطيعون العمل والذي يستطيع العمل منهم فالأجر قليل قد لا يسد رمقه ورمق عائلته.

ولكن هذه الاحوال بدأت تتغير مع تشكيل الإدارة الذاتية في مناطق روج أفا ومنها مدينة قامشلو وتشكيل الكومينات ومجالس الشعب ( مالا كل )  ومجالس الصحة هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم حماية المجتمع والدفاع عنه وما قدمته من أعمال التي تخدم الشعب وأعطت كل اهتمامها بالدرجة الأولى للنازحين والمعاقين منهم ولم تفرق بينهم وبين سكان المنطقة الأصليين، ومن تلك الاحتياجات التي قدمتها الكومينات هي تنظيم الحياة وتوزيع مواد التدفئة والغاز وتوفير مادة الخبز  وتوزيع الأدوية لذوي الحاجة بعد أن كان تأمينه بطلوع الروح، وتخفيف الأعباء عن الأهالي بقدر المستطاع. وبدأت الحياة الجديدة بالانتماء والمواطنة وأن تكون سورية حرة ديمقراطية دون تقسيم أو تشتت لكل السوريين على كافة مكوناتهم الكردية والعربية والسريانية  والشركسية و…مع أطياف أشكالهم وألوانهم وطبقاتهم وانتماءاتهم وتحقيق العدالة الاجتماعية بينهم وأن يكون الرابع من نيسان شعلة ومنارة لكل السوريين لا للكرد فقط من كافة المكونات ويكون ميلاد القائد آبو اشراقة جديدة للحرية والتعايش المشترك وتحقيق أخوة الشعوب وأن يحققوا جميع أقوال القائد (آبو) و السير على نهج فلسفته بالأفعال، وخصوصاً ما قاله في الثقافة وتعريفها( الثقافة هي مجموع كينونات المعاني والبنى التي كونها المجتمع البشري على مدار السياق التاريخي) فلتكن ثقافتنا عالية ونطبقها على مجتمعنا أن ننبذ الأحقاد والطغاة وأن نعيش في مجتمع واحد بعيداً عن الطائفية كما نادى وينادي بها شعبنا الصامد والعيش المشترك بين جميع المكونات والأديان بحيث يكونون متعاونين ومتحابين صامدين في وجه التفرقة والطغيان والإرهاب. هذا ما أكده العم من خلال تعايشه بين أخوته الكرد منذ أكثر من خمس سنوات إيماناً منه أن الحل الوحيد للأزمة السورية هي الفدرالية المبنية على أساس الامة الديمقراطية والتي ينادي بها كل غيور على مصلحة شعبة ومحب لوطنه

زر الذهاب إلى الأعلى