ثقافةمانشيت

 من تُراثِنا الشعبي (عيد إيزيد)

إذا أمعنا النظر في تاريخ المجتمع الإيزيدي فهو غنيٌ بفلسفته الفكرية وتراثه الاجتماعي وثقافته الدينية، وله العديد من المناسبات والأعياد الدينية التي لها تأثيرها الإيجابي على نفسية وسلوك غالبية أفراد هذا المجتمع، وبالرغم من جميع المشاكل الاجتماعية التي عانى منها الفرد الإيزيدي في الماضي وكذلك الأوضاع السياسية المريرة التي واجهته على مر السنين، إلا إن إرادته كانت ولا تزال أقوى من جميع الصعوبات، ولم تؤثر تلك المشاكل على إيمانه المطلق بالقيم الاجتماعية والدينية الثابتة والمقدسة، لا بل ضاعفت قوة إيمانه كلما اشتدت حدة الظلم والاستبداد عليه وزادت تمسكه بتأدية مراسيمه الاجتماعية وممارسة طقوسه الدينية.

لا شك بأنه من الضروري أثناء الحديث عن ثقافة الشعوب والأديان أن نتذكر أهمية معتقداته وعراقة تراثه كي نستطيع التعبير عن خصوصياته وكيفية بقاء مورثه الاجتماعي الذي هو موضع فخر لأجيال تلك الشعوب طوال تاريخهم، كما هو الحال مع المجتمع الإيزيدي الذي احتفظ بمورثه التاريخي الثمين الذي ورثه من أجداده وحافظ عليه بكل إمكانياته في أصعب والأوقات والظروف، كما يجب على الأجيال الاحتفاظ به وعدم المساس بقواعده الثابتة من أجل بقاء أصالته وعراقته.

الديانة الإيزيدية من الديانات القديمة الموجودة في المنطقة لها خصوصيتها من حيث العقيدة، ولكونها ديانة غير تبشيرية ومحافظة على جميع معتقداتها الموروثة من أجدادها بشكل أو بأخر وبالرغم من عدم امتلاكها الوثائق الرسمية المدونة بعقيدتها في الوقت الحاضر أو بالأحرى قد تم إتلافها واختفائها وإحراقها في فترة ما من الزمن ولأسباب معروفة، إلا أن أبنائها استطاعوا الاحتفاظ بالكثير من الموروث التاريخي المهم والذي يتعلق بعراقة ديانتهم وأصالة قوميتهم من خلال حفظ مضمونها في عمق صدورهم وإيصالها لأجيالهم.

إنما يسر خاطر المرء عندما يعلم بأن هؤلاء الأناس البسطاء تمكنوا في تلك الأيام العصيبة والظروف القاسية من مقاومة الظلم والاستبداد جراء الحملات الشرسة التي تعرضوا لها آنذاك من أجل الحفاظ على عقيدتهم، بالإضافة إلى إصرارهم المطلق للتمسك بعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية وإيمانهم بمبادئهم المقدسة من أجل إيصال الأمانة التاريخية لمعتقدهم إلى الموقع المناسب حسب المقاييس الأخلاقية التي يلتزم بها البشرية.

هناك الكثير حول ما جرى من الظلم على هذه الشريحة من المجتمع عبر تاريخهم ولا يستطيع المرء ذكرها جميعاً من خلال كتابة موضع أو مقال وحيد إلا إنه على المرء الإشارة والتوقف على بعض نقاط الخلاف التي يراها قابلة للنقاش خاصة حول ما يكتب عن هذا المعتقد ومحاولة تصحيح مسار بعض الأمور التي تفسر بشكل خاطئ من قبل بعض المهتمين بالشؤون الاجتماعية وإيجاد الطرق المناسبة لتوحيدها على أقل تقدير.

منذ أن تكونت المجتمعات البشرية وهي تصنع الأحداث والتاريخ جعل لها محطات استراحة تاريخية عند كل مناسبة سعيدة، ثم سمت تلك المحطات أعياداً تحتفل بها كلما عادت ذكراها، وتبقى الأعياد الدينية أهم المناسبات السعيدة وأكثرها تجذراً في نفس الإنسان وعواطفه لأنه في العيد فرحة متأصلة في قلب الإنسان فهي تمثل إلى جانب البهجة والفرح المتعارف عليها بعداً روحانياً ورمزاً إلهياً مقدساً يحظى دائماً بتقديس خاص لدى المؤمنين, فالعيد مناسبة لإظهار الطاعة لله وفرصة لتقديم الإحسان والتواصل بين الناس وتعميم الفرح على جميع الناس بتبادل التهاني, حيث يبلغ المجتمع فيه ذروته في التكافل والتراحم، وهو يوم يوحي بالعودة لأنه يعود كل عام بفرح مجدد.

وعيد إيزيد عيد الصوم يعتبر أهم وأقدس الأعياد الإيزيدية، يأتي بعد فريضة الصوم التي تعطي لهذا العيد قيمة روحية كبيرة, لأن في الصوم عبادة لا يكون بالامتناع عن الأكل والشرب فقط بل الامتناع عن كل المحرمات والشر في النفوس والمشاعر والاحاسيس، لذلك فأن الميثولوجيا  الإيزيدية لا تختلف عن بقية الميثولوجيات في تفسير الكون حسب العقل الإنساني, وعلى هذا الأساس هناك تفسير ميثولوجي إيزيدي، تفسير صوم ايزيد, فإن في هذا الوقت من السنة حيث تقل ساعات النهار (النور) وتزداد ساعات الليل الظلام, فإن في الصوم تعبير عن الصراع بين النور والظلام, بين الخير والشر, لذلك تعد هذه الأيام الثلاثة التي تكون أقصر نهارات وأقل نور للشمس من أصعب وأحرج اوقات الشمس خلال السنة, لذلك يصوم الناس هذه الأيام الثلاثة الحرجة, حتى تتجاوز الشمس هذه الفترة الحرجة, لتبدأ بعدها ساعات النهار واوقات النور بالازدياد تدريجياً, تعبيراً عن انتصار النور في النهاية في مواجهة الظلام.

إن الذي يصوم له الإيزيديون هو (ئيزي، إيزيد، يزدان، أزدان، أزداي، خودا) وهي أسماء الله الذي عرفه الشعب الإيزيدي قبل ظهور الأديان السماوية، وجاء في القول المقدس ألف اسم واسم (Qewlê Hezar û Yek nav):

ربي بألف اسم واسم (1001)                             Padşê min bi hezar û yek nave

هذه الدنيا عنده ساعة وقفزة (خطوة)                                   Ev dinya li ba wî saat û gave

سلطان إيزيد يعرف بالبحاركم مقدارالماء Siltan Êzî dizanê li behra çend keşkul ave

في الوديان كم حجر فيها Li besta çend kevir li nave

هومن جعل حواء عروسة وآدم عريسا A Wî Hewa kire bûk û Adem kire zave

ولتكون الصورة واضحة أمام كل شخص أيزيدي وغير الإيزيدي نعم أنها أسماء الله الأعظم وأنها فلسفة الديانة الإيزيدية نحو الخلق والخليقة باسم إيزيد أو أيزي الأعظم، الذي يعتبر انعكاسه لكل الظروف والمعاناة التي فرضت وأصطدم بها الشعب الإيزيدي في الحفاظ على جوهر الديانة الإيزيدية بإرادة يزدان الأعظم.

وأيضا أن أسم إيزيد (ئيزي) يأتي في الكثير من الأقوال الإيزيدية بصفة الخالق. في القول المقدس:

سلطان إيزيد هو نفسه الرب Siltan Êzîd bi xwe petşaye

سمى نفسه ألف اسم واسم    Hezar û yek li xwe danaye

الاسم الأكبر هو خودا (الله)  Navê mizin her xwedaye

أنظروا إلى أي درجة تذهب قدسية (ئيَزى، يزدان) الأعظم في فلسفة الديانة وفي الأقوال والأدعية الايزيدية.

وأسم (ازداي)( ezdayî) مصطلح كردي تعني خالقي، وتتكون من مقطعين الأول (أز)( ez ) ومعناها أنا، والمقطع الثاني (داي) ( dayî) ومعناها خلقني أو الذي خلقني، ومن هذه الكلمة جاءت أصل الكلمة الإيزيدية(أزداي)أو(إيزيدي)وأصل التسمية الإيزيدية.

وأن كلمة الإيزيدية تعني الاستقامة ونظافة القلب والإيمان بالله(يزدان)(إيزيد)(ئيزي)وكل الصفات الحميدة لدى الإنسان الإيزيدي، الصادق الأمين مع نفسه وروحه ومع معارفه، ومن ثم مع خالقه، والعبارة التي يرددونها الإيزيديون (نحن إيزيدون وبيضاء ملابسنا) تعني الطهارة في النفس والقلب والروح في جوهر الإنسان، وفي عمل الإنسان، وليس ما يقصده هنا النظافة في الشكل والمظهر وبياض اللبس والملابس لتغطي وتحجب ما في النفوس من كراهية للإنسان كما يظنه البعض، بل أن الإنسان بصورة عامة وخاصة الإيزيدي يجب أن يكون نفسه وروحه وأخلاقه بنقاوة وبياض اللون الأبيض، وأدنى درجة من الغبار أو نقطة من السواد على هذا اللون تظهر فيه التلوث حالاً، وهذا يعني أن الإنسان يجب أن يحافظ على نفسه وروحه وسيرته في هذه الدنيا ومغرياتها التي لا تقاوم لكي يأتي في النهاية ويسلمها إلى خالقه سبحانه الأعظم(ئيزي) الأمانة (الروح)التي وهبها له الخالق نظيفة. وهنا بالتحديد وبهذا الوصف للإنسان وعمل الإنسان، تأتي العبارة المشهورة لدى المجتمع الإيزيدي (نحن إيزيديون.. بيضاء ملابسنا وفي الجنة جالسون) أي أن الإنسان يكافئ في الآخرة ويصبح في الجنة مقابل أعماله في الدنيا. هنا تبدو واضحا التأثير الإيزيدي الإيجابي في قصة الخلق والخليقة من أوجه مختلف.

ومن هذا المنطلق والاتجاه المقدس يصوم الإيزيدي لله( خودا, أزداي) ثلاثة أيام وأنها فريضة على كل شخص إيزيدي قادر أن يصوم، وفي عيد إيزيد (أزداي) الأمل يتجدد بميلاد أبدي لتغير حياة الإنسان نحو الخير والحقيقة وإزاحة الظلمة والجهل عن نفس الإنسان وأنارتها بروح الإنسان ومعرفتها على خالق الأكوان(أزداي)، أنها عيد المحبة للقاء بين الجميع وانتصار الروح على النفس وانتصار الخير على الشر وانتصار النور على الظلام وأعلاناً لفرح الإنسان الإيزيدي بذلك اليوم وتتجدد الأماني للشعب (الإيزيدي).

يقع عيد صوم أيزيد في شهر كانون الأول الشرقي(الشمسي) ويجب على الأقل يوماً واحداً من الصوم او يوم العيد يكون ضمن شهر كانون الأول الشرقي(الشمسي)، وألا فيؤجل الصوم إلى الأسبوع المقبل. ويأتي هذا العيد قبل الانقلاب الشتوي بفترة من (1ـ 8) يوم، وربما كان في السابق في يوم الانقلاب الشتوي وهي بداية حالة جديدة في حياة الإنسان على هذه الأرض، ولذلك فأن المناسبات والاعياد الإيزيدية حسب هذا التقويم لا تغير موعده من السنة.

وفي هذه السنة صادف بحسب التقويم الشرقي أيام 4-5-6 صيام ويوم الجمعة 7 كانون الأول هو يوم عيد إيزيد، وبحسب التقويم الميلادي يصادف عيد إيزيد 20/12/2019.

نسيم شمو

زر الذهاب إلى الأعلى