مقالات

من التعددية السياسية إلى التعددية الثقافية

تتألف المجتمعات البشرية من عدة مجموعات تمتاز كل مجموعة بهويتها وتكوينها وثقافتها المتميزة.

وللحديث عن مجتمع ثقافي تعددي يتطلب منا التوجه نحو خطاب جديد سواء في مسار السياسة أو في الثقافة أو في الحياة الاجتماعية أو حتى التعليمية وإبراز دور المؤسسات المختلفة في إنتاج خطاب معاصر مغاير لخطابات الأزمنة السابقة بحيث يتماشى مع الوضع المُعاش في أغلب الدول الديمقراطية والمتميزة بالحداثة والتي تحافظ على الهوية السياسية والثقافية والثوابت لمختلف شعوبها، ومن المُلاحظ أن المجتمعات الغربية كلما كانت متعددة الثقافات كلما كانت متطورة ومنتجة أكثر، ويسودها التفاهم والوئام بشكل أكبر.

وفي المجتمع السوري تحديداً؛ يمكن تناول هذا الموضوع من عدة جوانب أهمها أن تركيبة المجتمع السوري كما في الكثير من المجتمعات تقوم على مكونات وشعوب مختلفة، وهذه التركيبة بالطبع تعكس ثقافات متنوعة.

ولكن هل يمكن أن يتحقق ما تطرقنا إليه آنفاً في مجتمعنا السوري؟ أو حتى في مجتمعات الشرق الأوسط؟

لا يمكن تحقيق ذلك بالتأكيد إلا بالانتقال من الخلاف السياسي إلى “التعددية السياسية” ومن الخلاف الثقافي إلى “التعددية الثقافية ” عن طريق تعايشها وتفاعلها وتعدد الأصوات التي تنادي بذلك بشكل فعال وحقيقي وفي جميع ميادين الحياة.

من المعلوم أن التنوع الثقافي بمثابة مصدر للتبادل والتنوع والتجديد وأصبح من الضروريات في المجتمعات المتحضرة.

ففي الآونة الأخيرة، كثُر الحديث عن التنوع الثقافي الذي يسود بعض المجتمعات وضرورة استغلال هذا التنوع لتطوير هذه المجتمعات, وبدأ حوار الحضارات يطغى على الكثير من النقاشات في المؤتمرات ولكن في الوقت نفسه يقل الحديث عن التعددية الثقافية داخل المجتمع الواحد.

إن التعددية الثقافية تعني: إن من حق الشعوب والدول أن تحمي التعبيرات الثقافية المعرضة للتهديد بالانقراض من قبل جماعات أو شعوب أخرى بسطوة القوَّة والسياسة والمال، وتجاور الثقافات وتعايشها مع احتفاظ كل ثقافة منها على مقوماتها دون تذويب بعضها داخل الثقافة (الكبيرة) المهيمنة بحيث يشكل هذا التنوع المتعايش فسيفساء ثقافية تزيد من جمالية المجتمع ومن غناه وحيويته.

مع كل ما ذُكر عن فضائل تنوع الثقافات في المجتمعات إلَا أن البعض ممن يصعب عليهم تقبل الآخر يرفض رفضاً قاطعاً تجاوز قوقعته الثقافية ويرفض الاندماج مع الثقافات الأخرى لأن الصبغة الطائفية والعرقية والقبلية لا تزال مسيطرة على تفكير أمثال هؤلاء.

فمن أهم العوامل التي تساعد في هزيمة الوعي المجتمعي بالرغم من كل ما يجمع بين الشعوب المتعايشة في دولة ما, هو رفض المشاريع الثقافية والتنويرية المشتركة بين مكونات المجتمع ذاته.

بالمحصلة “الساحات والمجتمعات التي تتحقق فيها تعددية الأمم والثقافات بالأكثرية هي الحلقات المبدعة التي تتخمر فيها الثقافة والحضارة ويسودها السلم والأخوة لا النزاع والحروب ويتحقق فيها أكثر أشكال التعاون والتشاطر والتبادل والتركيب الثقافي وتزداد حيوية وازدهاراً مع الجوار”.

زر الذهاب إلى الأعلى