المجتمع

كيف يتم التغيير الديمغرافي في عفرين؟!

بعد إبداء وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG-YPJ) وقوات سوريا الديمقراطية مقاومة تاريخية لا مثيل لها على مدار 58 يوماً تمكن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته بعمليته التي شنها على عفرين من احتلالها، بعدما استخدام فيها الأسلحة الثقيلة وقصف جوي ومدفعي مكثف على المواقع العسكرية ولم يقتصر قصفه هذا على العسكريين فقط بل استهدف المدنيين أيضاً وأغلبهم من النساء والأطفال.

المعركة بين المحتل التركي ووحدات حماية الشعب والمرأة غير متكافئة

هذه المعركة غير المتكافئة بين المحتل التركي ومرتزقته وبين وحدات حماية الشعب والمرأة، دفعت الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى إطلاق النداءات إلى المدنيين بالخروج من عفرين بغية المحافظة على حياتهم وإعلان الـYPG والـYPJ المرحلة الثانية من المقاومة واعتماد مبدأ الكر والفر في العمليات العسكرية لتكبيد المحتل خسائر دون أن يدري من أين أتت حسبما أكد قياديو هذه الوحدات.

التهجير القسري لسكان عفرين وتوطين عوائل عربية وتركمانية في منازلهم

موجة النزوح من عفرين جراء القصف المكثف والممارسات اللاأخلاقية لجيش الاحتلال التركي بحق المدنيين يطلق عليها التهجير الجماعي والذي يعني ترحيل مجموعة من الأفراد من موقع جغرافي إلى آخر وهذا ما يعتبر جريمة في حال حصوله قسراً دون رضى المهجرين، أمثال أهالي عفرين الذين تركوا منازلهم وممتلكاتهم باتجاه المناطق الأكثر أمناً هروباً من القصف الذي أزهق الأرواح، فتم توطين عوائل المرتزقة وجلب سكان الغوطة الشرقية والقلمون إليها بغية تغيير ديمغرافيتها عبر عملية  الاستيطان التي تُعرف على أنها عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديموغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة.

فالتغيير الديموغرافي لا يختلف عن الإبادة الجماعية ومشروع اجتثاث وإبعاد الإنسان عن أرضه ووطنه أخطر من القتل، وإن نُفِّذَت هذه الخطة إلى النهاية فستكون جريمة إنسانية لا تغتفر ويبدو أن هناك خطة الكل متفق عليها لتنفيذها وذلك لفتح الطريق بين عفرين وتركيا من جهة وإسكان عوائل عربية وتركمانية وكتائب منسحبة من الغوطة الشرقية ودوما… إلخ في بيوت أهالي عفرين الذين هربوا من القتل، وبحسب القوانين الدولية والمنظمات الحقوقية في حالة الحرب يجب تأمين ممرات آمنة أو حماية من جهات أو منظمات إنسانية دولية لعودة النازحين، لكن هذا لم يحصل مع أهالي عفرين الذين فروا إلى العراء من بطش الإرهاب والمحتل التركي الغاشم وأن هذا أكبر دليل بأن كل الدول متواطئة ومتفقة وتغض النظر حول ما يجري في عفرين، ويبدو أن القضية الكردية هي التي كانت حجر عثرة أمام أي تسوية سياسية إقليمية دولية للحل النهائي لمآسي السوريين جميعاً، وهذا ما أكده رئيس هيئة الأمم المتحدة قبل أيام وبالنتيجة الأتراك نجحوا بالتدخل في سوريا واحتلال مناطق منها تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي حسب زعمها إلا أن الحقيقة مغايرة تماماً ونيتها القضاء على مشروع الأمة الديمقراطية الذي يعتبر السبيل الوحيد لحل الأزمة في سوريا وبما أنه مشروع يتشارك فيه الكرد والعرب وعموم مكونات المنطقة كيف لا يحاربه أردوغان الذي تمكن ومنذ بداية الأزمة السورية من المتاجرة بالمعارضة وبيعها وتشتيتها وفرض شروطه عليها بحيث تنسجم مع مصالحه ومصالح حكومة العدالة والتنمية تماماً والتحول إلى عسكرة الثورة وأسلمتها، فالمعارضة التي تحولت من أداة للتغيير إلى أدوات تحت الطلب تقزم وانتهى دورها وما حدث في عفرين كان دليلاً قاطعاً على ذلك.

كيف يتم التغيير الديمغرافي في عفرين 

عفرين رقعة سورية لها تاريخ قديم وآثار عريقة لذا فالمحتل يحاول بشتى أساليبه طمس المعالم التاريخية والاجتماعية لهذه المنطقة من خلال عملية التغيير الديمغرافي في عفرين، وتوطين العرب والتركمان في منازل الأهالي الأصليين يقتصر فقط على كونه هاجساً يثير مخاوف السكان بعدما أصبح واقعاً ودخل حيز التنفيذ بشكل فعلي. ووفقاً لمصادر محلية بمناطق متفرقة في عفرين فإن عملية التغيير الديمغرافي تجري فيها على أرض الواقع على قدم وساق.
وأكدت تلك بعض المصادر أنه تم نقل 50 عائلة كانت قد أجليت من  الغوطة الشرقية إلى إدلب سابقاً وتم توطينهم في ناحية جندريس غربي عفرين، كما تم إسكان خمس عشرة عائلة عربية في قرية “قطمي” إلى الشرق من عفرين وهي قرية ذات غالبية كردية إيزيدية، إضافة إلى إسكان عوائل عربية أخرى في بعض  أحياء عفرين السكنية، أما في قرية كاخوري التابعة لناحية معبطلي أسكنت 3 عوائل عربية، وكذلك في ناحية راجو فقد استقدمت عائلات لمسلحي المعارضة السورية ومرتزقة داعش للسكن في قريتي ميدان اكبس وموساكا، وهذا حال قريتي قرنة التابعة لناحية بلبلة وباصوفانة بناحية شيراوا تم إسكان عائلات مسلحين تركمان من اعزاز فيهما، واستقدام عدة عوائل عربية إلى بعض القرى في عفرين لتوطينهم في المنطقة كما وبحسب أنباء مؤكدة على لسان بعض أعيان عفرين بأن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته يطرقون الأبواب بيتاً فبيتاً يطلبون وثائق ملكية الدار حينما تثبت الملكية يتحرَّونَ عما إذا كان الشخص المالك له علاقة أو يعمل في الإدارة الذاتية أو له علاقة من قريب أو بعيد معهم، فإذا تثبت عليه شيء يمهلونه مدة 48 ساعة لإخلاء البيت، أليس هذا هو التغيير الديموغرافي الذي حذرنا منه سابقاً؟ ناهيك عن ممارسات أخرى تقوم بها الفصائل المسلحة الموالية لتركيا والتي لا تسمح بعودة النازحين إلى ناحية شيه وقرى قرمیلیق وسناري وآنقلي، وهيكيجي، ومارانيي، وكفر صفرة.
وفي وقتٍ ترنو أعين أهالي عفرين الذين يعانون الأمرين في العراء وعلى ناصيات الطرق للعودة يتم إسكان أناس دخلاء في منازلهم ضمن عملية تغيير ديمغرافي تجري في السر حيناً وعلناً في أغلب الأحيان.

التغيير الديمغرافي حرب باردة تدعم الطائفية ونشوب الحرب الأهلية

هذه الظاهرة خطيرة على مستوى البشرية لأهالي وسكان مدينة عفرين حيث أن هنالك إدراك عام بأن التغيير الديمغرافي حرب من نوع آخر تكون من أخطر ما تتعرض له المنطقة، وذلك لأن آثاره تدوم علاوة على الفظائع التي تترافق معه الذي يجعل الأمر أكثر تعقيداً وخطورةً.

إن هذا التغيير هو جزء من الجهد الخارجي الذي يعبث ويمزق الأسس والقواعد الاجتماعية التي هي أكبر مرتكزات استقرارها وترابطها وهذا التغيير الديمغرافي لأي منطقة كانت لا على التعيين يزيد من دعم الطائفية ونشوب الحروب الأهلية في تلك المنطقة، وهذا ما أكده رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فعمليات التوطين والتغيير الديمغرافي التي تحصل الآن في منطقة عفرين بشكل ممنهج وباتفاق روسي تركي وحسب قوله لو كانت منطقة يوجد فيها سكانها وقررت استقبال النازحين من الشعب السوري لا ضير في ذلك ولكن عندما تُهَجِّر قوات الاحتلال التركي السكان الكُرد الأصليين من عفرين ولا تسمح لهم بالعودة وبعد ذلك يجري توطين مواطنين آخرين من القلمون الشرقي والغوطة الشرقية لمدينة دمشق، هذا يدل بأن هناك عملية تغيير ديمغرافي تجري برعاية تركيا وبموافقة روسيا الاتحادية عندما تسمح  لدولة محتلة لمنطقة بتهجير مواطنين إلى منطقة أخرى ومن ثم تمنع أهلها “الكرد” الذي هجَّرتهم من مناطقهم بالعودة إليها دليلٌ على شيء واحد فقط هو إجراء تغيير ديمغرافي في تلك المنطقة بهدف تضليل هويتها كما وأن المفوضية السامية لحقوق الإنسان حتى هذه اللحظة لم تصدر أي تقرير بخصوص الذين يُمنعون من العودة وبخصوص الذين نُقلوا إلى عفرين لتوطينهم هناك، لطالما تحدث المجتمع الدولي عن التهجير وعواقبه الوخيمة ولكن..؟ نحن في المرصد السوري لحقوق الإنسان لا نتوانَ عن الدفاع عن حقوق كامل أبناء الشعب السوري دون التمييز بين عرق أودين أوطائفة).

ويقول عبدالرحمن أن عفرين الآن شبه خالية من سكانها، عفرين كانت تضم أكثر من 500 ألف من السكان ذات الغالبية الكردية وأثناء الأزمة السورية احتضنت ما يقارب 500 ألف من النازحين وأمنت لهم العيش والاستقرار تحت رعاية الإدارة الذاتية، حالياً يجري تهجير سكان عفرين وعلى مرأى من العالم الذي بصمته أعطى الموافقة على قضية التغير الديمغرافي.

فضح أساليب التغيير الديمغرافي

الاعتداءات وعمليات النهب والسلب والسرقة علينا التنبيه بالذكر وفضح ونشر البيانات والأرقام المتوفرة حول هذا الموضوع على نطاق واسع كما ويجب أخذ مسألة التغيير الديموغرافي بجدية مطلقة لتعكس الواقع بقدر الإمكان بعيداً عن التخمين أو التخوف أو السعي إلى تضخيم الأمر لأن خطورة الموضوع تجعلنا نغوص فيه لبيان نوايا المحتل القذرة وما هو المطلوب منا فعله تجاه هذه الأساليب العدوانية التي تعدت في عنجهيتها الإبادة الجماعية لذا علينا توضيح الأبعاد وإظهار المعلومات علاوة على تشكيل صورة للتغيرات الديمغرافية وما يلي بعض من النتائج الأساسية أظهرتها الدراسات حول التغيرات التي حصلت على الأرض السورية

نتائج التغيير الديمغرافي بحسب بعض الدراسات  

– هناك تغيرات ديمغرافية خطيرة أفسدت النسيج الاجتماع البشري في مناطق متعددة من سوريا.

– تغيرات حاصلة نتيجة التدمير والصراع وليست مرتبطة مباشرة بالبعد الطائفي.

– العشرات بل المئات من الفصائل العسكرية كل منها تابعة لجهة أو لدولة لحماية مصالحها مما جعلت سوريا أرض مستباحة للجميع.

المقاومة المستمرة

سيفشل هذا الاعتداء كما فشل العدوان التركي في عفرين، لأن المقاومة مازالت مستمرة في عفرين والمجلس المدني المشكل من قبل تركيا سيلقى فشلاً ذريعاً لأنه لا يمثل أهالي عفرين واستمد شرعيته من حكومة أردوغان المحتلة بكل تأكيد وبالتزامن مع التغيير الديمغرافي.

كلمة للمحرر:

أمام هذه الممارسات الفظيعة، يجب على الدول الغربية المعنية بوضع حلول وأخذ إجراءات عملية وجادة لمنع تدفق قوافل جديدة من المهجرين والضغط على تركيا وميليشياتها للكف عن النهب والسرقة وإخراجهم خارج مناطق المدنيين وإيجاد حلول لإنهاء هذا الحقد والتطهير العرقي والمسؤولية الكبرى تقع الآن على الجانبين الروسي والأمريكي وقيام الأطراف الكردية كافة بواجباتها الأخلاقية والإنسانية وتوحيد الصف الكردي لوضع حل عاجل لمآسي أهلنا في عفرين.

إعداد: حسينة عنتر

زر الذهاب إلى الأعلى