المجتمعمانشيت

قلّة هطول الأمطار هذا الشّتاء ومدى تأثيرها على الجانب المعيشيّ

مرّ شتاء هذا العام دون أن يعطي أيّ معنىً لاسمه, فكلّنا عندما نسمع كلمة شتاء تقشعّر أجسادنا, وذلك لأن العقل الباطن يربط الشّتاء بالبرد فتحدث ردّة فعلٍ لا إراديّةٍ بالقشعريرة, فأمطاره كانت قليلةً, والحرارة مرتفعةٌ, ونتيجةً لذلك فإنّ ربيع منطقتنا كما تعوّدنا ملاقاته معظم الأعوام وهو(يلبس الثوب الأخضر المزركش بألوان الزّهور) أقبل علينا هذا العام حزيناً ومصفرّةٌ ثيابه, شاكياً من قلّة إغداق الشّتاء عليه بأمطاره.

ولأنّ معظم سكّان إقليم الجّزيرة يعملون في الزّراعة, ولأنّ الزّراعة هي عصب الحياة الرّئيسيّ في هذه المنطقة, خصوصاً وأنّ الأزمة السّوريّة ما زالت تلقي بنتائجها على الواقع المعيشيّ للمواطنين, ونتيجة مرور سكّان المنطقة بظروفٍ صعبةٍ وأزماتٍ خانقةٍ طوال عمر هذه الأزمة برزت في فقدان مستلزمات الحياة الأساسيّة كالماء والكهرباء والخبز.

يتخوف النّاس عامّةً والفلّاحون خاصّةً من سوء الموسم الزّراعي وتأثيره على المادّة الغذائيّة الأساسيّة (الخبز), هذا هو تفكير العامّة.

أمّا الفلّاح فيتساءل: هل ستكون خسارته كبيرة؟

وهل ستؤمّن البذار لأرضه في الموسم الزّراعي القادم؟

والفلاح الّذي اشترى البذار بالاستدانة يتساءل: كيف سيدفع ثمن البذار وقد خسر في زراعته؟

بشكلٍ عامٍّ كلّ النّاس في إقليم الجّزيرة يعلمون أنّه في سنة الجّفاف ترتفع أسعار كل المواد بشكلٍ جنونيٍّ, خصوصاً وأنّ معظمهم يعيشون من موارد الموسم  الزّراعي, وكذلك تتأثّر تربية المواشي بظروف الجّفاف لأنّها تؤدّي إلى قلّة المراعي وبالتّالي يضّطر مالكو المواشي إلى شراء الأعلاف الّتي بدورها ترتفع أسعارها نتيجة جشع التّجار.

وللإجابة عن هذه التّساؤلات ومعرفة مدى جديّة هذه المخاوف قامت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي بإعداد تقريرٍ لتسلّيط الضّوء على هذا الموضوع, ونقل مخاوف المواطنين إلى المعنيّين بهذا الشّأن.

 وفي هذا السّياق التقى مراسل الصّحيفة مع بعض الإداريّين والمشرفين على القطّاع الزّراعي والمخابز في مقاطعة قامشلو بإقليم الجّزيرة.

في البداية أجرى مراسل صحيفتنا حواراً مع أحمد سليمان من الإدارة العامّة لهيئة الزراعة والثّروة الحيوانيّة في إقليم الجّزيرة الّذي بدأ حديثه قائلاً:

بسبب الجّفاف وشحّ الأمطار تمّ التّركيز على القمح المروي

تميّز شتاء هذه السّنة بالجّفاف وقلّة الأمطار, وأثّرت هذه العوامل على موسم القمح والشّعير في المنطقة, حيث تضرّرت المحاصيل البعليّة (الّتي تعتمد على مياه الأمطار) بنسبة 70% في معظم المناطق بإقليم الجّزيرة باستثناء منطقتيّ (ديريك وسري كانيه) الّلتان كانتا نسبة تضرّر حقول الحبوب فيهما قليلةً مقارنةً بغيرهما من المناطق, وكانت هذه النّسبة تتراوح بين  30 إلى 40%, وأمّا بالنّسبة للمحاصيل العطريّة (الكزبرة والكمّون) والطّبيّة (البابونج واليانسون) والبقوليّات (الحمص والعدس والفول) فإنّها لم تتأثر بالظّروف المناخيّة الجّافّة ووضعها جيّدٌ مقارنة مع وضع الحبوب.

وتابع أحمد: الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة في إقليم الجّزيرة ولمواجهة هذه المشكلة قامت باتّخاذ مجموعةٍ من الخطوات لمواجهة هذه الظّروف, وتعهدت بتقديم كافّة أشكال المساعدة للفلّاحين وتأمين كلّ ما يلزم لزراعتهم في محاولةٍ لإنجاح موسمهم الزّراعي, ومن هذه الإجراءات تأمين مادّة المازوت لسقاية الأراضي المرويّة عن طريق المضخّات والآبار الزّراعيّة, وكذلك تأمين السّماد اللازم للمحاصيل الزّراعيّة.

وأضاف أحمد: بسبب الجّفاف وشحّ الأمطار قامت هيئة الزّراعة بتركيز اهتمامها على محاصيل القمح المروي (الّذي يسقى عن طريق مياه الآبار والأنهار والسّدود), وذلك للتغطية على النقص الحاد في المحصول البعلي, فقامت بفتح السّدود كسدّ الحسكة وسد الحاكميّة وتوزيع مياههما على الأراضي عبر قنوات الرّي, وسمحت للفلاحين بضخ المياه إلى أراضيهم من السّدود مباشرةً, وبذلك تمّت سقاية آلاف الدونمات من الأراضي المزروعة بالقمح, ونستطيع القول: بشكلٍ عامٍّ تمّ تقديم المستلزمات والتّسهيلات الضّروريّة والقيام بالإجراءات الإسعافيّة الّلازمة لإنقاذ موسم الحبوب هذا العام.

ليس هناك تخوّفٌ من حصول أيّ نقصٍ في البذار لموسم العام القادم

ونوّه أحمد إلى أنّه ومن أجل التّحضير للموسم الزّراعي في العام القادم  صدر قرارٌ من الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة في إقليم الجّزيرة نصّ على أنّ كلّ فلّاحٍ كان قد اشترى البذار بالدّين هذا الموسم وتضرّر موسمه الزّراعي يتمّ تأجيل موعد تسديد أقساط دينه عاماً إضافيّاً, وبالنّسبة للبذار ليس هناك تخوّفٌ من حصول أيّ نقصٍ فيها لموسم العام القادم, حيث تقوم مؤسّسة البذار الآن بتجهيز بذارٍ مغربلةٍ معقّمةٍ, ونعتقد أن موسم القمح الّذي سيُحصد من الأراضي المرويّة سيلبّي حاجة الإقليم للعام القادم.

وأضاف أحمد: في كلّ سنةٍ تقوم الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة بتأمين البذار وبيعها للفلّاحين بسعر التّكلفة وتتميّز بأنّها ذات نوعيّةٍ جيّدةٍ, والآن نتحضّر لموسم الحصاد بتجهيز الصّوامع من أجل شراء محصول القمح من الفلّاحين.

وأشار أحمد إلى أنّ الأمطار الغزيرة الّتي هطلت في كافّة مناطق إقليم الجّزيرة في هذا الأسبوع لم تنقذ ما جفّ من حقول القمح, بالعكس فهكذا أمطار وفي هذا الوقت من السّنة يؤثّر سلباً على المحاصيل البعليّة بسبب تشكّل رطوبة زائدة في الأرض مع حرارةٍ مرتفعةٍ من الجّو, ولذلك تعمل لجان الوقاية في هيئة الزّراعة على إنقاذ ما تضرّر من المحاصيل البعليّة.

نعمل من أجل تطوير الزّراعة لأنها المخزون الغذائي الاستراتيجي للمنطقة.

وبيّن أحمد أنّه ولتفادي المشاكل النّاجمة عن الجّفاف وشحّ الأمطار على القطّاع الزّراعي في المستقبل, أطلقنا حملةً لإحصاء الآبار الزّراعيّة في إقليم الجّزيرة وتوجيه مالكيها إلى ترخيص غير المرخّصة منها وذلك من أجل تأهيلها للدخول في الخدمة, وتزويد أصحابها بمادّة المازوت لتشغيلها عند الحاجة, وهدف هذه الحملة هو تفعيل الآبار الزّراعيّة كخطّة احتياطيّة مستقبليّة لمواجهة المشاكل الزّراعيّة في سنوات الجّفاف كهذه السّنة.

نعمل على الوصول إلى الاكتفاء الغذائي الذّاتي

ونوه أحمد أيضاً إلى أنّ إقليم الجّزيرة يزوّد الأقاليم الأخرى في شمال سوريا وحتّى المناطق المحرّرة بالبذار والقمح عند الحاجة, ويتمّ تقديم كافّة التّسهيلات للمنظّمات العالميّة الّتي ترغب في تقديم مستلزمات زراعيّة للفلّاحين في مناطقنا, ونحاول كهيئة زراعة أن نصل إلى نوعٍ من الاكتفاء الغذائي الذّاتي من ناحية الحبوب والبقوليّات والخضار والفواكه (أي ننتج غذاءنا بأنفسنا ولا نستورده من الخارج), لذلك ندعم كافّة أنواع الزّراعة وبالأخصّ زراعة الخضار الصّيفيّة شتاءً في البيوت البلاستيكيّة.

واختتم أحمد حديثه بالقول: لدينا لجانٌ متعدّدة الاختصاصات تُعنى بمسائل السّماد والأدوية والمحروقات والمياه, ومادة المازوت ونظراً لأهميّتها في الزّراعة من حيث ضخ المياه إلى الأراضي متوفّرةٌ في مناطقنا وبأرخص الأسعار, وتباع للفلّاحين بسعر التّكلفة 40 ليرة سورية للتر, والكميّات يتمّ توزيعها على المزارعين بحسب مساحة أرضهم, وكذلك الأدوية والأسمدة متوفّرةٌ, نعمل من أجل تطوير الزّراعة لأنها المخزون الغذائي الاستراتيجي للمنطقة.

نعمل على تفعيل السّدود والآبار الزّراعيّة لمواجهة الجّفاف في المستقبل

وبعدها تحدّث مالك عبد الوّهاب (من الإدارة المشتركة للموارد المائية في هيئة الزّراعة بإقليم الجّزيرة) قائلاً:

بسبب شحّ الأمطار والجّفاف في هذا العام صدرت توجيهاتٌ بتقديم الدّعم الّلازم للمزارعين والفلّاحين, حيث زوّدنا أصحاب الآبار الزّراعيّة المرخّصة بالكميّات المطلوبة من مادّة المازوت, وفتحنا السّدود لسقاية الأراضي الزّراعيّة, وبلغت كميّة المياه المصروفة من أجل السّقاية 5 ملايين متر مكعّب, وتمت سقاية ما يزيد عن 12 ألف هكتار من الأراضي الزّراعيّة في مناطق الشّدادي والعريشة والهول, وهناك سدودٌ في إقليم الجّزيرة كسدود (الحاكمية وبورزة والسّفان والجّراح) قنوات الرّي فيها خارجةٌ عن الخدمة منذ الفترة الّتي سبقت قيام الثّورة في سوريا, ونحن نقوم الآن بتأهيلها عن طريق منظّمةCHF) ), ونتوقّع أن تدخل في الخدمة في السّنوات القادمة, وخطّتنا تتضمّن تأهيل قنوات الرّي في جميع السّدود ضمن إقليم الجّزيرة, وكذلك لدينا خطّة لدعم أصحاب الآبار الزّراعيّة بقروض ماديّة لصيانة الآبار في المنطقة, ودفع القروض يكون على أقساطٍ موسميّةٍ, والآن تقوم لجاننا بإحصاء عدد الآبار والمبالغ الماليّة اللازمة لصيانتها لإدخالها في الخدمة قريباً.

الحراة والرّطوبة العاليتان تؤدّيان إلى ظهور الحشرات الضّارة بالزراعة

ثمّ التقى مراسل صحيفتنا مع (آواز سليمان) من قسم الوقاية في هيئة الزّراعة بإقليم الجّزيرة والّتي تحدّثت قائلةً:

قسم الوقاية يتضمّن مكافحة الحشرات والأدوية الزّراعيّة والآفّات الّتي تصيب المحاصيل الزّراعيّة والمكافحة الحيويّة لهذه الآفات, ونتيجة الحرارة العاليّة وقلّة الأمطار تأثّر موسم القمح بشكلٍ عامٍّ, وأدّت الحرارة المرتفعة إلى ظهور الكثير من الحشرات الضّارة بالقمح والمحاصيل الأخرى, لذلك قمنا بجولاتٍ على كافّة الأراضي المزروعة في إقليم الجّزيرة, وأعطينا التّوجيهات والنّصائح الوقائيّة للفلّاحين الّذين زرعوا القمح والشّعير والعدس.

حشرة السّونة هي الّتي تؤثّر على إنتاج القمح كلّ عام

وتابعت آواز: معظم الأمراض الّتي انتشرت كان انتشارها عن طريق العدوى, وفعلنا ما باستطاعتنا للقضاء على هذه الأمراض بتأمين الأدوية المضادة لها, والمبيدات اللازمة لمكافحتها, وفي كلّ موسم قمحٍ نكافح حشرة (السّونة) المسماة بالكردية (رقّك) الّتي تتطفّل على سنابل القمح في الطور الّلبني (بداية تكون الحبّة), وتمتص النّشاء منها, فتجعل حبات القمح تخرج قاسيةً وخفيفة الوزن وطحينها لا يصلح للخبز, السّونة تصيب محصول القمح بضررٍ كبيرٍ مما يؤثّر سلباً على الإنتاج, ولذلك وزّعنا الدّواء اللازم لمكافحتها على الفلّاحين, وأعلنّا عن مكافأة قدرها 25000 ليرة سوريّة لكلّ من يحضر لنا كميّة 1كغ من حشرة السّونة, وأطلقنا حملةً واسعةً لمكافحتها, ولجاننا مستمرّةٌ في جولاتها للتأكّد من سلامة محصول القمح المزروع من هذه الحشرة, وكانت النّتائج جيّدة, وأمّا الأمطار الّتي هطلت في هذا الأسبوع فهي تشكّل خطراً على المحاصيل الزّراعيّة, فالحرارة والرّطوبة العاليتان تؤديّان إلى انتشار العديد من الأمراض في المحاصيل الزّراعيّة وخصوصاً القمح والبقوليّات, ولأن موعد الحصاد قد اقترب, لا نستطيع فعل شيءٍ سوى إعطاء التّوجيهات, لأنّ المناخ والجوّ لا يمكن التّحكم بهما.

في حال حصول نقص في مادّة الطّحين سنعلن ذلك في بيانٍ رسميٍّ

أمّا (فرخوزاد حسن) من هيئة الاقتصاد وبخصوص مادّة الطحين ومدى تأثر توفّرها بتوفّر مادة القمح, ونتيجة سوء موسم القمح المتوقّع هذا العام, وعن تخوف المواطنين من نقص في مادّة الطّحين في إقليم الجّزيرة, وبالتّالي حصول نقص في مادّة الخبز, فقد قال: إنّنا نزوّد الأفران بمادّة الطّحين, وحتّى الآن نعطي الأفران أكثر من مخصّصاتها, إذاً في الوقت الحالي لا توجد أزمة طحين, وفي الأحوال العاديّة وفي شهر رمضان كلّ عامٍ نقوم بتقليل إنتاج الخبز بسبب قلّة الاستهلاك مقارنةً بالأيّام العاديّة, ولا علاقة لذلك بقلّة الطّحين, ولكنّنا كهيئة اقتصاد وفي حال حصول نقص في الطّحين سنعلن ذلك في بيانٍ رسميٍّ وننشره على موقعنا الإلكتروني, وفي الوقت الحالي لا توجد هناك أزمة طحينٍ ولا أزمة خبزٍ.

كلمة المحرّر

طوال عمر الأحداث في سوريا, وخلال سنوات حصار روج آفا, جرّبنا كافّة الأزمات, فكلّنا يتذكّر أزمة المحروقات, والكلّ جرّب مدفأة الحطب, وتعوّدنا على انقطاع الكهرباء, وأزمة البندورة, وفقدان الدّواء, وعشنا   الحرب والقصف, وعانينا من نقص الخبز, وكلّ عائلةٍ في روج آفا فقدت عزيزاً وقدّمته لهذه الأرض في سبيل العيش بحريّة وكرامة.

إنّ هذه اللوحة الفسيفسائيّة الّتي رسمتها مكوّنات روج آفا بريشة الأخوّة وألوان التّعايش المشترك وجفّفتها شمس الدّيمقراطيّة والمساواة, لن تبهت ألوانها أمام عاصفةٍ صغيرةٍ أو أزمةٍ عابرةٍ, فمن جرّب كلّ هذه الأزمات والمعاناة سيجد حلولاً عندما تواجهه مرّةً أخرى, وما دام الكلّ يعمل من أجل هدفٍ واحدٍ, فلن تؤثّر فيهم الصّعاب.

إعداد: عامر طحلو  

زر الذهاب إلى الأعلى