حوارات ثقافيةمانشيت

في حوار خاص لصحيفة الاتحاد الديمقراطي الكاتب والناقد خالص مسور

“أمثال (غوبلز) يمكن أن يتحسسوا مسدساتهم ضد المثقفين في أية لحظة”

حاوره: مصطفى عبدو

الكاتب خالص مسور، يحمل إجازة في الجغرافية من جامعة دمشق، ويقيم في مدينة قامشلو- سوريا مواليد 1951م.

عمل مدرساً في ثانويات قامشلو، كما كان مدرساً لمادة الجغرافيا في جامعة روج آفا، ولايزال يدرس مادة التاريخ الإسلامي في أكاديمية الإسلام الديمقراطي. تولى أول رئاسة لاتحاد المعلمين في قامشلو ثم الرئاسة المشتركة لاتحاد المثقفين. وكان متفوقاً في دراسته ويحصل على جوائز تشجيعية خاصة في المرحلة الابتدائية وما بعدها أو الجامعية.

وعندما بدأ يهتم بالكتابة، حصل على جوائز عديدة في المهرجانات والمسابقات الأدبية وغير الأدبية، مثل جائزة مهرجان الشاعر الكبير جكرخوين في هولير، وجائزة تقديرية من حزب يكيتي (الوحدة)، وجائزة اتحاد معلمي قامشلو، وجائزة أفضل مقال في مهرجان أوصمان صبري، ولوحة تقديرية في مهرجان القصة القصيرة من اتحاد الكتاب الكرد في سوريا، وجائزة الشاعر الكبير ملا بالو كما كرم مؤخراً من قبل جامعة روج آفا.

يكتب باللغتين العربية والكردية، ويعمل في مجال التأليف، والكتابة، والترجمة، من الكردية إلى العربية وبالعكس. ولديه اهتمامات بالنقد الأدبي وله كتب مطبوعة في مجال النقد التطبيقي والنظري وباللغتين الكردية والعربية، كما له اهتمامات بالتاريخ والتراث الكرديين، ويبحث في أساطير وأديان الشرق الأدنى القديم.

ترجم إلى العربية كتاب الشاعر والباحث الكردي المعروف (جكر خوين) – تاريخ كردستان – بأجزائه الثلاثة، وتم طبع الجزأين الأولين في بيروت والثالث في قامشلو، كما قام بترجمة مذكرات الكاتب والثائر الكردي المعروف (حسن هشيار سردي) إلى اللغة العربية وهي مخطوطة لم تطبع بعد، وللكاتب أيضاً كتاب ألفه بالعربية بعنوان (الاقتباس والجنس في التوراة) تمت طباعته في دمشق، ومخطوطات في التراث الكردي وهي عبارة عن قصص فولكلورية كردية مترجمة إلى العربية بعنوان (أربع قصص فولكلورية كردية مترجمة) مع دراسة اجتماعية لها وهي غير مطبوعة بعد، ثم كتاب العائد من التيه وهو كتاب نقدي، وكتاب دراسات وأبحاث في الشعر والنقد، وأخيراً كتاب دراسات نقدية عن نتاجات شعراء روج آفا وهو باللغة الكردية.

وكذلك هناك مخطوطات في الجغرافية وعلم المناخ، بالإضافة إلى كتابة مقالات عديدة، تاريخية، واجتماعية، وجغرافية، ودراسات نقدية وتحليلية للتراث والفلوكلور الكردي بشكل خاص، تم نشر بعضها في المجلات والدوريات الكردية والعربية داخل سوريا وخارجها. منها مجلة كولان العربي، والحوار، برس، وهفند…الخ. ولديه مشاريع مستقبلية عديدة لتأليف وترجمة قصص فلوكلورية كردية وبعضها عربية مع دراسات نقدية وتحليلية لها باللغتين العربية والكردية. 

فكان لنا شرف اللقاء التالي مع ضيفنا:

– متى بدأت تمارس هواية القراءة والكتابة وهل لقيت التشجيع من أحد ما؟

بدأت اهتم بقراءة الجرائد والصحف القليلة التي كانت تصلني من قامشلو إلى القرية في وقت مبكر، أي عندما لازلت في الصفوف الابتدائية ، وكنت أحب القراءة والعلم بالفطرة فأنا عصامي في قراءاتي وثقافتي سواء باللغة العربية أم الكردية ولم أتلق التشجيع من أحد، لأنني كنت في القرية آنذاك ولم يكن أحد يجيد القراءة أو الكتابة بأية لغة كانت، بل العكس كان هناك من يقول لي ما هذه القراءة التي اشغلت نفسك بها اتركها وتعال نتسلى بمثلها أوباحسن منها لكنني صيرت وثابرت. وفي يوم من الأيام عثرت على ألف باء المرحوم اوصمان صبري وبشكل غير متوقع عند بيت جدي، فأخذتها وبدأت أتعلم عن طريقها اللغة الكردية وعلمت نفسي بنفسي لأنني كنت وقتها في المرحلة الإعدادية، وتعرفت على الحروف الكردية مقارنة بالانكليزية ودون أن يساعدني احد.

– من المعلوم أنك نهم للعلم وتهتم بعلوم متعددة، فما هي المواضيع التي تستأثر باهتماماتك أكثر من غيرها من بين هذه العلوم؟

نعم أنا اقرأ كل شيء وأستمع إلى كل شيء أي عن طريق الكتب وفيديوهات اللابتوب مثلاً، وأمارس مختلف المواضيع والألوان الكتابية، وأحب جميع العلوم ولكن أهم المواضيع التي تستأثر باهتماماتي أكثر من غيرها هي: الجغرافيا، والتاريخ بشكل شامل وبجميع عصوره، وعلم الاجتماع، ثم الأسطورة، والنقد الأدبي بشكل أكبر.

– ألا تؤدي تنوع اهتماماتك العلمية إلى تشتت المعلومة لديك وعدم التعمق فيما تتناوله من مواضيع؟

نعم قد يؤثر ذلك على المستوى العلمي للشخص، ولكن بما أنني أكتب النقد الأدبي فمن شروط الناقد – إن كنت ناقداً – أن يكون ملماً بمختلف العلوم وهي معظمها كعلوم مساعدة للنقد لا بد منها، لذلك يجب أن يكون الناقد الأدبي ملماً بهذه العلوم ولو بمستويات معينة. وإلا سوف يبقى نقده قاصراً ودائراً في حلقة مفرغة، أي دون المستوى المطلوب للنقد.

– نعلم أن اهتماماتك بالنقد ربما تأخذ الأولوية من مطالعاتك الكثيرة فإلى أين وصلت بك دراساتك النقدية؟ وهل لك مؤلفات نقدية؟

نعم كما تفضلت فأنا أهتم بالنقد الأدبي كثيراً وأقرأ عنه أكثر، وقد أجريت دراسات نقدية تطبيقية على أشعار عدد من الشعراء العرب والكرد، مثل دراسة عن الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي، والشاعر الكبير أديب كمال الدين، وعن قصة الدكتورة الناقدة الفلسطينية الشهيرة سناء الشعلان صاحبة أكثر من 50- 60 جائزة أدبية أو أكثر، ومنهم الشاعر السوري الأشهر محمد الماغوط، والشعراء الكرد كالشاعر الكبير جكرخوين، وملايى جزيري وغيرهما الكثير لا أستطيع ذكرهم تجنبا للإطالة. علماً بأن دراساتي النقدية يغلب عليها طابع النقد التطبيقي بشكل أكبر.

ولهذا اعتقد أنني قد تمكنت من أن أوصل نفسي إلى مواقع في النقد الأدبي أراها – وحسب رأيي طبعاً – متقدمة نوعاً ما، حتى أنني بحثت عما نشرته في مواقع الإنترنت وفي المجلات والجرائد العربية وجدت أن هناك جامعات ومواقع الانترنت كردية وعربية كجامعة اسطيف في الجزائر مثلاً، والتي استشهدت بدراساتي في بعض دراساتها النقدية، ومواقع انترنت شهيرة سأذكرها لاحقاً، ورأيت من يستعين بدراساتي النقدية في أطروحات الماجستير والدكتوراه، كما هي الحال في الدراسة التي كتبتها عن الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط مثلاً.

– لكن ماذا بشان المواد الأخرى كالأسطورة والتاريخ مثلاً؟

علينا أن نشير بأن التاريخ هو الزاد الأول للمثقف، والمثقف الذي لا يهتم بدراسة التاريخ هو مثقف دونكيشوتي يصارع طواحين الهواء، أي يبقى ناقص الثقافة مهما أوتي علماً ومعرفة، إذا على المثقف أن يتزود من صفحات التاريخ ويبدأ من أقدم العصور إلى العصر الحاضر، لأن التاريخ يفتح أمام المثقف مشاهد درامية تطلعه على كل ما يحتاج إليه من ثقافة وآفاق أوسع، تساعده في التعرف على ذاته أولاً وفي فهم العالم من حوله وبشكل أكثر صفاء وشفافية.

أما الأسطورة فلا يظنن أحد أنها مجرد خيال أو خزعبلات، في الحقيقة الأمر ليس هكذا، ففي الأسطورة يكمن تراث قوم وعاداته وتقاليده، بل تاريخه وما خفي من مسيرته الطويلة، فالأسطورة لم تأت من فراغ بل إنها تشير ولو بشكل رمزي إلى حقائق وقعت في زمن الإشارة والرمز وأحياناً المباشرة، لأن الأسطورة تستقي معلوماتها من الواقع الذي حولها أو إن المجتمعات التي ظهرت بين أظهرها، يرويها ليقول ما يريده رمزاً وباطناً حينما كان الناس يخشون الإفساح عن مكنونات صدورهم خشية الحكام والحكومات ورجال السلطة وأعوانهم.

– كم كتاب أصدرت حتى الآن؟

أصدرت حتى الآن ثمانية كتب تدور مواضيعها حول دراسات نقدية وتاريخية، بالإضافة إلى عشرات المقالات في مختلف المجالات، وفي مجلات عدة مثل مجلة رؤيا التي تصدر في السليمانية، وكولان العربي التي تصدر من هولير، ومجلة الخيال العلمي السورية، وملحق الثورة الثقافي، وموقع الأدباء الثقافية االبحرينية، وولاتيمه وكميا كردا، وغيرها الكثير. ونقول أن للنشر في مواقع الانترنت له خطره لأن الكتابات فيها تتعرض للسرقة والانتحال، وقد تعرضت بعض مقالاتي المنشورة في المواقع الانترنت مع الأسف إلى السرقة من قبل كتاب آخرين ونشروها باسمهم.

– ألا تعاني من مشاكل بسبب دراساتك النقدية؟

نعم هناك معاناة جمة قد لا تتخيلونها ليس من قبل الإدارة الذاتية أبداً، بل من قبل من أتناول كتاباتهم بالنقد ومعجبيهم، لأن كتابنا وشعراؤنا لم يتعودوا على تحمل النقد على كتاباتهم ونتاجاتهم ولو لماماً، وهذا ما يدل على انعدام الثقة بالنفس حول ما يكتبون وعدم إدراك أهمية النقد بالنسبة للأديب والأدب معاً. وعلى العموم يجب أن يحوم في فضاءات ذهنيتنا الأدبية، بأن الأدب لا يتطور بمعزل عن مرافقه الحميم ألا وهو النقد الأدبي.

ولهذا نقول: بأن هناك معاناة بل يمكن أن نقول أنه قمع متخلف ضد الناقد الأدبي بكل معنى الكلمة وتقييد لحرية الناقد إلى درجة لا تطاق، وقد سئل أحد النقاد السوريين المعروفين، ماذا كسبت من وراء نقدك الأدبي؟ فأجاب: لم أكسب سوى أن جافاني وزعل مني إلف من زملائي!. والنقد الأدبي باعتقادنا قارب يفقد أهميته، حتى أن بعضهم يطالبون باستبداله بالنقد الثقافي كالناقد الأدبي السعودي الشهيرعبد الله الغذامي، لأنه أصبح مكروهاً واستنفد دوره الأصيل حسب رأيه، وحول أسلوب النقاد، فهناك من يمارسون التجريح والإهانة للكتاب والشعراء، أو هناك من يمطرون معارف لهم وأصدقاء بآيات المديح والإطراء، أو أن الكتاب والشعراء لا يتقبلون النقد على نتاجاتهم – كما قلنا – سابقاً، وفي كل الأحوال، قد نفتقد الكثير من النقد الموضوعي الجاد، مما يؤدي إلى حالة أدبية ومعرفية غير مرضية في مناطقنا بالذات وفي الدول النامية ككل، لأن الأدب لا يمكن أن يتقدم بالشكل المطلوب لذا فقد النقد دوره الريادي، وهو الذي يجب أن يكون بمثابة دليل يستكشف الدروب للكتاب والشعراء مجاناً وبدون مقابل.

– من خلال قراءتك لمشهدية اللوحة الثقافية في شمال وشرق سوريا، هل هناك ما يمكن أن نرى مثقفين ملتزمين، أي من يحملون هموم المرحلة، وهل مستواهم الثقافي دوماً وفق المستوى المطلوب؟

هذا السؤال ذو شقين، فمن ناحية الالتزام، في الحقيقة نرى مثقفين كرد عضويين أو ملتزمين، ولكنهم هم يشكلون أقلية ممن يشغلون ثقافتهم في سبيل قضاياهم الوطنية، خاصة في مثل هذه الظروف المصيرية بالنسبة للشعب الكردي وسائر المكونات الأخرى، أما من حيث المستوى الثقافي، فلا يمكن أن نجد في الحالة الحاضرة إلا القليل من المثقفين في روج آفا يحملون معارف علمية بالمستوى الثقافي المطلوب، لأن المثقف في أحد تعريفاته هو من يلم بعلوم مختلفة ولو لم يكن بتعمق ويمتلك وعياً سياسياً واجتماعياً، ويلتزم بقضايا شعبه وأمته وخاصة في مرحلة التحرير من الاستعمار والاحتلال، لكن ولأمد قريب وحتى اليوم جزئياً لم نكن نرى في مشهدية الثقافة الكردية وحتى لدى الشعوب الأخرى في روج آفا سوى المثقف شبه السياسي وشبه اللغوي المتلكئ أو غير المختص، أي لم نجد سوى من يهتم بغير اللغات والسياسة إلا قليلاً وتلك غالباً رأسماله الثقافي، ولم نر في الغالب إلا ثلة من المثقفين يتناولون المواضيع الفلسفية أو الفكرية والعلمية، أي أن المثقف الكردي لا يثقف نفسه بمواضيع أخرى سوى اللغة والقليل من السياسة إلا لماماً، ورغم هذا يمكن أن نذهب بأنه مثقف نهضوي حقق قدراً من التقدم وبخطوات سريعة في ظل أجواء الحرية المتوفرة اليوم. لكن لا زال تنقصه الثقافة الجادة والعميقة نوعاً ما.

أي أن المثقف الكردي بدأ رغم الحروب والفواجع ووسط نسمة من الحرية التي وفرتها الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، استطاع تطوير نفسه ثقافياً منذ بضع سنوات، أي ازداد مستواه الثقافي بشكل لافت. ونتمنى من مثقفينا أن يهتموا إلى جانب اللغة والسياسة بعلوم أخرى كالفلسفة والفكر والتاريخ والعلوم النافعة وغيرها على سبيل المثال. فنحن في وضع مقاومة مستميتة ويجب على المثقف أن يأخذ مكانته إلى جانب شعبه ومقاومته، وأن يكون عامل تغيير وتقدم ومنارة يهتدى بها في المصاعب والملمات.

– ما فهمته من كلامك، أن الغالبية من المثقفين الكرد لا يقومون بما يملي عليهم واجبهم ضمن شروط المرحلة، أي ليس لهم تأثير كما يراد منهم، ولا يسايرون فضاءات الحرب والمقاومة التي يحومون فيها والوضع الذي يعيشونه، فهل تؤكد معي على ذلك؟

على الأغلب نعم وبكل تأكيد، لأن المثقف الكردي مع بعض الاستثناءات طبعاً، تتملكه روح الانتهازية والمصلحة الفردية وشيء من رياء الناس، لكن المثقف السياسي بدا وقد تأبطه السياسي واستسلم له فلا يستطيع منه فكاكاً، بل بقي كالظل بالنسبة له يفتقد الجرأة في تعامله معه أو في انتقاد السياسة التي ينتهجها السياسي، وأنا لست بناكر للمثقف أن يكون سياسياً، ولكن على ألا يبقى في الظل مفرط في ثقافته ومقموع في مقولته وعدم توظيف ثقافته كما يجب..

– بصراحة أنت كمثقف أين تجد موقعك في المشهد الثقافي الكردي، فعلى أي جانبيك تميل؟

الحقيقة، أجد نفسي ملتزماً بقضايا شعبي وأمتي ولا أحيد عنها، وبقضايا إنسانية وكثيراً ما كتبت دفاعاً عن الشعوب المظلومة غير الكرد عن دار فور مثلاً. إذ يتوجب على كل مثقف أن يكون لسان حال شعبه وأي شعب مضطهد ورسول الإنسانية في محنتها، فمهمته طويلة وشاقة وخطرة أكثر مما نتوقعه، إذ أن أمثال (غوبلز) يمكن أن يتحسسوا مسدساتهم ضد المثقفين في أي وقت و في كل زمان ومكان.

زر الذهاب إلى الأعلى