مقالات

فشل الدولة القومية

شاهوز حسن

لقد سقطت الدولة القومية المركزية بالرغم من الدعم الهائل لها المتمثل بالخرائط والتقسيم الجغرافي ودساتير عابرة غريبة وبكل الدعم الاقتصادي السياسي الثقافي وبكل قيم الريع، ليظهر أخيراً بأنه مخلوق غريب لا ينتمي إلى هذه التربة.. إلى الشرق والأوسط منه بشكل مخصوص، كيف لا وقد أظهرت الأنظمة الاستبدادية مشاركة مع المعارضة العتيقة التي لا تختلف عنها، بأن تخرج أسوأ ما لديها من عنف وطائفية وتدخلات أجنبية، قصد تشكيل ساتر الصد الممانع للتغيير، وتشويه الإرادة الشعبية، وتشويه الحراك الديمقراطي، وكان ولم يزل مشروع الدولة العربية التسلطية والاستبدادية ونخبها السياسية والثقافية من أجل الحفاظ على السلطة باسم أوهام الاستقرار، وأضاليل الاستثناء، وأباطيل الممانعة، وشكّل الارتباط المرضي بالماضي عائقاُ أمام إمكانية التحول الديمقراطي المنشود. ولأن كل غريب يرحل وهذا المخلوق الغريب المسمى بالدولة القومية في طريقه إلى الرحيل إنْ لم نقل إلى الزوال، ويحل محلها –هذا الأمر ليس بالسهل- الاستقرار والأمن والتنمية وهي بدورها عناوين الأمة الديمقراطية في فيدرالياتها الديمقراطية، والأخيرة ليست مستجدة وليست بالطارئة إنما القديمة الأساسية التي شكلت في محطات فاصلة تاريخية نهوض هذه الشعوب ومتانة الحضارة الديمقراطية التي أنتجتها، والذي حدث بمنتهى الواقعية أن الغريب الطارئ جَثَم بكل ثقله وغيّب بتسلطه أدوار حضارة الشعوب وحقيقتها. ويبدو الحل في الشرق الأوسط برمته في أبهى حالاته المتمثل بالعودة إلى الجذر التاريخي والمعرفي لأصل شرقنا في فيدرالياته الديمقراطية. لقد فشلت طوارئ النظريات من إيجاد موطئ قدم حقيقي لها وبمجملها كالعمق الجغرافي والعمق الديني والعمق القومي والعمق المذهبي والعمق الإيديولوجي المرتبط بإنتاج جديد مستتر لهذه الأعماق، وبأن الحل السوري متمثل بالعمق الديمقراطي للمسألة السورية التي تشكلها تاريخانية مكوناتها القومية والدينية والاجتماعية وغيرها أفراداً وجماعات، والقبول بمثل هذا الفهم يعني قبول حقها بتقرير مصيرها بإرادتها الحرة دون وصاية أو استعلاء أو الاحتكام لمعايير الأقلية والأكثرية أو ما شابه.

(ثمة توافُقٌ ضمنيٌّ بين كافةِ المكونات المجتمعية السوريّة بشأنِ دمقرطةِ سوريا. ما يَنقصُ هنا، هو تصييرُ هذه الرغبةِ الضمنيةِ والتاريخيةِ إرادةً حيةً ومكشوفة). والعمق الديمقراطي المعاصر وبكل آلياته ودواعيه وأهدافه هو يَقينُ هذا الواقعِ وحقيقتُه، والتعبيرُ الجوهريُّ عنه. إنّ الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، يرسم الإطار المعنيّ بماهية الدستورِ الديمقراطيِّ اللازم لتلبية مَطلَب الدمقرطة التاريخية والمعاصرة من أجل إعادة تأسيس جمهورية سوريا الديمقراطية على تصورات مدنية وآليات تنظيمية جديدة والأسئلة الخاصة بتاريخية وجودها كفكرة، والدلالات التي اكتستها عبر حقب تطورها، والشروط التي جعلت صيرورتها مفهوماً مركزياً وأنه هو الدستورُ المُعَدُّ بتوافق مجتمعي يعمل أساساً بحماية المواطن الديمقراطي والجماعاتِ الديمقراطيةِ في وجهِ النظام الاستبدادي، ولا يرتكزُ إلى سلطوية الدولة، بل هو متعددُ اللغات ومتنوع الأثنيات، ولا يتيح المجال للتمايز الطبقي، بل يعتمد على الأفراد الأحرارِ والمتساوين. فالمجتمع الديمقراطي يعمل أساساً ببراديغما المجتمع المرن المتألف من الهويات الثقافية المنفتحة الأطراف، وهذا ما تؤكد الفيدرالية الديمقراطية كمرآة نوعية لحقيقة التنوع والتعدد في المجتمع السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى