الأخبارمانشيت

عمليّة عفرين التّركيّة تثير مخاوف السّوريين من جعل الإيزيديين وقوداً لها

بعد الإبادة الإيزيديّة في 3 آب 2014 في سنجار (شنكال), تركّز اهتمام الإيزيديّين على المجتمع الإيزيدي في العراق, في ظل وجود العديد من القرى الإيزيديّة في المناطق الكرديّة بسوريا.

سكن الإيزيديّون هذه الأوطان لقرونٍ, لكنّهم كانوا عرضةً للخطر, أوّلاً بسبب الحرب الأهليّة السّوريّة, والآن مع احتلال تركيا لعفرين الكرديّة.

خالد إيزيديٌّ كان لا يزال يعيش في قريته عندما أجرينا معه مقابلةً قبل بضعة أيامٍ فقط من هجوم الجّيش التّركي وشركائه في ما يُسمّى الجّيش السّوري الحرّ في آذار على عفرين.

وقال للعربي الجديد بصوتٍ خائفٍ في منزله بـ (عين دارة): “الإيزيديّون الّذين يعيشون في شمال عفرين يغادرون منازلهم واحداً تلو الآخر, حيث تمّ تدمير العديد من الأضرحة الإيزيديّة, واختطاف النّساء, إذا وصل الجّيش التّركي والإسلاميّون إلى هنا, فإنّنا لا نعرف إلى أين سنذهب”.

كان خالد يؤوي عائلةً إيزيديّةً من قسطل جندو, وهي قريةٌ في عفرين استولى عليها جّيش الاحتلال التّركي.

تركيا الّتي استقبلت ما يقارب الأربعة ملايين لاجئ سوري قامت بتدريب وتجهيز مقاتلين مما يسمى الجّيش السّوري الحرّ معظمهم من العرب السّنة, واستخدمتهم لقيادة عمليّاتها لاحتلال عفرين وهو إقليم في شمال سوريا، وأفادت تّقاريرٌ نشرت على نطاقٍ واسعٍ بأنّ الفصائل والمجموعات التّابعة لتركيا تسيئ استخدام مواقع السّلطة الجّديدة في المنطقة.

ويقول مراد اسماعيل المدير التّنفيذي في (يزدا): وهي منظّمة محليّة: في نيسان اختُطف أحد عشر شخصاً من الإيزيديين في نفس الوقت, وطُلب من أقاربهم مبالغٌ كبيرةٌ من المال مقابل الإفراج عنهم.

وتحدّث إلينا قرويٌّ آخر لكنه لم يرد نشر اسمه خوفاً من الانتقام, وقال: “لقد دمّروا الأضرحة الإيزيديّة فور وصولهم, لقد هربنا من حيّ الشّيخ مقصود (الحي الكردي في حلب) بسبب الاقتتال الدّاخلي, ووجدنا الأمان في قريتنا الأصليّة (قسطل جندو), والآن نحن لاجئون مرّةً أخرى, والله وحده يعلم ما سيحلّ بنا غداً”.

وعلى الرغم من أنّ كانتون عفرين الآن يخضع لسيطرة جّيش الاحتلال التّركي وسط تعتيمٍ إعلاميٍّ تامٍّ, ظهرت أدلّةٌ تشير إلى أنّ الأقليّات تتعرض للتّمييز بسبب معتقداتها الدّينيّة من قبل ميليشياتٍ إسلاميّةٍ متحالفةٍ مع الجّيش التّركي.

كان عدد الإيزيديّين في عفرين حوالي (50000) قبل الحرب السّوريّة, وانخفض إلى (35000) نتيجةً للأحداث الناشبة.

وقال محمود كلش رئيس لجنة المثقّفين الإيزيديّة في عفرين: “مع بدء الهجوم التّركي استمر الهبوط ووصل إلى حوالي (25000) شخص.

ويُعتقد أنّ العدد قد انخفض منذ ذلك الحين في الكانتون الّذي كان يديره الكرد, وبحسب ما ورد فقد أُجبر العديد من الإيزيديين على اعتناق الإسلام لتفادي الانتقام من قبل الإسلاميّين.

أنشأت الحكومة التّركيّة مجلساً محليّاً لإدارة عفرين, ويقول (سعد بابير) المدير الإعلاميّ في يزدا: “تمّ تعيين ممثّلٍ واحدٍ من الإيزيديّين ضمن هذا المجلس, لكن لا أحد يعرف ذلك الشّخص ومن يمثّل”.

وفي (عين دارة) كان السّكان قد رأوا بالفعل معبد صلاتهم المقدّسة الرّئيسي الّذي دمّرته غارةٌ جويّةٌ في كانون الثاني, حيث تمّ استهداف هذا المعبد وهو موقع مدرجٌ في قائمة اليونسكو, وتمّ استهدافه على الرغم من عدم وجود نشاطٍ عسكريٍّ بالقرب من الموقع.

(لقد اعتدنا على الذّهاب إلى هذا الموقع القديم للصّلاة والقيام بأنشطتنا الدّينيّة), حسبما قال بابير.

ونفى الجّيش التّركي قصف أيّ موقعٍ ثقافيٍّ قائلاً إنّه يستهدف فقط الأهداف العسكريّة.

وعلى الرغم من ذلك قال سعد بابير: إنّ ثمانيةً على الأقل من الأضرحة الإيزيديّة قد دُمّرت في عفرين منذ بدء العمليّة التّركيّة, وقد أُكّد هذا العدد من قبل نشطاءٍ آخرين على الأرض، ومن قبل منظّمة يزدا.

إعادة التوطين

هناك توطينٌ مستمرٌّ للسّكان في المنطقة, العائلات القادمة من مخيّمات الّلاجئين في تركيا تصل إلى عفرين, في حين يهجّر السّكان الكرد, وقد استولى الإسلاميّون على المنازل, واختاروا منها الأكثر راحةً لأنفسهم.

وقد تمّت دعوة المقاتلين الّذين تمّ إجلاؤهم من الغوطة وغيرها من المناطق الّتي كانوا يسيطرون عليها سابقاً للاستقرار في عفرين, وعلى الرّغم من أنّ البعض قد رفضوا المشاركة في ما يعتبرونه حملة تطهيرٍ عرقيٍّ.

تتزامن عمليّة إعادة توطين عرب السّنة من مناطق أخرى في سوريا مع منع السّكان المحليّين من العودة إلى ديارهم بعد القتال.

يقول السّكان هنا أنّ العرب الجّدد منعوا المدنيّين الكرد والكرد الإيزيديّين من العودة إلى ديارهم, وأُجبروا على البقاء في جيب تل رفعت وهي منطقةٍ لا تزال تحت الإدارة الكرديّة في شمال سوريا الّتي يشار إليها أيضاً باسم روج آفا.

وتنتشر الأمراض في تل رفعت بسبب الوضع الإنسانيّ السيء للنّازحين القادمين من عفرين والقُرى المجاورة, علاوةً على ذلك أفادت (يزدا) أنّ النّظام السّوري منع بعض الكرد من الوصول إلى حيّ الشّيخ مقصود الكردي, حيث كان بإمكانهم العثور على مأوىً ووضع إنسانيٍّ أفضل بحسب سعد بابير.

وأضاف محليٌّ آخر طلب عدم الكشف عن هويته: إنّ هذا الوضع سيكون استمراراً لمذبحة شنكال [سنجار] بوسائل أخرى وتحت تعتيمٍ إعلاميٍّ تقريباً.

صمتٌ دوليٌّ

أكد محمود كلش: إذا بقي المجتمع الدّوليّ صامتاً ولا يفعل شيئاً لحماية الإيزيدين لدينا, فسيكون هناك المزيد من الإبادة ضدّنا, ديننا دين التّسامح, ونحن لم نهاجم أيّ شخصٍ, ولم نأخذ البيوت أو الأرض من أيّ شخصٍ.

ويشمل الصّراع السّوريّ المستمرّ القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة بالإضافة إلى القوى الإقليميّة بما في ذلك إيران وتركيا, وبسبب لعبة الشطرنج المعقّدة هذه يبدو أن محاسبة أولئك الّذين يسيطرون الآن على عفرين على جرائمهم مستحيلٌ الآن.

وعلى الرّغم من الأدلّة الّتي تُثبت وجود مقاتلي جبهة النّصرة المرتبطين بالقاعدة في صفوف المتمرّدين المتحالفين مع الجّيش التّركي إلّا أنّ القوى الدّوليّة الكُبرى تبدو غير راغبةٍ أو غير قادرةٍ على ممارسة ضغطٍ كبيرٍ على الحكومة التّركيّة لعزل هؤلاء المقاتلين.

تم نشر هذه المقالة في The New Arab

سيلفان ميركادييه: صحفيّ مستقل وخريج العلوم السياسية من جامعة القديس يوسف (بيروت 2014) أمضى سنوات عديدة في الشرق الأوسط بما في ذلك عمان والإمارات العربية المتحدة ولبنان وفلسطين، ويقيم حالياً في إقليم كردستان.

زر الذهاب إلى الأعلى