المجتمعمانشيت

سري كانيه وظاهرة التكهفات وخسف التربة

تقع مدينة سري كانيه في الشمال الغربي من إقليم الجزيرة، وهي تابعة لمدينة الحسكة وتبعد عنها مسافة 85 كم والتي تقع في الشمال الشرقي لسوريا، وتجاور الحدود التركية وتبلغ مساحتها 23 ألف كم مربع كما أنها تمتاز بطابعها التاريخي وموقعها الاستراتيجي الهام وكثرة آثارها العريقة التي ترجع لآلاف السنين قبل الميلاد.

تسميتها:

اختلفت أسماء مدينة سري كانيه حسب الأقوام التي سكنوها، فكانت تسمى في العهد الأرامي باسم كابارا، وعرفت خلال العهد الآشوري باسم غوزانا؛ كما عرفت بالأسماء التالية ــ رازينا ــ أو رسين ــ تيودسليوس خلال العهد الروماني، وفيما بعد أعيد تسميتها بمدينة رش عيناو التي تعني بالآشورية رأس العين، واستمر الاسم للوقت الحاضر وسري كانيه باللغة الكردية ويرجح السبب الأكثر إقناعاً لتسمية المدينة بهذا الاسم “سري كانيه” وقوعها على أكبر عدد من الينابيع وعيون منابع نهر الخابور إضافة إلى الينابيع الجوفية والكبريتية التي اشتهرت بها.

تعريف ظاهرة التكهفات أو خسف الأرض

هي ظاهرة غريبة جداً فهي عبارة عن انشقاق الأرض وابتلاع البيوت بشكل مفاجئ، لم نكن نسمع عن مثل هذه الأحداث إلا في حالة وقوع زلزال أو هزة أرضية، ولكن أن تنشق الأرض فجأة وتخسف بمنزل أو منزلين أو حي فهذا حدث غريب نوعاً ما!!! وظاهرة التكهف المتكررة في مدينة سري كانيه أصبحت مصدر خطر يهدد مئات المنازل في أحياء مختلفة من المدينة.

الحدث:

تعاني مدينة سري كانيه حالات من هبوط وتفكك بالتربة، ومعظم هذه الانشقاقات والتكهفات ليست بجديدة وإنما منذ أعوام سابقة، وهي تزداد بمناطق شبكات الصرف الصحي، وكون طريقة إنشاء هذه الشبكات غير نظامية وضمن مخطط سيء تهدد ظاهرة التكهف مدينة سري كانيه، فالكثير من المنازل وأحياء المدينة تشهد حالة من الانهيار المفاجئ، وتفاقمت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة وبشكل مفاجئ في المدينة لدرجة باتت تنبئ بالخطر على سكانها، لا سيما هذه السنة بسبب تساقط الأمطار الغزيرة وحدوث الفيضانات زادت من تفاقم هذه الظاهرة فكل يوم يحدث تكهف وانهيار جديد.

أدت هذه التكهفات إلى الحاق أضرار جسيمة بالسكان، وعلى سبيل المثال انهيار أجزاء كبيرة من أحد المنازل بالمدينة وتضرر منازل أخرى بالإضافة إلى انهيار في حديقة الشهيدة بيريفان وانهيار للتربة في منطقة تسمى بـ ” الحوارنة” وكذلك حي روناهي الذي تضرر كثيراً، ولم يعد صالحاً للسكن وحدث فيها تصدع وانهيار عدة منازل ولكن دون أي إصابة لأحد، حيث حدث انهيار منزل “معمو عزالدين” المعروف بـ “صغير” وأدت أيضاً لتصدع ما يقارب عشرة منازل مجاورة.

مؤخراً شهدت المدينة انهيارات أرضية وشقوق وحفر وفيضانات ما أسفر إلى خسف الأرض تحت صهريج للمياه أدى إلى مصرع طفل.

لذا ارتأت صحيفة الاتحاد الديمقراطي إعداد تقرير مفصل من خلال إجراء لقاءات عدة لمعرفة أسباب هذه الظاهرة وسبل معالجتها.  

عيدة احمد من سكان حي روناهي تحدثت لصحيفتنا: إن الخوف يقطن قلوب أهالي المدينة بشكل كبير ونحن سكان الحي على الأخص جميعنا نعلم بأن أرض سري كانيه هو منبع الينابيع منذ القدم وهذه السنة بسبب الأمطار الكثيرة والفيضانات، تضررت منازل كثيرة وكل يوم يظهر تشققات جديدة في المنازل، حياتنا مهددة بالموت في أية لحظة نخشى على أطفالنا، اليوم انهدم منزل بالحي وتضرر شارع كامل وغداً سينهدم حي بأكمله نطالب الجهات المعنية بالوقوف سريعاً على هذه الظاهرة ووضع حد لهذه التكهفات التي ستؤدي يوماً ما إلى دمار المدينة بأكملها.

شيرين حمو من حي روناهي أفادت للصحيفة: يجب وضع حلول سريعة والوقوف على هذه الظاهرة عاجلاً، حيث قالت أن الأهالي أصبحوا يتذمرون والخوف يسكن قلوبهم من ظاهرة التكهف التي تصيب الأراضي بسبب وجود الينابيع الجوفية في المدينة أدت إلى التشققات والتكهفات التي وألحقت أضراراً كبيرة بالمنازل والبنية التحتية للمدينة من شوارع وطرقات وأرصفة.

وتابعت القول: للتخلص من هذا الخوف الذي نعيشه نرجو الوقوف على هذه الظاهرة بجدية لأن حياتنا باتت في خطر ونطالب المختصين والفنيين والخبراء أن يتابعوا هذه الظاهرة وأن يروا مكان تواجد الينابيع الجوفية من أجل توخي الحذر لمنع وقوع أية إصابات، وإعطاء إنذار للأهالي عند حدوث أي تكهف جديد في المدينة.

ونرجو من بلدية الشعب والجهات المختصة الوقوف بجدية على هذه الظاهرة واتخاذ التدابير اللازمة وتعبئة أماكن التكهفات والانهيارات وابلاغ المواطنين بأماكن الخطر من أجل الحفاظ على سلامتهم.

تحدث المواطن خالد خليل من أهالي سري كانيه أيضاً: تعود أسباب التكهفات إلى قِدم شبكة الصرف الصحي والتي تعاني من مشاكل كبيرة لم تقم البلديات السابقة بعلاجها، ومع بداية الأزمة السورية وفي عام 2012 عندما سيطرت جبهة النصرة والمجموعات الارهابية على المدينة تم تدميرها مما كان لذلك أثر كبير، وعند تحرير سري كانيه وتشكيل الإدارة الذاتية ومؤسساتها والبلديات لم تستطع أن تقدم حلاً كاملاً إنما كانت هناك حلول بسيطة وترقيعية تشمل تعبئة مكان التكهف بالصخور والتراب لا أكثر والسبب يعود إلى عدم وجود امكانيات كافية.

ومن جهته قال المواطن سليمان عبد العزيز: “ظاهرة التكهف هي ظاهرة قديمة جداً، وأحد أسبابها الرئيسية هو سوء شبكة الصرف الصحي في المدينة، والتي أُنشئت بطريقة خاطئة قبل قرابة الـ 50 عاماً، وهذه الأخطاء التي نراها الآن على أرض الواقع هي نتيجة أخطاء البلدية آنذاك وبسبب وجود ينابيع جوفية أيضاً والأمطار الغزيرة التي تعرضت لها المدينة في الأيام الماضية أدت إلى تكهفات وانهيارات بأماكن مختلفة من المدينة”.

نسرين صلاح الرئيسة المشتركة لبلدية الشعب في سري كانيه؛ أوضحت للصحيفة قائلة:

منذ القِدَم وسري كانيه معروفة ببنيتها الهشة غير الصلبة ومن أجل إعادة البنية التحتية وتصليحها يلزمنا امكانيات كثيرة لأن المشكلة كبيرة وامكانياتنا محدودة في ظل الأوضاع الراهنة وتابعت حديثها: نلاحظ وبشكل عام أن أراضي المدينة معظمها زراعية وغير صالحة للبناء وهذه السنة برزت ظاهرة التكهفات التي ازدادت بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات الكثيرة التي جرت وكان لها تأثير كبير جداّ على البنية التحتية، مما أدى إلى انجراف وتشققات وتكهفات وسيول سببت انهدام لمنازل في سري كانيه.

نوَّهت نسرين: نحن كبلدية الشعب في سري كانيه كان لنا علم بوجود تشققات في بعض المنازل وقمنا بأخذ التدابير الإسعافية كما سارعنا بتشكيل لجنة فنية لمُعاينة تلك المنازل والأحياء، فأدركنا بأن إحدى هذه المنازل مهددة بالانهيار خلال الأيام المقبلة وبدورنا قمنا بإنذار الاهالي بإخلاء المنزل والمنازل المجاورة بشكل فوري حفاظاً على حياة المواطنين، كما وضعنا حواجز من أجل ألا يمر أحد من هذا الحي وأن يكون المارة على علم بوجود خطر.

وأضافت: لم نتقاعس عن الموضوع وأولينا له أهمية فنحن نقوم بدراسة واسعة لمعرفة أسباب هذه التكهفات المتكررة، حيث رفعنا هذه الدراسات إلى الجهات المعنية والمختصة بذلك، أما بالنسبة لحديقة الشهيدة “بيريفان” والتكهفات داخلها وسقوط عدد من الأشجار، وإلحاق أضرار ببعض خطوط الصرف الصحي وسط الحديقة، قمنا بإصلاح جزء منها وتعبئة التراب والصخور في أماكن التكهفات والتشققات.

عبد العزيز أوسي رئيس الدائرة الفنية ببلدية سري كانيه قال بهذا الصدد: تفاقم هذه الظاهرة (التكهفات) بأرجاء مختلفة من المدينة مؤخراً كان نتيجة وضع شبكة خطوط الصرف الصحي غير الصحيح والهطولات المطرية وتشكل السيول والفيضانات، ولفت أوسو في حديثه: لا ننسى جوف مدينة سري كانيه كان يعاني من شبه فراغ في البنية التحتية بنحو 30 متراً، نظراً للنقص الشديد في المياه الجوفية، ونتيجة كثرة الآبار التي كانت تحفر من قبل السلطات في المدينة هذا الأمر نتج عنه حدوث تجويفات في باطن الأرض جراء نقص المياه، وأشار أوسو إلى أن أول خسف للأرض حدث في مدينة سري كانيه عام 2007 ولا يزال الأمر مستمراً حتى الآن وأثناء البحث تبين حينها أن المياه نقصت بقدر 22 متراً.

ونوَّه إلى أن الأمر خطير جداً، لأننا لا نعرف في أي مكان يوجد نقص المياه وعندما تهطل الأمطار تخسف الأرض وهذا ما يؤدي إلى كسر أقنية الصرف الصحي، لتختلط مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي مع المياه الجوفية، فمثلا حديقة الشهيدة بيريفان تضررت كثيراً؛ هذه الحديقة التي تبلغ مساحتها 2000متر مربع؛ أما الانهيارات الأرضية التي حصلت فيها تبلغ مساحتها ٨٠٠ متر مربع بالإضافة إلى اقتلاع الأشجار وانهدام أماكن في مجاري الصرف الصحي، فهناك أماكن في الحديقة قد تضررت بنصف متر ومنها بمتر ومنها أكثر من ذلك، كما ظهرت تشققات في الشارع العام المعروف بـ “الكورنيش” وفي حي روناهي انهدم بيت كامل ولاحظ ظهور تشققات بمنازل أخرى و قد اخلينا تلك المنازل من سكانها حفاظا على سلامتهم، وفي حي زور افا تصدع فيها عدة منازل غير مسكونة ، وكان عمق الصدع تقريبا أكثر من ١٥ متر وقمنا بمعالجة هذه التكهفات بتعبئتها بالأتربة والأحجار.

تحدث عبد السلام محمد رئيس مكتب البيئة بمدينة سري كانيه:

 حسب الابحاث التي اُجريت وتُجرى بشأن هذه الظاهرة (التكهفات) فالسبب يعود إلى البنية التحتية للمدينة ونحن اليوم ندفع ثمن ما اقترفته البلديات الماضية التابعة للنظام السوري التي لم تكن تهتم بالمدينة، فالمتعهدين الذين كانوا في زمن النظام لم يقوموا بعملهم بأمانه وصدق، وبسبب عدم قيامهم بأعمالهم فأن مياه الصرف الصحي لا تسير في مجراها الصحيح بل تذهب إلى البنية التحية للأرض بسبب الخلل الموجود في منسوب مياه هذه المجارير.

 أشار عبد السلام: نحن كقسم البيئة نقف على هذا الموضوع بكل جدية وحزم وإرادة قوية لمعالجة هذه الظاهرة كي لا تختلط مياه الصرف الصحي مع مياه الشرب لأن ذلك يؤدي إلى ظهور العديد من الأمراض لذلك مباحثاتنا ودراساتنا مستمرة للحد من هذه الظاهرة.

ختاماً:

إن الظروف البيئية والجغرافية التي تمتاز بها مدينة سري كانيه والتغيير المناخي فرضت هذه الطبيعة الجغرافية الترابية على المدينة، وهذا ما أدى إلى ازدياد ظاهرة التكهفات، إضافة إلى الحروب والدمار والقصف بالطائرات على أراضيها من قبل النظام السوري في عام ٢٠١١، كل هذا أثّر على البنية التحتية للمدينة، وأدى ذلك إلى تغييرات في ملامح الطبيعة الأم، فظهرت تلك التكهفات الأرضية والانهيارات في طبقات التربة، ونتيجة الهطولات المطرية الغزيرة التي شهدتها المنطقة خلال فصل الشتاء والأيام المنصرمة، وبسبب الينابيع الجوفية الموجودة تحت طبقات الأرض في مدينة سري كانية أدت إلى حدوث انهيارات جديدة للتربة في أماكن مختلفة من المدينة، لذا على مؤسسات الإدارة الذاتية والجهات المختصة وحفاظاً على سلامة المواطنين أخذ التدابير اللازمة لتفادي هذه المشكلة.

تقرير: حسينة عنتر/ ديدم علي

زر الذهاب إلى الأعلى