مقالات

دعوة إلى نبذ الاختلاف الكردي

مصطفى عبدو

غني عن التعريف أن اختلاف الآراء وتعدّد وجهات النظر من بديهيات الحياة، وأن احترام الرأي في كثيرٍ من الأحيان يخدم الطرفين المتخالفين؛ وهنا نتحدث ككرد. تستغرق حالة  “الاختلاف واللاوعي” كل شؤوننا، إلى درجة جعلت البعض منا يفقد إرادته وتفكيره، وذابت شخصيته، وتخلخلت قيمه، وضاعت في خِضمِّ ذلك مبادئه، وظهر التناقض والاختلاف في أغلب شؤونه؛ إن لم يكن جميعها، فأصبح يعمل لصالح الغير وبات العدو يحركه كيفما يشاء، مستغلاً حالة الخلاف الذي يهيمن علينا, ليحققوا مآربه.

الحياة التي نعيشها قصيرة وتستحق أن نعيشها بكل مفرداتها, بالمقابل لا ينبغي إضاعتها في الاختلاف الموروث والمعروف كردياً. ليس من اللائق الركض والهرولة وراء كل من يخالفنا الرأي؛ لأن في ذلك مضيعة للوقت، وتغيير في مسار الهدف الأساسي. وأن الانخراط والانجرار خلف أمور كهذه, يعني السير وفق رغبة وأجندات الآخرين.

الاختلاف في الرأي ضرورة حياتية, وعلى الجميع البحث عن السبل الكفيلة لتحقيق التوافق الوطني. من هنا لابد إذاً من بعض الموضوعية في تناول المواضيع  واحترام الرأي الآخر لأنها أساس أي عمل جاد. وطبعاً هذا لا يعني التوقف عن النقد البنّاء.

نجد اليوم استعداداً كبيراً لدى غالبية الأطراف الكردية لوضع سياسات ورؤى جديدة انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الوطنية، واستجابة لتطلعات الشارع الكردي في إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعزيز صمود وقدرات شعبنا.

وهذا ما جعل المواطن الكردي يشعر بأن أحلامه بدأت تتجسد واقعاً على الأرض، وخاصة بعد الانجازات العسكرية والسياسية والدبلوماسية التي تحققت، وهذا بالضبط ما لمسناه من خلال الانتخابات الأخيرة.

بالمحصلة تشهد الأوضاع الكردية اليوم تحسناً ملحوظاً وتبدلاً في الأمور. وما نحتاج إليه اليوم على مستوى الأفراد والنُخَب والمؤسسات الرسمية والتعليمية والشعبية والإعلامية، هو أن نستعيد وعينا وإدراكنا؛ لنستجمع ذواتنا ونتلمس مكامن القوة والتميّز في شخصياتنا، ونستعيد الثقة بأنفسنا حتى نتمكن من الخروج السليم من حالة الاختلاف التي نعيشها, وتهيمن علينا منذ عقود طويلة، فالتبعية أوصلت الكثير من الكرد إلى حالة العجز, حتى في أخبارهم ومعلوماتهم وتحليلاتهم وإعلامهم، فتحوّلوا إلى أداة يتحكّم بها الغير، وباتوا يغوصون في هذه المعمعة أكثر فأكثر دون الالتفاف إلى الواقع المعاش والدعوات المتكررة من الشركاء على الأرض، فلا نعجب لما آلت إليه أحوالنا، ولا نستغرب كيف تدهورت أوضاعنا، فكل ذلك هو نتيجة طبيعية ومنطقية لعيشنا حالة “اللاوعي والاختلاف” واستسلامنا لها، وهو ما يحتّم علينا الخروج منها عاجلاً قبل حدوث ما هو أسوأ.

إنَّ الرأي الصائب الآن، هو الاستمرار في نهج التشارك وتوسيع مساحتها في إدارة النظام الجديد “الفيدرالية” ومنح الصلاحيات للقوى والأطراف السياسية للتفاعل والأخذ بالرؤى الصحيحة الصادقة، وتفعيل تنفيذها في الوقت الملائم. ونؤكد وجود أرضيات متنوعة وغنية يمكنها أن تشكل البداية الحقيقية لعقد لقاء وطني كردي عام…

إذن الجميع مدعو للعمل الجماعي التعاضدي وخلق أرضية جديدة، والمساهمة بفعالية في رسم الخطوط العريضة، وتالياً محو آثار الماضي البغيض ومآسيه.

زر الذهاب إلى الأعلى