المجتمع

/جنوار/ مأوى المرأة وأصالة التاريخ

لطالما ارتبطت المرأة بالطبيعة واعتبرتها موطناً ومأوىً لها، وتفاعلت مع مكوناتها واستفادت من خيراتها وعطاءاتها المستدامة في القرى، ومع التوجه نحو التحضر والحياة المدنية، ابتعدت المرأة عن هذا الارتباط، وظهر بعض الشرخ في علاقتها بالطبيعة، وسعياً لإعادة هذه العلاقة تعمل 15 مؤسسة نسائية على بناء قرية خاصة بالمرأة في منطقة قريبة من الدرباسية أُطلِقَ عليها اسم (جنوار JinWar) والتي تعني مأوى المرأة ومكانها، /جنوار/ مشروع قرية تسكنها النساء من زوجات الشهداء مع أولادهن، بالإضافة إلى المطلقات الأرامل اللواتي لا مأوى لهن، أو العازبات اللواتي ترغبن في العيش بـ “جنوار”، وللاطلاع أكثر على هذه القرية بتفاصيلها، نعرض على قرائنا الأعزاء تقريرنا هذا الذي نسلط فيه الضوء على /جنوار/:

(رومت هفال) عضو اللجنة الإدارية في بناء جنوار: تقول أنه ومنذ سنتين يتم النقاش في مشروع  /جنوار/ وقبل البدء بها؛ بحثوا بين مجلدات قائد الشعب الكردستاني عبدالله أوجلان في كل ما يخص المرأة، وكان لهم اطلاع كبير على توجيهاته وتعمقوا في آرائه المتعلقة بالمرأة التي طرحها بصيغة المشاريع من مثل مشروع الحياة الندية، ومشروع وقفة المرأة الحرة ومشاريع أخرى، وفي مجلداته تحدث عن مدينة عشتار الخاصة بالمرأة، ورأى أنه من المستحب إنشاء مثل هذا المشروع للمرأة.

الفكرة التي أتت منها جنوار

رومت هفال في متابعتها لحديثها قالت: كما هو معلوم أننا نمر بمرحلة صعبة، وفي هذا الوقت يتطلب تنظيم صفوف النساء وتصعيد النضال العسكري لدى المرأة والحماية الذاتية، وإلى جانب ذلك لابد من بناء موطن أو مأوى للمرأة تعيش فيه وتحمي ذاتها وتلبي احتياجاتها وتعلم أطفالها، وتثقف نفسها، وهذا الشي تطلب نقاشاً جاداً من قبل مختلف المؤسسات النسائية في مختلف المناطق، وعلى أساس ثورة روج آفا التي اعتبرت ثورة المرأة اختيرت روج آفا لتكون المكان الذي يُبنى ويتحقق فيه المشروع، وفي 25 تشرين الثاني عام 2016 تم الإعلان عن القرية، وأردنا أن نضع أساساً وعليه نخطو خطواتنا”.

كيف تم البدء بقرية المرأة؟!

وتضيف رومت “المكان تم اختياره من قبل لجنة اقتصاد المرأة، على هذه الأرض زرعت حديقة سيفي دمير، وهذه الحديقة أُهدِيَتْ لقريتنا، وهي عبارة عن 30 دونم، زُرع فيه أشجار فاكهة مختلفة. وفي شتاء العام الماضي انعقد 20 اجتماع بصدد بناء القرية، هذه الاجتماعات انعقدت مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني، المهندسين والمختصين، الأمهات صاحبات الخبرة في إنشاء التنور، الرجال الذين عملوا في بناء المنازل الطينية القديمة وممن كان له الخبرة في الزراعة، أو لديه إطلاع على أنواع التُرَبْ، وفي النهاية توصلنا إلى قرار بإنشاء قريتنا في منطقة طبيعية وجعلها تستند إلى الاقتصاد الكومينالي، لذلك تمت النقاشات الخاصة بالقرية مثل طريقة وشكل بناء المنازل، البعض اقترح أن يكون شكلها دائرياً، لكن النتيجة النهائية كانت اعتماد البيوت المربعة، لكن يتم بناؤها باللبِن، وعند بدء الإعلان عن القرية بدأنا بإنشاء القرية، والعمل فيها لا يزال مستمراً إلى الآن.

مَرافِق جنوار

وتقول رومت أن المشروع يتألف من 30منزلاً، لهذه المنازل أنواع منها الصغير الذي يكفي لمرأة وطفلين، والمتوسط لأم وثلاثة إلى أربعة أطفال، أما الكبير فيكفي لأم مع أكثر من 5 أولاد، ويكون للمنزل حديقة صغيرة، كما يكون هنالك مدرسة لتعليم الأطفال حتى الصف السادس، وأكاديمية لتثقيف الأمهات القاطنات في القرية، ومستوصفاً تجد فيه الأدوية الطبيعية استناداً إلى الطب الطبيعي أو البديل، ومكاناً خاصاً لرعاية الماشية والحيوانات المستأنسة التي يستفاد منها (الماعز، الأغنام، الأبقار…) وبستان لزراعة الخضروات فيها.

في منتصف القرية سيخصص مكاناً لضيوف القرية، كما يوجد فيها مقهى، مطعم، مجلس المرأة، متحف ومسرح، ومشغلاً للخياطة، لتلبية الاحتياجات اليومية التي تحتاج إلى المال، مخزن لإيداع مونة الشتاء فيه وإلى جانبه الفرن الذي يغطي احتياجات 7 قرى مجاورة من الخبز، كما أن القرية لن يكون لها سياج إنما ستزرع الأشجار حولها لتكون الطبيعة والاخضرار هما سياجها.

جنوار والمعتقدات الشائعة عنها  

الكثير ممن زار ويزورون القرية يفصحون عما يجول في خواطرهم، فيقولون: هل سترضى النساء العيش هنا في هذه القرية؟

ورداً على هؤلاء تقول رومت: إنه منذ لحظة الإعلان عن مشروعهم وإلى اللحظة، كل مَن زار جنوار باركوا المشروع وأبدوا إعجابهم به.

كما أن البعض لديه بعض الشكوك حول إمكانية إنهاء المشروع خلال الوقت المحدد، لكن رومت تؤكد أنهم أنجزوا العمل في وقته، حيث أنهم أعدوا 140 ألف قطعة من اللبن خلال فصل الصيف لبناء 21 منزلاً، كل منزل تتراوح عدد قطع اللبن فيه بين (7-8 آلاف) قطعة، كما أن التمديدات من كهرباء، خطوط المياه،  قنوات الصرف الصحي انتهى العمل فيها.

في الصيف تم العمل على بناء أساس المنازل وفي الشتاء تجهيزها من الداخل كتركيب الأبواب والنوافذ وحوض غسل الأواني والصحون (المجلى) وتجهيز سقيفة المنازل، وصقل الأرضية بالإسمنت، وتسييع الحائط  بمادة الإسمنت على ارتفاع متر حفاظاً على نظافة الغرفة وحرصاً على السلامة العامة من الحشرات وما شابه.

8 آذار 2018 تكون جنوار آهلة بالسكان

عضو لجنة بناء جنوار رومت هفال نوهت إلى أنه في 8 آذار سينتهي العمل ولابد أن تكون قريتهم آهلة بالسكان، وإلى الآن 9 نساء أردن السكن هنا وسجلن أسماءهن.

شروط السكن في جنوار

تتوجه رومت إلى كل مَن تود العيش في جنوار عليها زيارة مراكز مؤتمر ستار أو دار المرأة في مدينتها.

وتقول كل من تود أن تكون منتجة وصاحبة دخل، نحن نرحب بها في جنوار، النساء اللواتي تسكن مع أطفالهن في بيوت الأجرة، وليس لهن معيل ومأوى، أو ممن أردن من زوجات الشهداء تستطعن زيارة مراكز مؤتمر ستار ودار المرأة.

علاقة المرأة بالبديل!!

رومت تعبر لنا عن تفكيرهم حول السعي على إنشاء البديل، فعلى سبيل المثال، في المجال الطبي وعلى الرغم من تطور التكنولوجيا والتقنيات. إلا أن الكثير من أمراض الخاصة بالنساء لم يعثر لها علاج إلى الآن، مع العلم أنه في سالف الزمان كان الطب الطبيعي  كفيلاً بمعالجة مختلف الأمراض النسائية بعيداً عن الأشعة والكيماويات.

ضمانة نجاح جنوار

وأضافت رومت قائلة: (طبيعة المرأة قريبة من الطبيعة) هذه المقولة للقائد أوجلان كفيلة بنجاح مشروعنا، والدليل على ذلك أنه عندما تزور النساء مكاناً طبيعياً لا تبذل جهداً في المكان الذي تختاره للجلوس ولا تعاني من التصنع في طريقة التعامل والأسلوب إنما تتعامل بعفويتها وعلى طبيعتها.

وفي جنوار نسعى إلى إزالة الفوارق الجنسوية التي تتهم النساء بأنهن لا يتفقن أو غير قادرات على تحمل بعضهن البعض، وأنهن لو اجتمعن في مكان واحد تظهر التناقضات والخلافات بينهن.

شكر للجيران

في نهاية حديثها شكرت رومت هفال القرى المجاورة لجنوار (كركوند، حربا، عطيشان، قيروان) على مساعدتهم وتقديم الخدمات.

تفاصيل عملية بناء جنوار

فراشين زردشت عضو في لجنة بناء /جنوار/ تقول هي الأخرى أن مشروع بناء قرية المرأة (جنوار) يعود إلى 15 مؤسسة ومنظمة نسائية أبرزها (مؤتمر ستار، جنولوجي، الطب الطبيعي، تنظيم المرأة في البلديات، العلاقات الدبلوماسية للمرأة ..).

وتكمل زردشت قائلة: “منذ 9 أشهر بدأنا بعملية بناء جنوار، وقبلها بسنتين دارت النقاشات المستفيضة بين المؤسسات الـ15 حول المشروع وحيثياته وكيفية تطبيقه، وفي 25 تشرين الثاني 2016 تم الإعلان عن افتتاح القرية ليتم العمل على البنية التحتية للقرية، وفي نيسان 2017 بدأ العمل التطبيقي فيها الذي يستمر إلى الآن، في حين أن العمل قد أُنجز حسب ما خطط له.

وتشير (فراشين زردشت) إلى أن أولى الخطوات كانت إمداد القرية خطوط الصرف الصحي إلى القرية وتأمين البنية التحتية لها، وفي منتصف الصيف اجتمعت وُرش نسائية من مختلف المكونات والشعوب لصناعة اللبِن لـ 21 منزلاً مختلفاً في القرية.

في إشارة إلى المشاكل التي ظهرت في عملية بناء جنوار قالت زردشت: “ظهرت مشاكل في القرية إلا أن بلدية الدرباسية تدخلت وحلت المشكلة، كما أنها قدمت الآليات اللازمة؛ منها: (التريكس، وآليات نقل اللوازم من إسمنت وتراب صالح للبناء وللزراعة، وأخشاب (عواميد) تستند إليها أسقف البيوت ..)

زردشت أضافت قائلة: “العمل في القرية أغلبه قامت النساء به إلا أن الرجال ممن كان له الرغبة في تقديم يد العون، ساهم في العمل في بناء القرية، وقدَّموا مساعدة كبيرة في الأعمال التي لم تكفيها طاقة المرأة، وطبعاً هذا العمل محل احترام وتقدير من جانبنا.

جنوار على الطريقة الطبيعية للقرى، نفحة ريفية بامتياز

فراشين أردفت: أنه في هذا الوقت نظام العيش في القرى بات قريباً جداً من نظام حياة المدينة، أي أن القرى ابتعدت عن نظامها الطبيعي الذي تأسست عليه، لذا حاولنا بناء (جنوار) على الطريقة المعروفة في حياة القرى، فنجدها قريبة من الطبيعة والنفحة الريفية الأولية، وتعيد إنتاج الثقافة وبناء الحضارة، على عكس المدينة التي يكثر فيها الضجيج وتكاد تخرج العلاقات الاجتماعية عن إطارها الطبيعي فتدخل في الإطار المحكم أو المبالغ فيه.

اللبن وطريقة إعدادها

اللبِنَات هي ألواح طينية تصنع من التراب المائل إلى الحمرة ويضاف إلى هذا التراب مقدار مناسب من التبن والبعض يضيف إليها قدراً من الملح ويتم عجنهما سوياً عن طريق الدعك بالأرجل؛ ثم وضع الخليط المتجانس والمتماسك في قوالب مربعة وتسوية بل صقل وجهها؛ ثم يتم رفع القالب عنها؛ وتُعرَّض لأشعة الشمس لفترة من الزمن حتى تجف وتيبس هذه العجينة وتصبح صلبة القوام وصالحة لبناء البيوت الطينية.

ما أطيب العيش في مكانٍ تسوده المحبة والوئام

(فصلة أحمد، فصلة يوسف وزركة أحمد) ثلاثة أمهات من قرية الغنامية التي تقع في جنوب الدرباسية، قصدن قرية المرأة جنوار للمرة الثانية.

وعند تواصلنا معهن قلن: هذه القرية تحمل عبق الماضي ورائحة زمن الأجداد، وكيف كانت القرى وقتها تصنع من اللبن الذي يقي من حر الصيف وبرد الشتاء، على عكس حاضرنا الذي تحولت فيه القرى إلى أبنية إسمنتية؛ وبات يغلب عليها طابع المدن، هذه القرية تلهب فينا رغبة العيش فيها مع قريناتنا من النساء، لأنها على الطريقة الأصيلة التي تربينا عليها.

وعند سؤالهن؛ هل يطيب العيش لكُنَّ في قرية جميع سكانها نساء وأطفال؟ تناوبت الأمهات الثلاث على الجواب التالي: وما أطيب العيش هنا حيث تسود المحبة والوئام والابتعاد عن الضوضاء والمصالح ومظاهر الخداع، هذه القرية نجدها تكسر القاعدة القائلة بأن المرأة مع المرأة تضاد.

إعداد: سيدار رمو

زر الذهاب إلى الأعلى