المجتمع

بدون ترخيص

يوماً بعد يوم تستفحل بعض الظواهر التي تستوجب إعادة النظر فيها، وإيجاد حلولٍ فعَّالة وسريعة لها. فمجتمعاتنا الشرق أوسطية باتت بؤراً للفساد، ومستنقعاً ربما آن الأوان لمعالجتها وتجفيف منابعها. المواطن في المجتمع الشرق أوسطي في جعبته شكاوى حياتية لا تُعدُّ ولا تُحصى؛ تستوجب الوقوف عندها سريعاً، وما إن نبدأ بمعالجة الصغيرة حتى يتم تقليص الكبيرة منها بلا شك، بيد أن التطور والرقي والازدهار يرتبط بمدى سعينا إلى إيجاد الحلول لمعضلاتنا الصغيرة كانت أو الكبيرة المعقدة، ومع التجاوزات اليومية الكثيرة ارتأينا في صحيفة “الاتحاد الديمقراطي” إلى جمع حزمة من الظواهر الخارجة عن التراخيص وتسيئ إلى مجتمعنا، ونقدمها بدورنا إلى من يهمه الأمر عبر صحيفتنا:

انتشار الألعاب النّارية والمفرقعات بحلول رأس السنة

نلاحظ نحن كمواطنين؛ أن كل السِلع معرَّضة للانقطاع أو الفقدان أو الغلاء, كالسكّر والزيت ومعظم المواد الغذائية والخضروات, ناهيك عن المحروقات والغاز المنزلي, ولكن المواد المهرّبة والّتي لا تصنَّع في سوريا تتوفر عند الحاجة, فالدّخان لا ينقطع من الأسواق, رغم أنّه يدخل إلى مناطقنا عن طريق التهريب, وكذلك الألعاب النّاريّة والمفرقعات, وما دمنا نقترب من فترة أعياد الفصح المجيد ورأس السّنة الميلاديّة, نجد الأسواق تعجّ بالألعاب النّاريّة وبمختلف أنواعها, ورغم ارتفاع أسعارها إلّا أن النّاس تشتريها وتطلقها في الهواء وفي الشّوارع وبين النّاس، مما يُحدث أصواتاً مزعجةً ومخيفةً, ومعظمها خطيرةٌ جداً على الجّسم والعيون بشكل خاص, وإذا لامست الجّلد تصيبه بحروق خطيرة, فما هي الفائدة الّتي يكتسبها من يشتري هذه المفرقعات ويفجّرها, فهو كمن يحرق نقوده بالنّار, ويزعج المواطنين خصوصاً. والنّاس قد أصابتهم فوبيا من الانفجارات وأصوات الرّصاص.

ويفتخر البعض بأنهم صرفوا المبلغ الفلاني على شراء المفرقعات, وهؤلاء لا يجدون في جيوبهم أحياناً مبلغاً ليشتروا به خبزاً لأولادهم, كما أنّ الباعة على البسطات الثابتة والمتجولة الّذين يبيعون المفرقعات ينتشرون في أسواقنا دون حسيبٍ أو رقيبٍ, في حين أن عربات بيع الخضار والفواكه يتعرض أصحابها للكثير من المخالفات أسبوعيّاً.

وفي كل عام؛ وفي فترة أعياد رأس السّنة نسمع عن حوادث مأساويّة ودمويّة تسبّبت بها الألعاب النّاريّة, فأين الرقابة والضوابط على هذه الظاهرة؟

يقول لنا أحد سكّان قامشلو: “أعمل ليل نهار لكي أؤمّن قوت عائلتي, وأوفر بعض المصاريف للضروريات, ولأن معظم النّاس تشتري المفرقعات لأطفالها فأطفالي أيضاً يطلبونها منّي, فذهبت لأشتري بعضاً منها لأطفالي, فوجدت أسعارها مرتفعةً جدّاً, لذلك بدلاً من شراء المفرقعات اشتريت لهم ثياباً وألعاباً لعلّي أرضيهم, وأجلب لهم أشياء يستفيدون منها, ولكنّ أطفالي أصرّوا على المفرقعات, وأنا وَعَدتهم بشرائها, ولكنّني لن أشتريها, فشراؤها إسرافٌ وتبذير, ناهيك عن خطورة استعمالها, أرجو من الجّهات المعنيّة أن تضبط هذه الظّاهرة, وتعاقب البائع والِشّاري, فالمفرقعات خطيرة جدّاً على المجتمع.

هل القيادةُ فنٌّ وذوقٌ وأخلاق؟!

سادت أزمة مرورية وفوضى واضحة إبان الثورة السورية؛ وفلتان الأمن؛ حتى وصلت إلى حالة عِراكٍ بين السائقين من جهة، وبين السائقين والركاب من جهة أخرى، بالإضافة إلى مشادَّات كلامية والفاظ غير لائقة، وتبقى مواقف السرفيس داخل الكراج بلا ضابطٍ ولا رادع، فالقوة وجشع السائقين سيدا الموقف، ويصبح المواطن مجبوراً على الخضوع لهذه الفوضى؛ في ظل انعدام الرقابة على هذه المواقف، ويتحمل المواطن حرارة الصيف لساعات، وبرد الشتاء منتظراً رحمة السائقِين. هناك بعض المناطق إذا أردت زيارتها يجب أولاً أن تتعرف على أوقات عمل هؤلاء السائقين؛ وهم الذين يحددون موعد الذهاب والعودة؛ فإن رفضتَ؛ فعليك أن تأخذ سيارة خصوصية تكلفك مبلغاً تفوق قدرتك، هذا إلى جانب عدم إرجاع ما تبقى لك من المال من الذي دفعته أجرة  ركوب السرفيس حسب التعريفة المعتادة من قِبَل السائق بحجة عدم وجود الفكة (فراطة)، ناهيك عن أصوات السائقين الصاخبة التي لا تقتصر على النداء على المناطق والأماكن التي ستسير إليها خطوط السرفيس التابعة لهم؛ بل يتحكمون ويؤرقون الركاب بأنهم لا يقبلون أخذ الآجار بالمسافات، لكنهم سيأخذون التعريفة كاملة، وهو ما يخالف قواعد التعريفة المحددة، أين السواقة من قاعدتها التي تقول القيادة فن وذوق وأخلاق.

أيها الصيدلاني أتمارس مهنتك بنزاهة …؟

بالرغم من تحديد أسعار الأدوية في الصيدليات من قبل هيئة الصحة؛ إلا أن أصحاب النفوس الضعيفة التي سوَّلت لهم أنفسهم المتاجرة بمهنتهم لا يعرفون معنى الإنسانية!! أيعرفون معنى حاجة الناس إلى الدواء؟ بينما كانت مراسلة صحيفة “الاتحاد الديمقراطي” تتجول؛ واكبت الموقف بنفسها. مواطنة في “روج آفا”؛ واقفة في إحدى الصيدليات تطلب من الصيدلي الوصفة الطبية من الدواء الموصوف لها؛ بينما الصيدلي لا يبدي أي اهتمام لما تطلبه المواطنة منه، وبعد الإلحاح المتكرر للسيدة؛ بدا الانزعاج واضحاً على وجه الصيدلي ليقول وباستهزاء: ماذا تريدين؟ المواطنة تطلب الدواء، وقبل أن يتأكد الصيدلي من أن الدواء كان موجوداً أو لا، ردَّ أن سعره كذا … ردت السيدة لماذا أسعارك غالية؟ أجاب الصيدلي المحترم: أنتِ حرة إن أردتِ خذيه، وإلا فانصرفي لنقوم بعملنا، وهكذا انصرفت المسكينة مكسورة الخاطر.

وتلتها مواطنة أخرى انتظرتها حتى تخرج؛ تحدثت وهي تتأسف على ما يجري في البلد من فساد؛ “المواطنة تروي لنا ما جرى معها” وأنا في طريقي لأصرف الوصفة الطبية إلا أن الصيدلي الجشع ناولني أدوية بديلة لبعض من الأدوية المذكورة في الوصفة، وعند رفضي للدواء البديل، وإذ بالصيدلي يطلب مني استرجاع الدواء الآخر الذي اشتريته، وعدا عن ذلك كله؛ الدواء كان مسعراً ب 60 ليرة سورية لأنه يوجد حبتين فقط في العلبة؛ إلا أنه اقتطع مبلغ 350 ليرة سورية مدعياً بأن الدواء مفقود، ولكنني ورغبة مني في تكذيب الخبر، انطلقت إلى بعض الصيدليات المجاورة وتأكدت بأن الدواء متوفر ويباع بمبلغ أقل بكثير.

وأكدت السيدة أن هناك الكثير من الأطباء أيضاً متعاونين مع الصيدليات؛ فالطبيب بعد الكشف والفحص الطبي يصف الدواء ويشير لك على الصيدلية التي يتعاون معها. وفي نهاية حديثها لنا وجهت السيدة كلامها للجهات المختصة “هيئة الصحة” التي تقوم بمراقبة أسعار الأدوية، ولكنها لا تستطيع ضبط هذه الصيدليات التي تحتكر الأسعار والأدوية، وتستغل ضعف المواطن أمام مرضه، وطالبت بإيجاد حل لهذا الفساد والمرض المستفحل في الصيدليات التي تختلف أسعارها وفقاً لأهواء من يديرها، ويجب تحديد أسعار الأدوية بحيث لا يتضرر أحد “لا الصيدلي ولا المواطن” الذي يكون دائماً هو الضحية، وأن يراعي الصيدلي الذي يعتبر بمثابة الملاك والمرهم لشعور المواطن والمريض.

لا تسلبني الحرية في بيتي

من خلال التتبع والمشاهدات الحيَّة على أرض الواقع في الأحياء والتجمعات السكنية الشعبية، نلاحظ ظاهرة؛ بل آفة؛ تشييد الأبنية الشاهقة ذي الطوابق العديدة بين هذه التجمعات السكنية والأحياء الشعبية؛ منافياً بذلك الأخلاق ومتعارضاً مع كل القِيَم الإنسانية (من وجهة نظر البيوت المحيطة بهذا البناء)، ومتعارضاً مع القيم الإنسانية؛ وتعدِّياً على حرية كل فرد في البيوت المحيطة بهذا البناء، واحتجاز هذه الحريات وأسْرِها ضمن البيت؛ ناهيك عن خدش الحياء. (إذ أن حرية المرء تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر)، هذا حديث ساكني كل البيوت التي تشاد بين بيوتهم بناء مُؤلَّف من طوابق عدة. هذه الأبنية المتناثرة الفردية والتي تخالف نظام البناء خارج المخططات التنظيمية؛ تدخل ضمن المراسيم التشريعية لمخالفات البناء والنظام المعمول به، وتحقيق الاشتراطات الفنية والإنشائية.

نحن نرى لا بل نطالب المسؤولين المختصين بهذا الشأن للوقوف بكل جدية وحزم تجاه هذه الأبنية الفردية والمتناثرة في الأحياء الشعبية، وألاَّ تتساهل مع مَن تسوِّلُ له نفسه مِن أن يتلاعب بحياة الآخرين؛ فنحن قدَّمنا آلاف الشهداء على مذبح الحرية لننعم بحقْ بها؛ لا أن نتفلت من عِقال القوانين والضوابط الموضوعة بهذا الشأن، وأن لا نترك الطبقة الشعبية الفقيرة والمسحوقة فريسة للمتطفلين والمتسلقين على الحرية والحضارة والتمدن المصطنع؛ فهناك الكثير ممن يتصنعون الحضارة ويزعمون الحرية “لتشويههما” أو لتشويه صورة جهةٍ أو كيانٍ ما.

فن أم شخبطة على الجدران

الكتابة والرسم على الجدران, أو ما يسمى بفن الجرافيتي أو الفن الصامت، لقي هذا النوع من الفن استحسان الكثير من الأفراد والمجتمعات لما قام به هذا الفن من خلال جذبِ أنظارِ المجتمعات والحكومات إلى قضايا مُعيّنة بغض النّظر عن العِرْقِ والدّين والفئةِ العمريةِ والثّقافة والّلغة، حيث اعتمد على الرّسوم والصّور في التّعبير عن ذاته وأفكاره دونَ الحاجةِ في كثير من الأحيانِ إلى كتابةِ الكلمات, ويستعمل القائم بهذا العمل غالباً علبة البخاخ وأحياناً الدِهان. مؤخراً انتشرت ظاهرة شبيهة بهذا الفن وعلى نطاق واسع في شوارع مدننا؛ بحيث لم يسلم حائط أو جدار من العبارات التي يعتبرها البعض أنه نوع من الفنون، بينما اعتبره نوع من التقليد الأعمى؛ وبداية سيئة لابد من الوقوف عليها, لأنها ابتدأت بعبارات سوقية وبطريقة غير مرغوب فيها.

أكرر أنه سابقاً كان يستخدم هذا الفن لإيصال رسائل سياسية واجتماعية، فهل ما يكتب على جدراننا له علاقة بذلك؟ شخصياً لم أجد من جميع هذه العبارات ما يدل على ذلك. وللتذكير بأصول هذا (الفن): إنه يعود إلى العهود القديمة فكان يستعمل من قبل المصريون (الفراعنة) الذين أبدعوا فيه، وكذلك الإغريق وغيرهم، ولكن شتان ما بين ما كانوا يكتبون ويرسمون، وما بيننا. إن ما يتم كتابته على جدراننا يُعتبر نوعاً من التخريب والتشويه، والخروج عن القواعد الأخلاقية لمجتمعنا، ويجب أن يُعَاقِبَ عليه القانون، وفي موقف طريف، وبعد عدة كتابات على جداره قرر صاحب الدار أن يدهن جداره الممتلئ بالكتابات الغرامية ليتفاجأ في اليوم التالي بكتابة العبارة التالية على الجدار ذاته,: (مبروك الدهان)،هل هو فن الجرافيتي أم فن الشخبطة.

الشارع من حقي أيضاً!!

لعل من أبرز الظواهر التي بات يتميز بها مجتمعنا، هي ظاهرة سن المراهقة؛ فما أن يبلغ الشاب سن المراهقة حتى تجده يتعلم قيادة الدراجة النارية، والتي نسميها بلغتنا العامية (ماتور)، يستعيره من أحد أصدقائه أو من أبيه أو عمه، وفي بعض الأحيان يسرقها من والده في لحظة غفلة؛ حتى ولو كانت هذه الكلمة كبيرة؛ لكنها تحصل في واقعنا ونعيشها- يخرج الشاب إلى شوارع المدينة، يقود دراجته بعُجَالةٍ لا تخلو من الطيش وبسرعة كبيرة، فيتعثر مَن حوله، ويشكل هذا الفعل الطائش رد فعلٍ عند بعض الأشخاص.

هناك مَن يتحكم بدرَّاجته لتصدر أصواتاً مزعجة، وضجيجاً وصخباً، فيشعر بالنشوة عندما يلاحظ الانزعاج على وجوه الآخرين، وآخر تجده مبتدئاً في القيادة ويدخل في الأماكن المزدحمة، وفي طَرْفةِ عَينٍ تجده قد أحدث الفوضى، وضرب أخماس السير المنظم بأسداسه. وهناك مَن يحاول عن قصد ومتعمداً المرور بحفرة مليئة بالماء والطين في الشتاء، فيزيد من تلويث الطريق، ويساهم في تلويث المارة القريبين من المكان.

هذه الظاهرة (بدون ترخيص)، وهي تقع ضمن قائمة الظواهر الكثيرة التي تثير حفيظة العامة، لذا نتلمس أن يوضع لما ذكر آنفاً ضوابط حتى لا تبقى ظاهرة قيد الانتظار حتى تُرخَّص.

 كروب صحيفة “الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى