المجتمع

الوجه الآخر

إنه لمن الإجحاف الكبير بحق الأقلام من قِبل الكاتب أو الصحفي عندما يسخِّرُها فقط؛ في البحث والتقصي عن المثالب في المجتمعات، وتسليط الأضواء عليها، ويُهمل الجانب الآخر، على الرغم من أن تسليط الأضواء على النواقص والمستلزمات في البلد تدخل في باب الرقابة من قِبَل (السلطة الرابعة) لمعالجتها والارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل والأسمى، وكذلك يدخل في باب النقد والنقد الذاتي؛ ونحن نعلم أن النقد والنقد الذاتي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نهضة الشعوب نحو النمو العمراني والثقافي والأخلاقي والتطور والتقدم والرقي؛ لذلك نرى الكاتب الصحفي يتحيَّن الفُرَص للإمساك بناصية النَقيصَةِ أو المُخَالفَةِ أو ما شاكل، وهذه نقطة تُحسَبُ لصالحه وتُوضع في سجلاتِهِ؛ لذا نرى أن جُلَّ الصحفيين لهم أعوانٌ وأعينٌ منتشرة على كافة أراضِ المدينة التي يقطنها؛ بل وخارجها، ويُسمُّون مجازاً (المصادر الخاصة بالصحفي)؛ ليمدُّوه بكل صغيرة وكبيرة تحدث هنا أو هناك، ولأن هدف الصحفي هو معالجة القضايا السلبية في المجتمع والتي يتأذى منها المواطن، وتضر بالمصلحة العامة ليجد لها حلولاً من قبل أصحاب الشأن والخبرة بذلك؛ فهو كثيراً ما يسهو أو يغض الطرف عن الكثير من الجوانب الإيجابية والمضيئة في المجتمع وحياة المواطن؛ إيماناً منه في المُضيِّ قُدمَاً نحو الأفضل والأحسن والأجمل والأبهى، ونحن في صحيفة الاتحاد الديمقراطي

لطالما كتبنا وتحدثنا مراراً عن الجوانب التي تستدعي المعالجات الآنية والفورية من القضايا التي تهم المواطن، وألقينا عليها الأضواء و وضعناها بين أيدي أصحاب الشأن، حرصاً منَّا على مصلحة كل فَردٍ من أفراد الشعوب الموجودة في (روج آفا وشمال سوريا)، لأن نمو الفرد؛ من نمو المجتمع؛ ونمو المجتمع من نمو الوطن؛ ويعكس الوجه الحضاري للوطن مدى تمتع أفراده بحقوقهم والتخلص من الروتين والبيروقراطية؛ لذا أردنا اليوم أن نسير بعكس البوصلة ونسبح ضد التيار؛ لنشير إلى الوجه الآخر ونقارن ما بين الماضي والحاضر في بعض الشؤون الحياتية والبنيوية والخدمية والسياحية. فلو أردنا أن نعود بالزمن قليلاً إلى الوراء؛ وتجوَّلنا بين القوانين التي كانت مفروضة على المواطن، لرأيناها مُنهِكة ومليئة بالجوانب السلبية المختلقة التي تلقي على كاهل المواطن ثقلاً إضافياً فوق أثقاله، وإذا أجرينا مقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر؛ لوجدنا فروقات كبيرة كلها تصب في مصلحة المواطن الذي يعيش في (روج آفا وشمال سوريا)، إذ أنه في السابق وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ وبحكم القبضة الحديدية؛ كان على من يرغب في الحصول على رخصة بناء فرن أو معملٍ للبلوك أو البلاط والسيراميك، كان عليه أن يقدم أوراقه إلى الدائرة المختصة؛ ثم تقوم هذه الدائرة مُرغَمَة برفع هذه الأوراق والطلبات إلى الأفرع الأمنية حسب النظام المُتَّبع والمعمول به، فيخضع طالب الرخصة لدراسة أمنية شديدة من قِبَلِ كافة الفروع؛ وفي بعض الأحيان يتم استدعاء الشخص إلى الفرع الأمني مرات ومرات؛ إذا كان طلبه على جانب من الأهمية؛ كأن يكون طلب الشخص المعني رخصةً (لمركزٍ في فنون الموسيقا)؛ ومن ثم تأتي التعليمات إلى الدائرة المعنية إما بالرفض أو بالقبول، وتلك أجمل الأمنيات والأحلام؛ وتلك الإجراءات كانت تشمل كل شيء يخص المواطن سواء أراد فتح محلَّ ألبسة أو مكتباً عقارياً أو حتى كشكاً لبيع القهوة والشاي أو عَرَبَةً يبيع عليها الخس والخيار… وتطول الأسماء؛ هذا ناهيك عن المطاعم التي يمكن أن تلفت الانتباه وخصوصاً إذا كان موقعها في مكان مُهمٍّ أو في مكان يُعتبر من المحظيات التي تحظى باهتمام أولياء الأمور وأهل الحل والربط (سابقاً)؛ وهناك الكثير من الحكايات التي يرويها الناس لنا؛ مُرْفَقين كلامهم بالأوراق المختومة والأضابير الممهورة؛ وما زالت ملقاة في الأدراج تروي هذه الحكايات، والتي تحمل بين طياتها وسطورها الكثير من الآلام؛ أما عن السيارات لو تحدثنا فالكلام عنها ذو شجون ومؤلم؛ حيث إن السوري بشكل عام وساكني شمال سوريا بشكل خاص؛ كان رؤية سيارة من هذه السيارات الحديثة والنوعيات الجديدة التي تملأ الشوارع الآن؛ حلم كل مواطن في روج آفا وشمال سوريا (إلا على الشخصيات المُدَجَّنة) بسبب الضرائب الباهظة التي كانت تُفرض على هذه السيارات، وآخرها ضريبة الرفاهية؛ إذ إن المواطن كان يدفع الضريبة من ماله بسبب شرائه من ماله سيارة حديثة، وإغلاق الحدود أمام هكذا بضائع، وهذا يعود بذاكرتي إلى ما قاله الشاعر الذي لن يتكرر في تاريخ العرب ( نزار قباني) رحمه الله حين قال:

هذي البلاد شقة مفروشة    يملكها شخصٌ يسمى عنترة

هذي البلاد كلها                   مزرعة شخصية لعنترة

سماؤها هواؤها  نساؤها           حقولها المخضوضرة

عنترةُ يقيم في ثيابنا

في ربطة الخبز وفي زجاجة الكولا

وفي عربات الخس والبطيخ     وفي أحلامنا المحتضرة

فحملنا هذه المقارنة كسؤال من صحيفة الاتحاد الديمقراطي

إلى أصحاب الأفران الخاصة والمحلات وكل ما ذكرناهم؛ فكانت كل الأجوبة متطابقة ومتشابهة وهي: أين الثرى من الثريا؛ في الماضي (الحقبة السوداء) كان من أُمنيات الشخص الحصول على رخصة حتى لو كانت (برَّاكيَّة ) لبيع الشاي والقهوة، فما بالك بالحصول على رخصة فرن سياحي أو مركزٍ للتدريب الإذاعي….. إلخ، كانت الإجراءات مملة ومتعبة وتودي بنا أحياناً إلى ترك الإضبارة لهم، وإزالة فكرة المشروع الذي كنا ننوي القيام به، إذ إنه كان الداخل عليهم مفقود والخارج من أيديهم مولود بسبب الرشى التي كنا نضعها في الأدراج لهم دون أي وجه حق، فكان يكلفنا المشروع الذي نريد بناءه ضعف المبلغ تماماً؛ هذا إذا كان الترخيص لفرن على الشارع أو في الأحياء؛ أما بالنسبة لدور الموسيقا أو تعليم اللغة أو إعطاء دورات في الإعلام؛ فحقيقة هذا الأمر لم نكن نتجرأ حتى في التفكير به رغم توفر الإمكانيات والكوادر الفنية؛ لأن طالب هذا الشيء مفقود؛ إن لم يكن في اللحظة سيكون بعد أيامٍ أو أشهر، أما في ظل إدارتنا الذاتية؛ فحقيقة نقول الحمد لله حيث إننا ننعم بالكثير من التسهيلات في الإجراءات القانونية المتَّبعة من قِبَل الإدارة في هذه الأمور من إعطاء الرُّخصِ وتقديم المستلزمات بسلاسة وسهولة، فأين نحن الآن مما كنا عليه زمن العبودية، زمن النظام البعثي وحكومته, حيث إننا لا نحتاج سوى كتاب من الكومين؛ وهذه حقيقة وليست مجاملة؛ هذا ما قاله آخر من طرحنا عليهم سؤالنا؛

“نهايت أحمد” المشرف على مركز (ستيرفا للتدريب الإذاعي)

ماهر بيجرماني صاحب فرن سياحي. 

إعداد: آرتيش الحسيني 

زر الذهاب إلى الأعلى