مقالات

المتاجرة السياسية تعني اللعب بمصير الشعوب

حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) كان في صراع مرير ضد شوفينية البعث واستبداد النظام منذ تأسيسه، فقد أقام رأس النظام علاقات وثيقة مع النظام التركي منذ بداية الألفية، ورغم إدراكنا بأن صداقة قيادتي البلدين لا تعتمد على أسس راسخة ولا ظروف موضوعية، إلا أننا كُنَّا الضحية ودفعنا ثمناً غالياً من دماء أعضائنا لتلك الصداقة التي انتهت بتهديد إزالة رأس النظام وتسليط الجيش الإنكشاري الحديث في ثوبه الجديد (النصرة وداعش) على الشعب السوري.

منذ بداية الحراك الشعبي المطالب بالحرية والكرامة وجدنا أنفسنا إلى جانبه لأننا كنا الأكثر حاجة لتلك القِيَم والحقوق الديموقراطية، فبحثنا عن القوى التي يمكننا الاصطفاف معها فوجدنا في هيئة التنسيق الوطنية ضالتنا وهكذا أصبحنا من مؤسسي الهيئة واخترنا السيد حسن عبد العظيم الذي مَثَّلَ التيار الناصري مُنسِّقاً عاماً للهيئة، إلى جانبِ مُناضِلينَ آخرين لهم باعٌ طويل في الكفاح ضد الاستبداد وعلى رأسهم الرفيقين عبد العزيز الخَيِّر ورجاء الناصر وآخرين؛ منهم من استشهد ومنهم من اعتُقل ومنهم ما زال يواصل الدرب.

ما يهمني هنا هو التصريحات الصادرة من السيد عبد العظيم بين الفينة والأخرى بحق حزبنا ومجلس سوريا الديموقراطية وحقوق الشعب الكردي، وهو يدَّعي الناصرية والتمسك بالنهج الناصري. فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثل قيادة استراتيجية للأمة العربية، وكان يرى في الأمة الكردية حليفاً طبيعياً وتاريخياً للأمة العربية، وهو أول من اعترف بالكرد وأقام علاقة وثيقة مع قائد الثورة الكردية آنذاك ملا مصطفى البارزاني، وشجَّعَ الكُرد على تنظيم صفوفهم وأسَّسَ إذاعة كردية تُبث من القاهرة لإيمانه بأن الكردي الحر بهويته الكردية سيكون حليفاً موثوقاً للشعب العربي في غابة الشرق الأوسط، فأين الذين يدَّعونَ النهج الناصري من هذه الإستراتيجية ؟ .

أولى اللقاءات بين الأميريكيين وحزبنا كان في مكاتب ومؤتمرات هيئة التنسيق الوطنية في دمشق والقاهرة، حيث أن الهيئة كانت تسعى لإقامة علاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية التي كانت تساند المجلس الوطني السوري ولا حقاً الإئتلاف، بينما تركيا بكل ثقلها كانت تعترض على أية علاقة مع الهيئة بذريعة وجود حزبنا ضمن الهيئة، إلى أن استطاع السيد المُنسق العام التخلص بسبل ملتوية من حزبنا ومن العناصر التي كانت سبباً في عرقلة نيل رضا تركيا والدول الغربية.

عندما خَرَجَتْ الفصائل المسلحة التابعة للمجلس الوطني والإئتلاف المدعوم من التحالف الدولي عن السيطرة بِدَعمٍ من تركيا وباتت تشكل خطراً عالمياً، حاول التحالف صنع فصائل معتدلة تقاوم النظام وتتصدى لخطر الإرهاب الخارج عن السيطرة، ووضعت برامج تجنيد وتدريب لتلك الغاية ولكنه فشل نظراً لعدم مصداقية الأطراف المُكَلّفة بتلك المهمة، وفي تلك المرحلة بالذات كانت الدولة التركية تتحكم بجميع الفصائل وتوجهها حيثما أرادت، ومن بين أهدافها كان القضاء المبرم على كل وجود كردي، فاستطاع داعش السيطرة على الموصل وارتكب مجزرة شنكال وتمددت ضمن سوريا من جزيرتها وصولاً إلى أواسطها، بينما الشعب الكردي السوري كان يقاوم مدافعاً عن وجوده أمام أنظار العالم وحيداً بدون سَنَدٍ أو حتى تعاطف بسبب الدعاية المكثفة من تركيا والمعارضة المستسلمة لها، وباتت سكينة داعش على رقبة الشعب الكردي في كوباني.

في الجانب الآخر وجد التحالف ضالته في قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة القوة الصلبة التي يبحث عنها، فهي مُعَارِضَة للنظام وتتصدى للإرهاب بكل بسالة، فتواصل معها لتشكيل تحالف مقاوم للإرهاب، وهذا ما حدث. وكان تحالفاً ناجحاً حقق انتصارات تاريخية واستطاع القضاء المبرم على داعش نهاية الأمر في باغوز. وبذلك استطاع القضاء إلى درجة ما على خطر الإرهاب العالمي. وتأسس نظام ديموقراطي يضم جميع مكونات المنطقة ويمكن أن يكون نموذجاً لسوريا المستقبل التي من المفروض أن يسعى جميع السوريين بما فيها المعارضة والإئتلاف إلى تأسيسها، بما فيها هيئة التنسيق الوطنية ومنسقها العام.

من جانبنا كحزب الإتحاد الديموقراطي كنا طرفاً في هذه المعادلة وحاولنا إنقاذ هيئة التنسيق الوطنية من منزلقاتها الإستراتيجية ولكننا لم نفلح نظراً لإرتهانها إلى شعارات النظام تارة ومغريات الإئتلاف المرهون إلى تركيا تارة أخرى مفتقرة إلى الرؤية الصائبة في تقييم قوة وقدرة الشعوب عامة، وعدم الإيمان بإمكانيات مكونات الشعب السوري بشكل خاص، فمازال “مجلس سوريا الديموقراطية” الذي نحن جزء منه ويمثل كافة القوى السياسية في شمال وشرق سوريا يطرق الأبواب اللازمة، ويفتح باب الحوار مع كافة الأطراف السورية في الداخل والخارج في سبيل إقامة سوريا جديدة يتمتع فيها كل سوري بحريته وهويته الأثنية والعقائدية ضمن سوريا ديموقراطية لا مركزية، فتلك هي الصيغة الوحيدة للإبقاء على سوريا موحدة لكل أبنائها ومكوناتها. حيث أن جميع الصيغ الأخرى أثبتت فشلها.

إننا في حزب الإتحاد الديموقراطي لم نرتهن لأي طرف خارجي، ولم نستدعِ أية قوة للتدخل في الشأن السوري، ونحدد قراراتنا داخل الإطار الذي نشارك فيه ضمن “مجلس سوريا الديموقراطية”، ولا نتخذ قراراتنا بناءً على إملاءات الآخرين بل بما نقتنع بأنه يخدم مصلحة شعبنا السوري، وما دون ذلك من تهم الإنفصالية والإرتهان إلى الخارج فهي اتهامات باطلة نابعة من عجز الطرف الذي يكيل تلك الإتهامات.

زر الذهاب إلى الأعلى