تقاريرمانشيت

“اللجنة الدستورية ” .. إلى أين ؟

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في الـ23 من شهر أيلول المنصرم عن موافقة كل من النظام السوري والمعارضة على تشكيل اللجنة الدستورية، على أن تكون “بداية مسار سياسي يلبّي التطلعات المشروعة لجميع السوريين”. وجاء إعلان غوتيريش بعد أن اطّلع من المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، على نتائج مشاوراته مع مسؤولي النظام في دمشق، ومع نصر الحريري رئيس ما سمي بهيئة التفاوض التي أسستها تركيا، وأشار غوتيريش إلى أنّ تشكيل اللجنة جاء وفقاً للقرار 2254.

وجاء الحرص على ضرورة أن يصدر إعلان تشكيل اللجنة عن الأمم المتحدة، وليس عن قمة أنقرة الأخيرة التي جمعت رؤساء روسيا وتركيا وإيران، على الرغم من أن أسماء أعضاء اللجنة كانت جاهزة منذ ذلك الحين، وذلك بهدف التأكيد على الغطاء الدولي للجنة.

مصير لجنة الدستور..

أَغدت اللجنة الدستورية، حقيقة سياسية قائمة بعد إقرارها من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سوريا غير بيدرسون وبمباركة إقليمية ودولية ؟ أم إنها حالة مؤقتة كبقية الحالات الدولية المتعلقة بالأزمة منذ ثماني سنوات والتي كانت تنتهي غالباً بنتائج كارثية على الصعيد الإنساني والسياسي، خاصة مع تأكيد غير بيدرسون نفسه على إن اللجنة لن تكون حلاً للأزمة بل سبيلاً من سبل رأب الصدع بين النظام المرحب باللجنة التي فُصلت على مقاسه من قبل إيران وروسيا وتركيا، والمعارضة التي يرعاها النظام التركي الذي يحتل بدوره ما يقارب العشرة بالمئة من أراضي سوريا، وكما يبدو من التصريحات التي تصدر من الجانبين منذ إعلان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيوس غوتيريش عن تشكيل اللجنة الدستورية بأن كل طرف يحاول شد الحبل لناحيته، خاصة وإن النظام يشعر بالانتصار بعد أن حققت روسيا الكثير من الانجازات على الصعيد العسكري والسياسي. في الوقت الذي يشعر فيه الطرف التركي بالخسارة بعد أن فشل تماماً في إنجاز أي شيءٍ ملموس على الأرض لجماعاتها الذين سيجالسون النظام بمصنفات فارغة حتى تلك الملفات التي كانت قد حضرتها الأمم المتحدة قبل سنوات والمتعلقة بالقرار 2254 لن يكون لها حضور في الجلسات المزمع إقامتها خلال شهر تشرين الأول، وتبقى النتيجة الوحيدة هي إن هذا الإنجاز الكرتوني سيسجل لغوتيريش وبيدرسون الغير متفائلين ضمنياً وللدولة الوصية بطبيعة الحال.

أسئلة كبيرة لن تكتب لها أي اجابات في ظل هكذا تعاطي مع الأزمة السورية خاصة فيما يتعلق بتشكيل دستورٍ لبلدٍ فقد فيه الدستور أي قيمة قانونية أو شرعية، والقفز على العديد من الملفات بما فيها ملف المعتقلين والمفقودين، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، والعديد من الملفات والقضايا التي لم تحلها الأمم المتحدة  أو أية منظمة دولية أخرى .

من جانبها خسرت أنقرة كطرف رئيسي في الصراع وانحصرت دورها في إفشال مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا ومحاربة الشعب الكردي والقوى الديمقراطية في سوريا، وكل اتفاقياتها مع روسيا انصبت في هذا الاتجاه ومن أجل ذلك دجنت الإخوان المسلمين في سوريا وبعض الشخصيات السياسية المعارضة لصالح اجندتها ومطامعها وهم اليوم يشكلون جزءاً من اللجنة.

بهذه الصورة الضبابية ينبعث الاستبداد ويكرس قواعده مجدداً؛ وتحت شعارات واتهامات مشروخة ومن منبر الأمم المتحدة يتم خنق آمال السوريين بهذه الطريقة الدرامية.

اللجنة الدستورية السورية التي أعلن عنها أنطونيوغوتيريش هي نتيجة لتوافقات استانا وسوتشي، وهي بطبيعتها الشكلية ومضمونها الأجوف طمر الرأس في الرمال على الصعيد الدولي الذي فشل حتى الآن في ايجاد صيغة تشاركية توافقية تجمع كل السوريين، ولم تنفذ أي بند من بنود القرار الدولي المنقول إلى عام 2021حيث الانتخابات الرئاسية التي ستشرف عليها الامم المتحدة والتي ستخرج بصيغة كالصيغة التي أمامنا اليوم وفق المسار الدولي الذي نشاهده اليوم، إن لم يتم التعاطي مع الأزمة سورياً وإقليمياً ودولياً على أساس إن الأزمة بنيوية تحتاج إلى حلول جذرية.

وهذا بحد ذاته يحتاج إلى إجراءات وبناء الثقة بين أطراف العملية السياسية السورية دون اقصاء أو تهميش لأي طرف حتى يكتب النجاح لأي مشروع سياسي موضوعي.

اللجنة الحالية باعتبارها وصفة للنظام وللمعارضة فأن الأول يرى  بأنها لجنة إصلاح لدستور عام 2012 وأن تتشكل من ثلثين للنظام وثلث للأطراف الأخرى.

وأحدى أهم الشروط بالنسبة للنظام هو توقيع رأس النظام على آلية تشكيلها، وإقرارها من قِبل مجلس النظام، وبالتالي لا دستور جديد حتى 2021.

من طرفه يريد النظام أن تُتَخذ قرارات اللجنة كتوصيات يتم تمريرها والموافقة عليها من قبل “مجلس الشعب”.

أما المعارضة تريد أن تكون قرارات اللجنة نافذة وملزمة للأطراف بحيث يتم اعتمادها أممياً كمسودة لدستور جديد للبلاد.

ويتفق الطرفان على إبعاد ممثلين عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا وممثلين عن مقاطعة عفرين المحتلة من قبل الجيش التركي والمجموعات الارهابية، هذا ويتقاسم الطرفان النظام وما تسمى بهيئة التفاوض عدد اعضاء اللجنة 50/50 والثلث الأخر (50) يتقاسمه روسيا وتركيا أيضاً ولا ضير في أن يختار الأمم المتحدة بعض الأسماء لإضفاء الصبغة الدولية عليها.

ويتفق الطرفان أيضاً على أن تكون رئاسة اللجنة مشتركة، وأن تتخذ القرارات بأغلبية.

بالنسبة للمبعوث الدولي غير بيدرسن فقد أشار إلى إن اللجنة الدستورية جزء من القرار 2254، وإن اللجنة جاءت كتطوير لما ذكر في القرار بشأن موضوع الإصلاح الدستوري، وهي تتضمن مئة شخصية بالمناصفة بين المعارضة والنظام إضافة إلى “قائمة ثالثة” (50) عضو يختارهم الأمم المتحدة وتضم ممثلين عن المجتمع المدني والشخصيات المستقلة التي تختارها الأمم المتحدة من بين الشخصيات التي ترشحها “روسيا و تركيا وإيران”.

بيدرسن أشار إلى أن آلية عمل اللجنة وطريقة اتخاذ القرار فيها جزء من التفاوض غير المباشر الذي يقوده بين المعارضة والنظام، معتبرا أن اللجنة الدستورية والسلال الأربع للقرار الأممي 2254 هي جزء من حل سياسي يعمل على تحقيق بنوده بصورة متوازية.

وفق غير بيدرسون إن اللجنة ستنطلق بأعمالها بعد الاجتماع المزمع عقده في هيئة الأمم المتحدة في نهاية شهر تشرين الأول الجاري، لكن العديد من الأطراف المقربة من الطرفين يشكون بمصداقية هذه اللجنة خاصة وإن العديد من النقاط المتعلقة بمهام اللجنة غامضة خاصة فيما يتعلق بشأن مرجعية اللجنة، هل هي مخولة بإقرار الدستور أو بحاجة لاستفتاء شعبي وهل ستناقش دستور 2012 أم أن النقاشات وآلية العمل ستكون لكتابة دستور جديد؟

موقف المجموعة الدولية المصغرة حول سوريا:

أعلنت المجموعة الدولية المصغرة حول سوريا والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومصر والأردن والسعودية، في أخر اجتماعٍ لها مع المبعوث الأممي إلى سوريا وممثلي ما سُمي بهيئة التفاوض في الـ 12 من أيلول المنصرم، إن المجموعة تعتبر نفسها غير معنية بوقف عمل اللجنة الدستورية، وقدم الفرنسيون طرحاً يدعو للتفاوض حول سلة “الانتخابات برعاية أممية” وتجاوز مسألة اللجنة الدستورية.

ما الآلية التي  يتحدث عنها غير بيدرسن في ظل التناقضات الكبيرة بين الواقع  و ما يتأمله…؟

في الـ 28 من ايلول المنصرم وعقِّب جلسة مجلس الأمن أصدرت الأمم المتحدة، تقريراً بالاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية المتفق عليها بشأن لجنة دستورية بـ”قيادة وملكية سورية” و “ذات مصداقية” و”متوازنة وشاملة” وبتيسير من الأمم المتحدة في جنيف.

وأشار البيان الصادر من مكتب المبعوث الخاص غير بيدرسن إلى أن هذه الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية كان قد تم الاتفاق عليها من قبل “حكومة الجمهورية العربية السورية” و”لجنة المفاوضات السورية” بتيسير من المبعوث الدولي.

وفي 30 أيلول أعلن غير بيدرسون أنه ينوي دعوة 150 “سورياً وسورية” للاجتماع في 30 تشرين الأول 2019، من أجل إطلاق لجنة دستورية ذات مصداقية متوازنة وشاملة للجميع، بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة في جنيف.

هذا وأشار بيدرسون إلى أهمية هذا “الاتفاق”، قائلا إنه “أول اتفاق سياسي من هذا الحجم بين النظام والمعارضة للبدء في تنفيذ جانب رئيسي من قرار مجلس الأمن 2254 – إلا وهو إعداد جدول زمني ومسار من أجل صياغة دستور جديد”.

وأضاف أن هذا يعني “قبولاً واضحاً للآخر باعتباره محاوراً”.

وبحسب بيدرسون، يلتزم مرشحو الأطراف المختلفة بالجلوس معاً في حوار ومفاوضات “وجهاً لوجه”. وفي نفس الوقت يفتح المجال أمام المجتمع المدني للجلوس على طاولة الحوار..!.

وأوضح المبعوث الخاص أن الاتفاق يمثل وعداً مشتركاً للشعب السوري بمحاولة الاتفاق تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن الترتيبات الدستورية الجديدة لسوريا – وهو عقد اجتماعي جديد للمساعدة في إصلاح بلد محطم. وقال يمكن أن يكون هذا بمثابة فتح باب لعملية سياسية أوسع تلبي تطلعات الشعب السوري المشروعة.

ومع ذلك، قال المبعوث الخاص إن الأمور لن تكون “سهلة”، في حين أن سوريا لا تزال تعاني من أخطر الأزمات وفي ظل “استمرار العنف والإرهاب ونشاط خمسة جيوش دولية على أراضيها، حيث نشهد انتهاكات مروعة ومجتمعاً منقسماً بشكل عميق ويأسٌ منتشر بين الناس في داخل البلاد وخارجها”.

“الثقة تكاد تكون معدومة”

ويضيف بيدرسون قائلاً “الثقة تكاد تكون معدومة” كما قال: “إن الاتفاق يستند إلى مبادئ أساسية يجب أن يقوم عليها أي احترام ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن وسيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها والطبيعة السورية لقيادة وملكية هذه العملية. كما أن هذه المبادئ يجب أن تضم هدف انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254. كما يقر ذلك بضرورة إجراء عملية سياسية واسعة النطاق تنفيذاً لأحكام القرار ذاته.

وفي الوقت الذي لم يعلن فيه جدول أعمال اللجنة، يتساءل الكثيرون عن مهامها، وهل سيكون هناك تعديلات دستورية، أم دستور جديد، وهل من الممكن تجاوز الخلافات العميقة بين أعضاء اللجنة المشاركين، أم لا؟.

تفاصيل اختصاصات وعناصر اللجنة الأساسية حسب غير بيدرسون

وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، أشار غير بيدرسون إلى الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة لجنة دستورية ذات مصداقية متوازنة وشاملة للجميع، بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة في جنيف. إلا وهي:

الولاية: تقوم اللجنة الدستورية في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة، بإعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العمومية، كإسهام في التسوية السياسية في سوريا وفي تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 للعام 2015.

التشكيل والهيكل: للجنة اللجنة الدستورية هيئتان، مصغرة وموسعة. وتضم الهيئة الموسعة 150 رجلاً وامرأة/ 50 مرشحاً من طرف الحكومة؛ 50 مرشحاً من طرف هيئة المفاوضات السورية؛ و50 مرشحاً من المجتمع المدني. وتضم الهيئة المصغرة للجنة الدستورية 45 رجلاً وامرأة/ 15 مرشحاً من بين مرشحي الحكومة؛ 15 مرشحاً من بين مرشحي هيئة المفاوضات السورية الخمسين؛ و15 من بين مرشحي المجتمع المدني الخمسين. تقوم الهيئة المصغرة بإعداد وصياغة المقترحات الدستورية وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها.

اتخاذ القرارات: ينبغي أن يحكم عمل اللجنة الدستورية التوافق والانخراط البناء بغية تحقيق الاتفاق العام لأعضائها الأمر الذي سيمكن مخرجاتها من التمتع بأوسع قبول ممكن من طرف الشعب السوري. وتحقيقا لهذا الغرض، تمارس اللجنة عملها وتعتمد قراراتها بالتوافق كلما أمكن وإلا فبتصويت 75 % على الأقل من الأعضاء في الهيئة المعنية.

الرئاسة: تتمتع اللجنة الدستورية بترتيب متوازن لرئاستها مع رئيسين مشتركين أحدهما مرشح من قبل حكومة سوريا والآخر من قبل هيئة المفاوضات السورية. كما يعمل الرئيسان بالتوافق للهيئتين الموسعة والمصغرة.

التيسير: يقوم المبعوث الخاص بتيسير عمل اللجنة الدستورية بقيادة وملكية سورية، بما في ذلك مساعدة الرئيسين المشتركين إلى توافق وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء من خلال بذل مساعيه الحميدة. ويقوم بمراجعة ما تم إحرازه من تقدم من خلال إحاطته لمجلس الأمن.

لكن غير بيدرسون قال أيضاً: “يجب أن  يكون هناك حل شامل للأزمة السورية”، مشيرا إلى أن “اللجنة الدستورية وحدها لا يمكنها التوصل إلى حل ينهي الأزمة في البلاد “، مضيفاً أن “الإصلاح الدستوري في سوريا يجب أن يرتقي إلى تطلعات السوريين، وتتم الموافقة عليه من الشعب”…!

لكن الحقيقة تختلف تماماً عن حديث غير بيدرسون المطول وهي إن اللجنة الدستورية التي من المقرر أن تجتمع في 30 تشرين الأول، لا يعقد عليها السوريين آمالًا كبيراً ولن تسطيع رأب الصدع بتشكيلتها الراهنة التي تفتقد إلى المصداقية ولا تمثل عموم المكونات السورية المجتمعية والسياسية.

إلى جانب عدم تمثيل اللجنة لكل ألوان الطيف السوري، هناك العديد من المسائل الجوهرية التي لا يمكن لأي جهة تجاوزها وهي  مسألة الديمقراطية والحرية والهوية الوطنية وهذه المسائل تكاد تكون منعدمة عند الطرفين، فالطرفان يتصارعان على السلطة ويمثلان ايديولوجية دينية قومية، وقضية بناء سوريا حرة ديمقراطية معدومة في اجندة الطرفين، فهم يرون سوريا المستقبل هي ذاتها أي الهوية القومية للدولة لا الهوية الوطنية التي تجمع كل المكونات على أرض وطنٍ واحد، وبالتالي فأن الدستور الذي سيتمخض عن هذه اللجنة سيمثل مصلحة جهة معينة بحد ذاتها، ومن هنا فأن الحديث عن بناء أرضية مشتركة تنتج عقداً اجتماعياً متوازناً حديثٌ شعاراتي فيه من الزيف والمخاتلة ما لا يصدقه حتى الأمم المتحدة.

أما القول بأن هذه اللجنة ستوحد السوريين وأنها ثمرة جهود السوريين، فهذا محض نفاق على النفس أولاً وعلى السوريين ثانياً، هذه اللجنة وكما قلنا هي ثمرة جهود دول لها أجندات ومصالح لا تعير أي اعتبار للشعب السوري ولا للهوية الوطنية السورية، وهذا ما يثبته الواقع السوري، والمرحلة القادمة ستحمل الكثير من التشرذم لو استمر الحال على ما هو عليه فيما يتعلق بكيفية التعاطي مع الأزمة السورية على الصعيدين الدولي والإقليمي.

بعيداً عن قرار الأمم المتحدة الحقيقة تنبع من الواقع

حقيقة لا يمكن الاعتماد على لجنة شكلتها روسيا وتركيا بالرغم من إن ملف الأزمة السورية ومستقبل سوريا أصبح بين يدي هاتين الدولتين أكثر مما يتعلق بالسوريين ومستقبلهم “بكل أسف”، وعلى الرغم من إن كلاهما متورطان بتدمير سوريا وتشريد شعبها، كما أن الأول يدافع عن نظام استبدادي ملفه حافل بالجرائم، والثاني متهم بالاحتلال والقتل وجرائم ضد الانسانية ودعم الإرهاب بكل الوسائل. حقيقة هذه العملية مجرد مضيعة للوقت مع احتفاظ ثلاثي استانة روسيا والنظام وإيران بنفوذهما ومصالحهما، لكن الحقيقة الوحيدة التي يجب إدراكها هي إن أي مسار سياسي حتى ولو كان برعاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لن يكتب له النجاح ما لم يكن بعيداً عن هيمنة الأنظمة الإقليمية والدولية الدخيلة في سوريا، ولن يكون هناك حل للأزمة دون المشاركة الفعلية لكل المكونات السورية في تقرير مستقبلهم وبمحض إرادتهم.

ما يجري الآن هو وضع قطار الحل السياسي في سوريا على سكة غير منتظمة  وهشة من حيث الشكل والمضمون، لأن ما حدث لم يأت من حوار سوري سوري ولا من توافقات مجتمعية إنما توافق وتأمر بين دول لها اجندات ومشاريع تتجاوز الشعب السوري و الأزمة السورية، والمتمثلين بهذه اللجنة حتماً سيمثلون الجهات التي سمتهم روسيا وتركيا بشكل أساسي مع بعض المشاركة  الصورية من قبل الأنظمة الأخرى التي لها الدور الشكلي في الأزمة السورية.

بالطبع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا والتي أقصيت عن هذه اللجنة كما إنها أقصيت من كل الاجتماعات والمؤتمرات السابقة كونها لا تمثل اجندات أي دولة من الدول التي شكلت هذه اللجنة، رفضت بشدة هذا الاتفاق، وأكدت على إن تحقيق الانسجام التام بين مختلف أطياف المجتمع من جهة وبين المجتمع والدولة من جهة ثانية يتطلب بالتأكيد عقداً اجتماعياً يعكس الموجودات المجتمعية الفكرية والسياسية والثقافية والاثنية الفعلية على الأرض لتمنح هذه الدولة أو العقد الذي سيقام على أساسه نظامها وشكلها الشرعي على الصعيد الداخلي أولاً وعلى الصعيد القانوني الدولي ثانياً.

أما العمل خارج إطار المجتمع والواقع فحتماً سيولد الصراعات والأزمات أجلاً أم عاجلاً، والاعتماد على الآخرين المتربصين المستعدين لأي فرصة تحقق لهم مآربهم ومطامعهم سيزيد من تفاقم الأزمات بدلاً من تقويضها والسعي لحلها.

لذا ينبغي على المجتمع الدولي إن كان حقاً يسعى لحل الأزمة السورية إعداد لجنة دستورية تعكس واقع سوريا وأن تهيأ مناخاً يفضي إلى التعايش بين كافة مكونات سوريا لا أن تسير خلف اجندات بعض الأنظمة الاقليمية والدولية المحتلة لسوريا.

دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى