مقالات

الفن والأدب الثوري

عفاف حسكي

بالنظر إلى تاريخ الفنون والآداب، ومنها (الشعر، المسرح، التمثيل النحت، الرقص، الرسم، الموسيقا) التي أبدعها الانسان منذ العصور القديمة، وأضاف إليها لاحقاً الكتابة الروائية وفنون السينما والعروض التلفزيونية. تلك الآداب والفنون الإبداعية تبقى آلية التعبير للإنسان عن ذاته وبيان إمكانياته ومواهبه من خلال قدراته التعبيرية الجسدية أو الصوتية أو الكتابية، فأصبحت دفاتره القيمة الأساسية في الحياة، كون الفن والأدب من أهم أسلحة النضال في معارك الإنسان ضد الظلم والاستغلال والاستعباد، ممتلكاً القدرة على أن يرفع صوته ويبري قلمه في وجه الريح المضادة التي تهب في وجهه وتحاول تهميشه، فالأدب الثوري قادرٌ على بلورة وعي الإنسان والمجتمع، ويحول الفن الجاد إلى منصة راقية لإيصال صياغات الثورة ومبادئها وأفكارها ونقل الأحداث والواقع برؤية إبداعية حقيقية صادقة دونما زيف، وبرؤية موضوعية وفكرية وسيكولوجية واجتماعية بما يقاس بها مفاهيم الفن الذي يعكس حالات ملموسة، إذ يمارس الفن دوره التنويري في أوساط المثقفين وسائر طبقات وشرائح المجتمع التي تتداخل مصالحها وتندمج مع مبادئ الجمال والأخلاق التي تواكبه بالجوهر وروح التفاني والبطولة التي يشعها في المجتمع بزخرفة يرسمها للعالم روعة وجمالاً لتشع شمس المعرفة الغائبة ويحولها إلى عزف جديد بتأثير الأحداث تاريخياً للحياة المعاصرة التي تدور فيها دوائر اللهيب والدمار لينتج فناً وأدباً نقياً صافياً ممتزجاً برائحة التراب المجبول بالدماء الزكية التي دافعت عن الأرض وقيم الحرية، وليخلد الأدب في صحائف التاريخ ولتنطلق الأغاني الثورية التي تمجد مقاومة الإنسان نحو فضاءات بلا حدود، وليحرث الأدب حقوله بكتاباته وبذور نضاله في أرض خصبة مجبولة بالتضحية والعطاء من خلال فنونه وإبداعه الوطني الإنساني المستند إلى آلية الفكر الثوري وإنجازات الثورة في أجواء من حرية الكتابة والتعبير الذي يميزه عن غيره في إدراك الذات وفن المهارة الإبداعية والإتقان ودفعه في مجريات الأحداث لتشمل أولى أولياته وصولاً إلى العمق نحو ترسيم آفاق القيم الفكرية والاجتماعية من خلال الفن والأدب للمضي بالإنسان إلى منابع الثروة الفكرية والمجتمعية كفكر ثوري واقتصاد مجتمعي تشاركي ضمن بيئة طبيعية لينتفع بحقيقة جوهر الأدب والفن وصولاً الى اختراق جميع الحدود القبلية والاقطاعية الاستغلالية والتي كانت قائمة على ممارسة فكر ظلامي مبني على الاستغلال والتخلف والاستعباد وضد تلك السدود الصارمة التي أغلقت منافذ الفكر الصحيح.

ضمن هكذا أوضاع يتحتم على الفن والأدب أن يلتزم بالثورية وكنس رُكام الماضي الرجعي والتزام الصدق في مخاطبة الجماهير والدفاع عن مكتسبات الثورة التي أضاءت عتمة حقبة طويلة من القهر، وليتحول الى قمة التنوير عبر تحقيق المعايير الفنية والأدبية للارتقاء بروح الثورة ونسج خيوطها الانسانية والوطنية والأخلاقية والديمقراطية، فالثورة أشعلت في نفوس الفنانين عشقاً قادراً على صنع قيم الإبداع، فغنّوا للمقاومة البطولية التي سطّرت أروع ملاحم التضحية وعزفوا بأصابعهم روح ثورة ارتد صداها الإنساني الديمقراطي جهات الأرض وأوصلوا صوتها الى العالم أجمع عبر حقيقة الوجود وجوهر الثورة القائمة على الحق ليصبح الثوري العاشق العازف المسرحي الموسيقي الأدبي الروائي السينمائي والصحفي الذي يسعى إلى ثقافة التعايش المشترك وأخوة الشعوب وحق كل شعب أن يعيش مع أخيه في أرض واحدة و لتتحول الخرائط إلى أوطان خضراء على امتداد شرقنا الأوسط. بتلك الرسالة السامية التي تلغي الديكتاتوريات وتلغي فكرة اللون الواحد واللغة الواحدة والعلم الواحد، وليصبح المجتمع حديقة بألوان متنوعة وتصدح بلغات متعددة، ليكون التنوع سِمة العصر ومن منجزات الثورة مدافعاً عن قضايا الديمقراطية والانسانية للشعوب المقاومة، وترسيخ الواقعية النقدية المبدعة وبيان الحقيقة التاريخية والقوة الثائرة أمام آلة الظلم التي استباحت المجتمع، ويبدع في بيان منجزات حرية المرأة قلماً انيقاً مدافعاً عن حقوق الطفولة والبيئة في فضاءات الفن ضمن إطارات تفاعله الجوهري في الاتجاهات الكلية التي تعتبر كونية وأممية عبر الانفتاح على الأصوات المثقفة ماضياً وحاضراً محتضناً ذاك الفضاء الرحب ملتحماً بجباله وصخوره وأشجاره و سهوله.

إن ما تسعى إليه ثورة “روج آفا” هو الإنسان والمرأة والطفولة والبيئة وفق أخلاق المجتمع القويم، وكانت الآداب والفنون مرآة انعكست على وجهها النقي الساطع ثقافة الثورة الحقيقية، لتعلن عن خلق أدب وفن ثوري يسعى إلى مواكبة الصراعات الجديدة وفضح الممارسات التي تتعرض لها المنطقة، والثورة مدافعة عن واقعها ووجودها بروح التجدد والعطاء والتضحية لترسم وطناً حراً، وعالماً من الجمال والأخلاق والحق.

زر الذهاب إلى الأعلى