الأخبارالعالممانشيت

الـ CNN: السياسة التركية القتالية في الخارج قد تصل إلى طريق مسدود

تمارا قبلاوي: مؤسِّسة مشاركة لمجموعة “كنوز روم” (ش.م.ل.) للإنتاج الإعلامي. تعمل انطلاقاً من خبرتها في الشؤون الدولية والصحافة التقليدية، على تنفيذ مشاريع صحافية خلاّقة تركّز من خلالها على الروايات والمعارف الشعبية.

من مشاريعها الوثائقي الشامل “ملجأ” (Shelter) وسلسلة الروايات الرقمية “حدود” (Borders)؛ ويتناول مشروعها الأخير الجواسيس في ثمانينيات القرن العشرين.

منذ ما يقارب من عقدين زمنيين قام أردوغان بخطواتٍ واسعة في محاولةٍ لتغيير مكانة أنقرة في العالم, ولكن اليوم تبدو أحلامه بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.

فمنذ أكثر من عشر سنوات عندما كان أردوغان رئيساً لوزراء تركيا عمل على إظهار قوة تركيا الإقليمية من خلال توسيع نفوذها في الدول والأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية السابقة في الشرق، متأملاً بأن تصبح قوة عالمية لا يستهان بها, واستحوذت هذه الفكرة على مخيلة القاعدة الشعبية لأردوغان التي دعمت محاولاته لتوسيع سلطاته. وقد حقق حلفاء أردوغان في مصر وسوريا مكاسب سياسية ضخمة في السنوات الأولى من الربيع العربي الذي بدأ لأول مرة في كانون الأول 2010, وبدا أن حلم أردوغان العثماني الجديد سيتحقق.

لكن بعد مرور عقدٍ من الزمان أصبح حلفاء أردوغان في المنطقة (إلى حدٍّ كبير مجموعات تابعة للإخوان المسلمين) وقوة متضائلة بشكل كبير.

وما عدا قطر والصومال وحكومة السرّاج التي تتخذ من طرابلس مقراً لها في ليبيا التي مزقتها الحرب, ترك عرض أردوغان لشكل السلطة في ليبيا طعماً مريراً في أفواه العديد من القادة الإقليميين, كما أنه أثار حفيظة الدول الأوروبية  مثل فرنسا واليونان وقبرص, والتي حاولت علانية احتواء نفوذ تركيا في شرق البحر المتوسط.

ومن ناحية أخرى أثّر الاقتصاد التركي المتعثر الذي تفاقم بسبب آثار Covid-19 كثيراً في أعمال ومشاريع أردوغان، وحد من قدرته على التخلص من عزلة تركيا المتزايدة.

ويبدو أن القوى الإقليمية المناهضة لأردوغان قد وجدت قضية مشتركة مع بعض الدول الأوروبية, فقد كثفت مصر وإسرائيل وقبرص واليونان التعاون الاستراتيجي في عدة مبادرات، وبالأخص في استخراج احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط، وتم تهميش أنقرة في هذه العملية, وقدمت فرنسا ـــ التي عارضت حملة تركيا ضد المقاتلين الكرد في سوريا والدعم التركي للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها في ليبياـــ الدعم لمبادرة شرق البحر المتوسط ​​للطاقة, وكذلك الإمارات العربية المتحدة  قدمت دعماً ضمنياً لهذا المسعى, كما ظهرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (التي حافظت إلى حد كبير على علاقة جيدة مع أردوغان) إلى جانب خصوم تركيا.

ومؤخراً صرّح وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) بأن حكومته قلقة للغاية من تصرفات تركيا في شرق البحر المتوسط, وفي الشهر الماضي  أعلنت الولايات المتحدة أيضاً إلغاء حظر توريد الأسلحة إلى قبرص المقرر منذ عقود.

قامت تركيا مؤخراً بدعم الحملة العسكرية الأذربيجانية على منطقة ناغورنو كاراباغ , وقد أودى هذا الصراع المتجدد بين أذربيجان وأرمينيا بحياة المئات, وقد رفض أردوغان مرة أخرى الانضمام إلى دعوة المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار.

الاقتصاد التركي في حالة ركود

إن الظروف التي مكّنت أردوغان من إحداث ثورة في سياسة تركيا الخارجية تبخرت, ففي أوائل العقد الأول من القرن الحالي حقق أردوغان نتائج اقتصادية ممتازة، مما عزز محاولته لتغيير السياسة الداخلية والخارجية لتركيا.

ولكن الاقتصاد التركي اليوم بعيد كل البعد عن تلك الفترة، مما أدى إلى خسائر كبيرة لحزب أردوغان في الانتخابات البلدية، وقد يؤدي في النهاية إلى التراجع في الساحة الدولية, فالاقتصاد فقط هو الذي يحدّد ما إذا كان بإمكان تركيا الاستمرار في استعراض عضلاتها، وعندما يكون الاقتصاد  ضعيفاً فلن يكون لدى تركيا ميزانية مخصصة لكل هذه المعارك والجبهات.

مستقبل تركيا الاقتصادي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلاقاتها الدولية, ويمكن أن يؤدي الاقتصاد المنهك إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، ولكن هذه المساعدة يمكن أن تأتي مع شروط سياسية مرفقة, وقد تفقد تركيا التي لا تحظى بشعبية دولية آفاق استخراج الغاز في شرق البحر المتوسط.

وهذه هي المعضلة الرئيسية التي تواجه صانعي السياسة الأتراك، إنها ما تفعله السياسة الخارجية والخطاب العدائي في المستقبل الاقتصادي لتركيا.

زر الذهاب إلى الأعلى