مانشيتمقالات

الخيانة والأيديولوجيا

خالد عمر

لا شك في أنه ليست كل الأحداث هي بذات التأثير على عقل ووجدان الانسان فرداً كان أم مجموعة (شعب) مع أن بعضها تتشابه من حيث النتيجة، فاستشهاد مقاتل أثناء تنفيذ عملية هجومية أو خلال عملية دفاعية مشابه في النتيجة لاستشهاد مقاتل بنتيجة استنشاقه للغازات السامة أو بنتيجة استعمال الدولة الفاشية التركية للسلاح الكيماوي في عملياتها الهجومية على مقاتلي حرية كردستان بعد أن قامت جهة ((كردية)) بمصادرة تجهيزات الوقاية من تلك الأسلحة التي كانت ذاهبة إلى قوات الدفاع الشعبي، في كلتا الحالتين تكون النتيجة هي فقدان هذا الشعب لواحد من أبنائه الذين سخّروا حياتهم في سبيل نيل الشعب لحقوقه، إلّا أن الحالة الثانية هي أشد ثقلاً بمئات المرات على وجدان هذا الشعب، وتستوي مقارنة الحالة الأولى مع حالة قيام حرّاس القرى في شمال كردستان بإلقاء القبض على الرفيق هارون وتسليمه لسلطات الدولة الفاشية التركية.

إن هكذا حالات تؤدي وبشكل طبيعي إلى حالة من الغليان لدى الشعب بشكل عام وتؤدي إلى استيقاظ الوحش الساكن في داخل كل فرد فيصبح مطلبه الوحيد الذي يرى أنه سيؤدي إلى تحقق العدالة بأن تتم تصفية ذلك القوروجي وأن يتم التنكيل به قبل تصفيته، تماماً عندما نسمع هنا في روجافا بين الحين والآخر بأنه تم إلقاء القبض على شخص متعامل مع الميت التركي يقوم بإعطاء إحداثيات أماكن أو أشخاص للدولة التركية من أجل أن تقوم بإرسال طائراتها المسيّرة التي تقوم بإلقاء القنابل أو إطلاق الصواريخ لتكون النتيجة أيضاً استشهاد الأشخاص المستهدفين.

فالحالة الطبيعية هي أنه لا يمكنك لوم عدوّك عندما يستهدفك ويسعى إلى تصفيتك، لأنه عدوّ ومثلما ترى الحق لنفسك في استباق قتله قبل أن يسبقك هو إليك فإنّه هو أيضاً يتحرك بنفس الدافع، ولكن الغير طبيعيّ هو عندما يكون هناك وسيط من بني جلدتك ساهم في تلك التصفية أو كان هو الأداة المباشرة، فإنه حينها تكون الكارثة التي لا يتقبّلها ضمير الأمة وشعورها الجمعيّ.

ما أريد قوله هو أن “الخيانة” فيما لو نظرنا إليها من منظور خارجي وبعيداً عن العواطف، ببساطة سوف نجدها أمراً طبيعيّاً وذلك لسبب وحيد ألا وهو أنه ما من شعب على وجه الأرض وعلى مرّ التاريخ إلّا وظهر فيه خلال مراحل الثورات والحروب خونة وعملاء، وكأن ظهور الخونة في الشعوب لهو سُنّة كونية أو أمر واقع لا مفر منه، ولو أنه كانت هناك احصائيات دقيقة من مراكز مختصة لتبين أن النتيجة هي أن نسبة الخيانة التي ظهرت في الشعب الكردي لهي أقل نسبة خيانة ظهرت عبر التاريخ بين الشعوب التي عاشت الحروب والثورات.

وحتى نكون محصنين بشكل جيد ضد ردات الفعل اللاطبيعية التي قد نصدرها إزاء حالات الخيانة والعمالة التي نشهدها أو نسمع بها بين الحين والآخر فإنه ينبغي علينا أن نتحصن أيديولوجياً بشكل جيد، لأن الضعف الأيديولوجي لدى الفرد يجعله فريسة سهلة بكل المقاييس، فيجب أن لا نغفل عن أن الأهداف التي يسعى العدو التركي إلى تحقيقها من خلال تجنيد العملاء بيننا لا تنحصر في أن تتم معاونتهم من أجل استهداف القياديين العسكريين أو السياسيين، بل إن الأبعد من ذلك أنها تهدف إلى خلق حالة من الانهيار الداخلي لدينا عندما نكتشف أن أحداً منّا ومن بيننا قد جندته الدولة التركية مقابل مبلغ من المال، وما يثبت هذا التحليل هو أن العديد من هؤلاء العملاء عندما كان يتم التحقيق معهم فإنهم كانوا يتحدثون عن مبالغ مالية تافهة جداً كانت تدفعها لهم تركيا لقاء خدماتهم، أي أنه حتى كمية المبلغ وجعله زهيداً وتافها هي أيضاً مسألة مدروسة من قبل الدولة التركية، لأنه وبكل تأكيد حسبت تركيا بأن هذا العميل قد يمكن كشفه واعتقاله، وعليه فإنها أيضاً تعلم بأنه عندما يعترف بأنه كان يخدم الدولة التركية مقابل مبلغ زهيد وتافه مقارنة بالخدمات التي يؤديها, فإن مسألة المبلغ التافه ستسهم في تشديد وطأة وثقل الموضوع على عاطفة الشعب وإرادته، وستؤدي إلى خلق حالة من اليأس والتراجع لديه، وهذا هو الهدف البعيد التي تسعى الدولة التركية إلى تحقيقه من خلال تجنيد العملاء والخونة.

ولكن عندما نكون واعين لهذا الأمر بشكل مسبق فإنه سوف لن تستطيع الدولة التركية تحقيق هدفها هذا وتتوقف قوة هذا الوعي على مقدار تشرّب أذهاننا ايديولوجياً.

زر الذهاب إلى الأعلى